حريق يلتهم 4 أفدنة قمح في قرية بأسيوط    متحدث الصحة عن تسبب لقاح أسترازينيكا بتجلط الدم: الفائدة تفوق بكثير جدًا الأعراض    بمشاركة 28 شركة.. أول ملتقى توظيفي لخريجي جامعات جنوب الصعيد - صور    برلماني: مطالبة وزير خارجية سريلانكا بدعم مصر لاستقدام الأئمة لبلاده نجاح كبير    التحول الرقمي ب «النقابات المهنية».. خطوات جادة نحو مستقبل أفضل    ضياء رشوان: وكالة بلومبرج أقرّت بوجود خطأ بشأن تقرير عن مصر    سعر الذهب اليوم بالمملكة العربية السعودية وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الأربعاء 1 مايو 2024    600 جنيه تراجعًا في سعر طن حديد عز والاستثماري.. سعر المعدن الثقيل والأسمنت اليوم    تراجع أسعار الدواجن 25% والبيض 20%.. اتحاد المنتجين يكشف التفاصيل (فيديو)    خريطة المشروعات والاستثمارات بين مصر وبيلاروسيا (فيديو)    بعد افتتاح الرئيس.. كيف سيحقق مركز البيانات والحوسبة طفرة في مجال التكنولوجيا؟    أسعار النفط تتراجع عند التسوية بعد بيانات التضخم والتصنيع المخيبة للآمال    رئيس خطة النواب: نصف حصيلة الإيرادات السنوية من برنامج الطروحات سيتم توجيهها لخفض الدين    اتصال هام.. الخارجية الأمريكية تكشف هدف زيارة بليكن للمنطقة    عمرو خليل: فلسطين في كل مكان وإسرائيل في قفص الاتهام بالعدل الدولية    لاتفيا تخطط لتزويد أوكرانيا بمدافع مضادة للطائرات والمسيّرات    خبير استراتيجي: نتنياهو مستعد لخسارة أمريكا بشرط ألا تقام دولة فلسطينية    نميرة نجم: أي أمر سيخرج من المحكمة الجنائية الدولية سيشوه صورة إسرائيل    جونسون: الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين داخل الجامعات الأمريكية نتاج للفراغ    قوات الاحتلال تعتقل شابًا فلسطينيًا من مخيم الفارعة جنوب طوباس    استطلاع للرأي: 58% من الإسرائيليين يرغبون في استقالة نتنياهو فورًا.. وتقديم موعد الانتخابات    ريال مدريد وبايرن ميونخ.. صراع مثير ينتهي بالتعادل في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    معاقبة أتليتيكو مدريد بعد هتافات عنصرية ضد وليامز    موعد مباراة الأهلي والإسماعيلي اليوم في الدوري والقنوات الناقلة    عمرو أنور: الأهلي محظوظ بوجود الشناوي وشوبير.. ومبارياته المقبلة «صعبة»    موعد مباريات اليوم الأربعاء 1 مايو 2024| إنفوجراف    ملف رياضة مصراوي.. قائمة الأهلي.. نقل مباراة الزمالك.. تفاصيل إصابة الشناوي    كولر ينشر 7 صور له في ملعب الأهلي ويعلق: "التتش الاسطوري"    نقطة واحدة على الصعود.. إيبسويتش تاون يتغلب على كوفنتري سيتي في «تشامبيونشيب»    «ليس فقط شم النسيم».. 13 يوم إجازة رسمية مدفوعة الأجر للموظفين في شهر مايو (تفاصيل)    بيان مهم بشأن الطقس اليوم والأرصاد تُحذر : انخفاض درجات الحرارة ليلا    وصول عدد الباعة على تطبيق التيك توك إلى 15 مليون    إزالة 45 حالة إشغال طريق ب«شبين الكوم» في حملة ليلية مكبرة    كانوا جاهزين للحصاد.. حريق يلتهم 4 أفدنة من القمح أسيوط    دينا الشربيني تكشف عن ارتباطها بشخص خارج الوسط الفني    استعد لإجازة شم النسيم 2024: اكتشف أطباقنا المميزة واستمتع بأجواء الاحتفال    لماذا لا يوجد ذكر لأي نبي في مقابر ومعابد الفراعنة؟ زاهي حواس يكشف السر (فيديو)    «قطعت النفس خالص».. نجوى فؤاد تكشف تفاصيل أزمتها الصحية الأخيرة (فيديو)    الجزائر والعراق يحصدان جوائز المسابقة العربية بالإسكندرية للفيلم القصير    حدث بالفن| انفصال ندى الكامل عن زوجها ورانيا فريد شوقي تحيي ذكرى وفاة والدتها وعزاء عصام الشماع    مترو بومين يعرب عن سعادته بالتواجد في مصر: "لا أصدق أن هذا يحدث الآن"    حظك اليوم برج القوس الأربعاء 1-5-2024 مهنيا وعاطفيا.. تخلص من الملل    هل حرّم النبي لعب الطاولة؟ أزهري يفسر حديث «النرد» الشهير (فيديو)    هل المشي على قشر الثوم يجلب الفقر؟ أمين الفتوى: «هذا الأمر يجب الابتعاد عنه» (فيديو)    ما حكم الكسب من بيع وسائل التدخين؟.. أستاذ أزهرى يجيب    هل يوجد نص قرآني يحرم التدخين؟.. أستاذ بجامعة الأزهر يجيب    «الأعلى للطرق الصوفية»: نحتفظ بحقنا في الرد على كل من أساء إلى السيد البدوي بالقانون    إصابات بالعمى والشلل.. استشاري مناعة يطالب بوقف لقاح أسترازينيكا المضاد ل«كورونا» (فيديو)    طرق للتخلص من الوزن الزائد بدون ممارسة الرياضة.. ابعد عن التوتر    البنك المركزي: تحسن العجز في الأصول الأجنبية بمعدل 17.8 مليار دولار    نصائح للاستمتاع بتناول الفسيخ والملوحة في شم النسيم    "تحيا مصر" يكشف تفاصيل إطلاق القافلة الإغاثية الخامسة لدعم قطاع غزة    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط.. صور    أفضل أماكن للخروج فى شم النسيم 2024 في الجيزة    اجتماعات مكثفة لوفد شركات السياحة بالسعودية استعدادًا لموسم الحج (تفاصيل)    مصدر أمني ينفي ما تداوله الإخوان حول انتهاكات بسجن القناطر    رئيس تجارية الإسماعيلية يستعرض خدمات التأمين الصحي الشامل لاستفادة التجار    الأمين العام المساعد ب"المهندسين": مزاولة المهنة بنقابات "الإسكندرية" و"البحيرة" و"مطروح" لها دور فعّال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تغيير رؤية العالم عن المسلمين
نشر في بوابة الأهرام يوم 06 - 09 - 2020


د. محمد عثمان الخشت
تغيير رؤية العالم Worldview عند المسلمين: إذا كنت تعتقد فى الخرافات والأعمال السفلية والعلوية، فإن هذا يكوّن رؤيتك للعالم بوصفه عالما تحكمه الأشباح والعفاريت والسحرة، وليس قوانين الطبيعة التى سنها الله تعالى والتى لا تتبدل. وبالتالى سوف تؤثر هذه الرؤية على سلوكك، فلن تحاول اكتشاف قوانين الكون ، وبالتالى لن تتقدم فى العلوم. وسوف تترك الأخذ بالأسباب الطبيعية وتعمل على تحقيق أمنياتك بمجرد نطق بعض الكلمات أو التعاويذ أو تلجأ إلى السحرة وصانعى «الأعمال السحرية» لجلب الحبيب مثلا أو لشفاء المريض أو للترقية فى المنصب أو للنجاح فى الامتحانات أو للحصول على كنز يغنيك! بينما الرؤية العلمية تقوم على أن الكون محكوم بقوانين محكمة لا تتخلف، وأن التغيير فيه يكون بالأخذ بالأسباب الطبيعية (..وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا. فَأَتْبَعَ سَبَبًا) (الكهف: 84، 85).
وإذا لم تكن على التوحيد الخالص المبين لله تعالى وحده، وتعتقد فى تأثير الأولياء فى العالم، فإنك سوف تدعوهم أو توسطهم عند الله تعالى لتحقيق أمنياتك، أو سوف تأخذ بعض الزيت من قنديل أم هاشم (رضى الله عنها) لتشفى مرضك، ولن تأخذ بالعلم ولا بالأسباب ولا بقوانين الطبيعة فى الشفاء! وبالمناسبة أنا أحبها وأقدرها فوق ما يظن البعض، لكن لا أتوسل بها ولا أدعو الله ولا أصلى له سبحانه عند قبرها؛ فهو وحده النافع الضار وهو وحده مقصد السماوات والأرض.
وإذا كانت تسيطر عليك الرؤية الأحادية للعالم السياسى والاجتماعى والعقائدى التى تقوم على مبدأ ( إما ... أو...)، فسوف تنظر للعالم على أنه مقسم إلى قسمين (أبيض وأسود)، (دار الحرب ودار السلام)، (إما معى أو ضدي)، (كل من يختلف معى فهو ضدي)، بينما الرؤية العلمية المؤسسة على نصوص الوحى النقى الأصيل تؤكد أن الإسلام نفسه يعترف بالتنوع البشري، ويدعو للتعايش الإنساني، ويدعو إلى قيم وأخلاق التقدم. وهذا هو «قلب عصر العلم» الذى لم يدخله المسلمون المعاصرون حتى الآن!
ولذلك أكدت فى كتاب (نحو تأسيس عصر دينى جديد) أن تجديد المسلمين يقتضى أول ما يقتضى تغيير رؤية العالم Worldview فى مخيالهم؛ لأن هذه الرؤية هى الأساس النظرى للفهم والتفكير، وهى التى تضع المحددات التى فى ضوئها يتشكل الفعل وطرق التعامل والتفاعل مع العالم المحيط وعناصره.
ورؤية العالم فى تصورى - ولا يعنينى هنا إن كنتُ متفقا أو مختلفا مع إمانويل كَنْت أو فيلهام دلتاى أو ماكس فيبر أو غيرهم- أقول إن رؤية العالم فى تصورى هى الخريطة الذهنية العامة الذى نفهم بها كل ما يحيط بنا : الكون، الحياة، الناس، مستويات الوجود، الألوهية، الثقافات العالمية، بل هى الإطار الذى نفهم به أنفسنا أيضاً بوصفنا جزءا من هذا العالم؛ لأن رؤية العالم هى مجموعة من الافتراضات الأساسية Basic Assumptions فى مخيالنا عن العالم، وهى أيضا الخرائط المعرفية Cognitive Maps التى توجه مسارات التفكير وتحدد صورة العالم، وتتضمن فى داخلها كتلة المبادئ والمعتقدات الكلية التى يحيا بها الإنسان؛ وفى ضوئها يضع الوعى الجمعى للناس علاقاتهم مع العالم، ونجد لها انعكاسات واضحة على الحياة الأخلاقية والاجتماعية والسياسية.
وعلى هذا فإن وظيفة الرؤية هى وظيفة معرفية، وهى نقطة البدء فى تغيير المسلمين ؛ فالمسلمون اليوم -أو أغلبهم- ببساطة يملكون رؤية عقيمة عن العالم، وهى رؤية تتقاطع مع الرؤية الكهنوتية والسحرية اللاهوتية للعالم (التى حاربها الإسلام الأول لكن المسلمين فى عصور التراجع ارتدوا إليها). وهذه الرؤية الكهنوتية والسحرية لا تخرج عن مجمل رؤية العصور الوسطى الأوروبية. والغرب والشمال والشرق الأقصى يتقدمون علينا لأنهم ثاروا على هذه الرؤية السحرية اللاهوتية، وكافحوا من أجل تكوين رؤية علمية للعالم. وهذه الرؤية هى الأساس النظرى لكل مكتسباتهم العلمية والحضارية وتفوقهم علينا فى التكنولوجيا، والعلوم الاجتماعية، والطبيعية، والفنون، والعلوم التطبيقية.
إن الرؤية الكهنوتية تعتمد فى الأساس على وجود وسطاء بين الله والإنسان الفرد، والرؤية السحرية تقوم على رؤية العالم محكوما بالسحر والسحرة والجن والعفاريت والأشباح والأعمال السفلية تارة، والتدخلات الغيبية الخارقة تارة أخرى.أما قوانين الطبيعة فهى سواء عند أصحاب الكهنوت أو أهل الرؤية السحرية- شيء طارئ وثانوى وغير ضروري، والعلوم الرياضية والطبيعية من النوافل فى التعامل مع الكون، وأيضا العلوم الإنسانية والاجتماعية هى آخر شيء يمكن اللجوء إليه لحل مشكلات المجتمع أو الفرد. وكيف يمكن أن يحدث هذا والبعض لا يزال يصر على استمرار العلوم الدينية القديمة بالاعتماد فقط على النقل والحفظ والترديد؟!
إن العالم باختصار عند أغلبهم محكوم بقوى غيبية تربط وتنظم الأشياء بصورة منافية للقوانين العلمية التى تحكم الطبيعة فى الرؤية العلمية. ومن هنا تكون الردة -دون وعي- إلى تصورات الأديان الوضعية السحرية التى انتبذها الإسلام.
ولنقف قليلا عند الفروق الحقيقية بين الإسلام الأول والرؤية السحرية التى تعد إحدى سمات الخطاب الدينى البشرى فى عصور التراجع. وهذه الفروق - من وجهة نظرنا- تكمن فى عدة جوانب سوف نتناولها فى هذا المقال ومقالات تالية إن شاء الله تعالى. ونذكر هنا من هذه الجوانب أن السحر يعتمد على التأثيرفى الأشياء عن طريق كائنات شيطانية أو أرواح أو تعاويذ أو كلمات مجردة أو أعمال سفلية أو قوى غيبية يتصورون أنها كامنة فى بعض الأشياء المادية. أما الإسلام الأول فينص على أن كل شيء فى الكون خاضع لقانون السببية Principle ofCausality، وهو المبدأ الذى يقرر أن لكل ظاهرة سببا، وأن لا شيء يحدث من لا شيء، وكل ما يظهر للوجود فلوجوده علة، وأن الأسباب تتبعها النتائج المترتبة عليها عل0 ى وجه اللزوم إذا توافرت جميع العناصر والمتغيرات المصاحبة لإنتاج الظاهرة.
والسببية من مبادئ الطبيعة، وأيضا من مبادئ الفكر، وهى مبدأ قرآنى راسخ، فالله سبحانه - كما يقول ابن القيم:« ربط الأسباب بمسبباتها شرعا وقدرا، وجعل الأسباب محل حكمته فى أمره الدينى والشرعى وأمره الكونى القدرى ومحل ملكه وتصرفه؛ فإنكار الأسباب والقوى والطبائع جحد للضروريات وقدح فى العقول والفطر ومكابرة للحس وجحد للشرع والجزاء؛ فقد جعل سبحانه مصالح العباد فى معاشهم ومعادهم والثواب والعقاب والحدود والكفارات والأوامر والنواهى والحل والحرمة، كل ذلك مرتبطا بالأسباب قائما بها، بل العبد نفسه وصفاته وأفعاله سبب لما يصدر عنه، بل الموجودات كلها أسباب ومسببات. والشرع كله أسباب ومسببات، والمقادير أسباب ومسببات، والقدر جار عليها متصرف فيها؛ فالأسباب محل الشرع والقدر. والقرآن مملوء من إثبات الأسباب... ولو تتبعنا ما يفيد إثبات الأسباب من القرآن والسنة لزاد على عشرة آلاف موضع، ولم نقل ذلك مبالغة بل حقيقة، ويكفى شهادة الحس والعقل والفطرة؛ ولهذا قال من قال من أهل العلم: تكلم قوم فى إنكار الأسباب فأضحكوا ذوى العقول على عقولهم، وظنوا أنهم بذلك ينصرون التوحيد فشابهوا المعطلة...«(ابن القيم، شفاء العليل فى مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل).
ومن هنا يجب إعادة ضبط هذا العنصر الحاكم لرؤية العالم التى يجب أن ينطلق منها أى خطاب دينى جديد، باستبعاد الرؤية السحرية والرؤية الكهنوتية المنكرة للسببية من طرق تفكير المسلمين ، واستعادة الرؤية العلمية التى حكمت تقدم طرق التفكير العلمى والتى أدت إلى تقدم العلوم الرياضية أولا، ومن بعدها العلوم الطبيعية، ثم العلوم الاجتماعية والإنسانية، والتى أكدها التصور القرآنى للعالم بوصفه محكوما بالسببية الطبيعية وليس بقوى سحرية أو كهنوتية ميتافيزيقية خارقة.
نقلا عن صحيفة الأهرام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.