الحمد لله أن مد فى عمرى حتى أرى دعوة جادة لإعادة السيادة للأرض الزراعية ونعود لنأكل من زرع أيدينا، ونرى ثورة من أخطر الثورات فى تاريخنا الحديث لإنقاذ بقايا أخصب أراضينا الزراعية، وحتى لا تلحق بملايين الأفدنة التى أهدرت وخربت وأبيح البناء فوقها.. لم تكن تلك الجريمة الأخطر بفعل من نهبوا الأرض وحدهم ولكن كان الدور الأخطر لمن يحملون مسئولية إدارة الأرض فأباحوا بوضع اليد الاستيلاء على الأرض وتجريفها والبناء فوقها، لتفقد مصر العمود الفقرى لوجودها التاريخى وقوتها واستغنائها واستقلالها وتأمين أمنها القومى الصحى والغذائى والاقتصادى.. وما يمثل أهم ضمانات نجاح ثورة استرداد الأرض أن يقودها الرئيس بنفسه رغم عقبات كثيرة فى طريقها.. فهل الأرض الخصبة التى تكونت من غرين النيل خلال آلاف السنين ستصلح لزراعتها بعد تجريف الطبقة الطينية الخصبة؟!! ولماذا تتراجع يوما بعد يوم الأرقام المطلوبة للتصالح رغم أن الفيصل فى قيمة هذه الأرقام يجب أن يكون فى توفير الثروات التى تحتاجها زراعة الصحراء عوضا عما فقدناه من أخصب أراضى الوادى القديم، وإشراك كل مسئول عن حماية الأرض خاصة المحليات فى دفع الغرامات المطلوبة ليعرف كل مهمل وفاسد أنه سيدفع ثمن فساده، مع الانتباه إلى الأكاذيب والادعاءات التى يثيرها المضارون من استقامة وعدالة إدارة الأمور كأن يقال إن الحكومة تريد هدم مساكن البسطاء ولم تلمس فيلات وقصور الكبار التى بٌنيت وسط الاراضى الزراعية، مما يفرض أن تكون هناك شفافية فى السياسات والقرارات وبيانات بما تم هدمه وما سيتم التصالح فيه وأن يبدأ التطبيق بالكبار مع مراعاة ظروف الذين لم يدركوا حجم المخاطر التى يعرضون بلدهم لها وإعلان حجم الأموال المستردة وكيف سيتم استثمارها. أشرت الأسبوع الماضى إلى أننا بعد كل التغيرات التى حدثت فى مصر مازلنا الدولة الأولى فى استيراد القمح كما أعلن رئيس مجلس الوزراء ، والاحد الماضى6 /9 عاد الرئيس للمطالبة بأولويات لتحقيق هذا الأمن من خلال خطة إستراتيجية للنهوض بالإنتاج الزراعى والحيوانى وتحديث نظم الرى وإعداد منظومة متكاملة لتجميع الألبان وتوجيه 2 مليار جنيه لتمويل مشروع البتلو .. التوجيهات الرئاسية تفرض على الوزارات المسئولة وفى مقدمتها وزارة الزراعة ومراكز الأبحاث ان تعلن بوضوح الخطط العلمية والمدى الزمنى المطلوب لتنفيذ هذه الحلول وقد قدمت على صفحات «الأهرام» وفى مئات المقالات ما لدى علمائنا وجامعاتنا ومراكز أبحاثنا لإنقاذ أمننا الحيوى والانتاجى وفلاحينا وأرضنا ومياهنا. وحتى لا يتصور أحد أن دعوات الإنقاذ مستحدثه وأننا التزمنا الصمت أمام كل ما كان يحدث، وان القلم لم يجعلها حربا يجب ان يخوضها لإحياء وبعث ما لدى العلماء من علم وخطط تطبيقية قادرة على تحقيق معجزة الإنقاذ وكنموذج ومثال جمعت بعض المقالات التى نشرت على صفحات «الاهرام» فى نهايات القرن الماضى فى كتاب بعنوان «حروب جديدة.. شهادات وحجج » صدرت الطبعة الاولى فى يناير 2003 وعلى الغلاف الأخير من الكتاب كتبت هذه السطور «تساءلت طويلا هل أتفرغ لكتابة رواية أو مجموعة قصصية أحاول بها استكمال مشروعى القصصى الذى توقفت فيه بعد بدايات لا بأس بها وضم سبع مجموعات قصصية أم أتفرغ لمواجهة محنة اختراق لقمة العيش وسرقة ثروة المصريين الأغلى من طين الأرض والزرع والمياه ومخططات الحرب البيولوجية، التى تحتل الأمعاء والمستقبل بالسموم والمبيدات والملوثات .. أليس ما وقفت عليه من شهادات وحجج دامغة رواية من أخطر روايات وأحداث مصر فى نهايات القرن العشرين وتفوق الكثير مما حوى التاريخ من أشرس جرائم الإبادة والتبديد والتخريب». أليس هؤلاء العلماء المطاردون والممنوعون من الإنقاذ والممنوع علمهم الوطنى من الاستثمار والذين يتوسلون إلى من يطبق مناهجهم وأبحاثهم أبطالا جددا فى أزمنة تبوير ما يقدمونه من أحزمة أمان لتأمين مجتمعاتهم بالعلم والمناهج والأبحاث. أليس مدهشا ان يجد القاص واحدا من نماذجه الأدبية يغادر الأوراق التى رسم فوقها ويدق بابه ويقول إن الوقائع الفاسدة أو الجاهلة أو المتآمرة أعطته قوة الإحياء؟! ويدفع الابطال الواقعيون بأكوام من الوثائق والمستندات والشهادات والشرائط المصورة تحوى أعمالا درامية متكاملة تختلف فقط فى أنها ليست من بنات الافكار والتخيل وإنما طرح العجائب التى عاشها المصريون فى الأعوام العشرين الأخيرة من القرن الماضى. إذن كان المستهدف إفقاد مصر جميع المميزات التفضيلية لقطاعها الزراعى الذى مثل وسيظل يمثل العمود الفقرى لوجودها واستقرارها وأمنها الحيوى والصحى والغذائى وإعادة هذه المميزات هو ما طالب الرئيس به وألا يتوقف الأمر على استرجاع ما سلب ونهب ودمر من أخصب أراضينا.. نعم تفاقم وتراكمت المشكلات وسوء وفساد الإدارة وضرورة علاجه بالقانون وعدالة التطبيق وقانون من أين لك هذا خاصة فى المحليات لمنع العودة إلى محاولات جديدة للبناء فوق أراض زراعية وإنصاف الفلاح فى الإيجارات وتيسير الخدمات وحماية الأسواق من الأسمدة والمبيدات المغشوشة وتفعيل دور جهاز الإرشاد الزراعى والاستعانة بما لدى الباحثين والخبراء والجامعات من أبحاث لمضاعفة إنتاجية القمح وإعادة القطن إلى عرشه الذهبى والتعامل مع ما استجد من مشكلات المياه ونقص الاراضى الخصبة وزراعة الصحراء، وإنهاء سطوة ونفوذ الجمعيات الزراعية التى يشكو كثير من الفلاحين من سوء ممارساتها.. أهل الزراعة وعلومها وأبحاثها وعلماؤها يعرفون أكثر وأفضل منى، فقط أردت أن نحسن استثمار وجود إرادة وطنية حازمة ستوفر المتابعة والمحاسبة وتطبيق القانون وسائر ما افتقدناه فى إدارة أغلب أمور حياتنا. تحية للنائب العام المستشار حماده الصاوى فى سعيه المخلص والحثيث لإعادة الانضباط إلى كثير من أمور حياتنا التى أرادت ان تجعل من الفوضى والتبجح وتحدى الرأى العام قوانين عامة تحكم الحياة فى مصر .. وتحيه لسعيه لإعادة الكرامة والسيادة لقيمة المواطنة وجعلها فوق أي مرتبة أو درجه أو مسمى وظيفى!. نقلا عن صحيفة الأهرام