تنشر "بوابة الأهرام" نص كلمة آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، في افتتاحه لفعاليات قمة دول عدم الانحياز رقم 16، التي بدأت صباح اليوم الخميس بطهران، والتي تجاهل فيها تماما الحديث عن ما يحدث في ثورة ومعاناة الشعب السوري. وإليكم نص الكلمة: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الأعظم الأمين، وعلى آله الطاهرين، وصحبه المنتجبين، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين. نرحب بکم أيها الضيوف الأعزاء الرؤساء والوفود الممثلة لبلدان حرکة عدم الانحياز، وسائر المشارکين في هذا المؤتمر الدولي الکبير. لقد اجتمعنا هنا لنواصل بعون الله وهدايته، وحسب مقتضيات العالم الراهن واحتياجاته، المسيرة والتيار الذي تأسّس قبل ستة عقود بفضل وعي وشجاعة عدد من القادة السياسيين المخلصين ذوي الشعور بالمسئولية وتشخيصهم للظروف، بل ونبثّ فيه روحًا وحرکة جديدتين. لقد اجتمع ضيوفنا هنا من مناطق بعيدة وقريبة جغرافيًا، وهم ينتمون لشعوب وأعراق متنوعة وذات ميول عقيدية وثقافية وتاريخية وتراثية شتى، ولکن کما قال «أحمد سوکارنو» أحد مؤسسي هذه الحرکة في مؤتمر باندونغ المعروف سنة 1955 م، فإن أساس تشکيل عدم الانحياز ليس الوحدة الجغرافية ولا العرقية ولا الدينية، بل وحدة الحاجة. في ذلك اليوم کانت البلدان الأعضاء في حرکة عدم الانحياز بحاجة إلى أواصر تستطيع أن تحميها من هيمنة الشبکات المقتدرة والمستکبرة والجشعة. واليوم فإن هذه الحاجة لا تزال قائمة مع تطوّر أدوات الهيمنة واتساعها. وأريد أن أثير حقيقة أخرى.. لقد علّمنا الإسلام أن للبشر رغم تنوّعهم العرقي واللغوي والثقافي فطرة واحدة تدعوهم للطهر والعدالة والإحسان والتعاطف والتعاون، وهذه الطبيعة المشترکة هي التي إن افلتت بسلام من الدوافع المُضلّلة فستهدي البشر إلى التوحيد ومعرفة ذات الله تعالى. إن هذه الحقيقة الساطعة لها القدرة على أن تکون رصيدًا وسندًا لتأسيس مجتمعات حرّة شامخة تتمتّع بالتقدّم والعدالة إلى جانب بعضهما، وتنشر إشعاعات الروح المعنوية على کل الأنشطة المادية والدنيوية للبشر، وتوفّر لهم جنّة دنيوية قبل الجنّة الأخروية الموعودة في الأديان الإلهية. ونفس هذه الحقيقة المشترکة العامة هي التي يمکنها أن تُرسي دعائم حالات من التعاون الأخوي بين شعوب لا شبه في ما بينها من حيث الشکل الظاهري والسوابق التاريخية والإقليمية الجغرافية. متى ما قام التعاون الدولي على مثل هذا الأساس فسوف تشيّد الدول العلاقات في ما بينها لا على رکائز الخوف والتهديد، أو الجشع والمصالح الأحادية الجانب، أو سمسرة الخونة والبائعين لأنفسهم، بل على أساس المصالح السليمة والمشترکة، وفوق ذلك المصالح الإنسانية، ويُريحوا بذلك ضمائرهم اليقظة وبالَ شعوبهم من الهموم. هذا النظام المبدئي يقف على الضدّ من نظام الهيمنة الذي اطلقته القوى الغربية المتسلّطة في القرون الأخيرة، وروّجت له وکانت السبّاقة إليه، وتفعل ذلك في الوقت الحاضر الحکومة الأمريکية المعتدية المتعسّفة. أيها الضيوف الأعزاء... لا تزال المبادئ والأهداف الأصلية لحرکة عدم الانحياز اليوم قائمة حيّة رغم مرور ستة عقود.. مبادئ مثل مکافحة الاستعمار، والاستقلال السياسي والاقتصادي والثقافي، وعدم الالتزام لأقطاب القوة في العالم، ورفع مستوى التضامن والتعاون بين البلدن الأعضاء. والواقع في العالم اليوم ليس بالقريب من هذه المبادئ والأهداف، لکن الإرادة الجمعية والمساعي الشاملة لتجاوز هذا الواقع والوصول إلى المبادئ والأهداف تبعث على الأمل والنتائج الإيجابية رغم ما يحفّها من التحديات. لقد شهدنا في الماضي القريب انهيار سياسات فترة الحرب الباردة، وما تلا ذلك من الأحادية القطبية. والعالم باستلهامه العبر من هذه التجربة التاريخية يمرّ بفترة انتقالية إلى نظام دولي جديد، وبمقدور حرکة عدم الانحياز ويجب عليها أن تمارس دورًا جديدًا. ينبغي أن يقوم هذا النظام على أساس المشارکة العامة والمساواة في الحقوق بين الشعوب، وتضامننا نحن البلدان الأعضاء في هذه الحرکة من الضروريات البارزة في الوقت الراهن لأجل انبثاق هذا النظام الجديد. لحسن الحظ فإن أفق التطورات العالمية يبشّر بنظام متعدد الوجوه تترك فيه أقطاب القوة التقليدية مکانها لمجموعة من البلدان والثقافات والحضارات المتنوعة ذات المنابت الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المختلفة. الأحداث المذهلة التي شهدناها طوال العقود الثلاثة الأخيرة تشير بوضوح إلى أن انبثاق القوى الجديدة کان مصحوبًا بضعف القوى القديمة. وهذا التغيّر التدريجي في القوة يمنح بلدان عدم الانحياز الفرصة لتتولى دورًا مؤثرًا ومناسبًا في الساحة العالمية، وتوفّر الأرضية لإدارة عادلة ومشترکة حقًا للعالم. لقد استطعنا نحن البلدان الأعضاء في هذه الحرکة الحفاظ على تضامننا وأواصرنا في إطار المبادئ والأهداف المشترکة لفترة طويلة من الزمن على الرغم من تنوّع الميول والتصوّرات، وهذا ليس بالمکسب الصغير أو البسيط. هذه الأواصر بوسعها أن تکون الرصيد للانتقال إلى نظام إنساني عادل. الظروف الراهنة في العالم فرصة قد لا تتکرّر لحرکة عدم الانحياز. ما نقوله هو أن غرفة عمليات العالم يجب أن لا تُدار بدکتاتورية عدة بلدان غربية. ينبغي التمکّن من تشکيل وتأمين مشارکة ديمقراطية عالمية على صعيد الإدارة الدولية. هذه هي حاجة کل البلدان التي تضرّرت وتتضرّر بشکل مباشر وغير مباشر من تطاول عدة بلدان تسلطية متعسّفة. مجلس الأمن الدولي ذو بنية وآليات غير منطقية وغير عادلة وغير ديمقراطية بالمرّة. هذه دکتاتورية علنية ووضع قديم منسوخ انقضى تاريخ استهلاکه. وقد استغلت أمريکا وأعوانها هذه الآليات المغلوطة فاستطاعت فرض تعسّفها على العالم بلبوس المفاهيم النبيلة. إنهم يقولون «حقوق الإنسان» ويقصدون المصالح الغربية، ويقولون «الديمقراطية» ويضعون محلّها التدخل العسکري في البلدان، ويقولون «محاربة الإرهاب» ويستهدفون بقنابلهم وأسلحتهم الناس العزّل في القرى والمدن. البشر من وجهة نظرهم ينقسمون إلى مواطنين من الدرجة الأولى والثانية والثالثة. أرواح البشر في آسيا وأفريقيا وأمريکا اللاتينية رخيصة، وفي أمريکا وغرب أوربا غالية. والأمن الأمريکي والأوربي مهم، وأمن باقي البشر لا أهمية له. والتعذيب والاغتيالات إذا جاءت على يد الأمريکان والصهاينة وعملائهم فهي جائزة وممکن غضّ الطرف عنها تمامًا. ولا تؤلم ضمائرهم سجونهم السريّة التي تشهد في مناطق متعددة من العالم في شتى القارات أقبحَ وأبشعَ السلوکيات مع السجناء العزّل الذين لا محام لهم ولا محاکمات. الحسن والسيئ أمور انتقائية تمامًا وذات تعاريف أحادية الجانب. يفرضون مصالحهم على الشعوب باسم القوانين الدولية، وکلامَهم التعسّفي غير القانوني باسم المجتمع العالمي، ويستخدمون شبکاتهم الإعلامية الاحتکارية المنظمة ليظهروا أکاذيبهم حقيقة، وباطلهم حقًا، وظلمهم عدالة، وفي المقابل يسمّون أي کلام حق يفضح مخادعاتهم کذبًا، وأية مطاليب حقة تمردًا. أيها الأصدقاء.. هذا الواقع المعيب البالغ الأضرار مما لا يمکن مواصلته. الکلّ تعبوا من هذه الهندسة الدولية الخاطئة. نهضة التسعة والتسعين بالمائة في أمريکا المناهضة لمراکز الثروة والقوة في ذلك البلد، والاعتراضات العامة في بلدان أوربا الغربية على السياسات الاقتصادية لحکوماتهم تدلّ على نفاد صبر الشعوب من هذا الوضع. يجب معالجة هذا الوضع غير المعقول. الأواصر المتينة والمنطقية والشاملة للبلدان الأعضاء في حرکة عدم الانحياز يمکنها أن تترك تأثيرات عميقة في العثور على طريق العلاج والسير فيه. أيها الحضور المحترمون.. السلام والأمن الدوليان من القضايا المُحرجة في عالمنا اليوم، ونزع أسلحة الدمار الشامل المُفجعة ضرورة فورية ومطلب عام. الأمن في عالم اليوم ظاهرة مشترکة لا يمکن التمييز فيها. الذين يخزنون الأسلحة اللاإنسانية في ترساناتهم لا يحقّ لهم أن يعتبروا أنفسهم حملة رايات الأمن العالمي. فهذا لن يستطيع بلا شك توفير الأمن حتى لهم. يُلاحظ اليوم للأسف الشديد أن البلدان المالکة لأکثر مقدار من الأسلحة النووية لا تحمل إرادة جادّة وحقيقية لإلغاء هذه الأدوات الإبادية من مبادئها العسکرية، ولا تزال تعتبرها عاملًا لصدّ التهديدات ومؤشرًا مهمًا في تعريف مکانتها السياسية والدولية. وهذه رؤية مرفوضة تمامًا. السلاح النووي لا يضمن الأمن ولا يحقق تکريس السلطة السياسية، إنما هو تهديد لکلا هذين الأمرين. لقد أثبتت أحداث عقد التسعينات من القرن العشرين أن امتلاك هذه الأسلحة لا يمکنه صيانة نظام مثل النظام السوفيتي السابق. واليوم أيضًا نعرف بلدانًا تمتلك القنبلة الذرية وتتعرّض لأعنف العواصف الأمنية. الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعتبر استخدام الأسلحة النووية والکيمياوية وأمثالها ذنبًا کبيرًا لا يغتفر. لقد اطلقنا شعار «شرق أوسط خال من السلاح النووي» ونلتزم بهذا الشعار. وهذا لا يعني غضّ الطرف عن حق الاستفادة السلمية من الطاقة النووية وإنتاج الوقود النووي. الاستخدام السلمي لهذه الطاقة حقّ لکل البلدان حسب القوانين الدولية. يجب أن يستطيع الجميع استخدام هذه الطاقة السليمة في شتى مجالات الحياة لبلدانهم وشعوبهم، ولا يکونوا تابعين للآخرين في تمتّعهم بهذا الحق. لكن بعض البلدان الغربية التي تمتلك هي السلاح النووي وترتکب هذا العمل غير القانوني ترغب في أن تحتکر القدرة على إنتاج الوقود النووي. ثمة تحرّك غامض مُريب راح يتکوّن لتکريس واستمرار احتکار إنتاج وبيع الوقود النووي داخل مراکز تُسمّى دولية، لکنها في الواقع في قبضة بضعة بلدان غربية. و السخرية المرّة في عصرنا هي أن الحکومة الأمريکية التي تمتلك أکبر مقدار من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل وأکثرها فتکًا، وهي الوحيدة التي ارتکبت جريمة استخدام هذه الأسلحة، تريد اليوم أن تكون حاملة راية معارضة الانتشار النووي! هم وشرکاؤهم الغربيون زوّدوا الکيان الصهيوني الغاصب بالأسلحة النووية وخلقوا تهديدًا کبيرًا لهذه المنطقة الحسّاسة، لکن نفس هذه الجماعة المخادعة لا تطيق الاستخدام السلمي للطاقة النووية من قبل البلدان المستقلة، بل ويعارضون بکل قدراتهم إنتاج الوقود النووي لغرض الأدوية وسائر الاستهلاکات السلمية الإنسانية، وذريعتهم الکاذبة الخوف من إنتاج سلاح نووي. وبخصوص الجمهورية الإسلامية الإيرانية فهم أنفسهم يعلمون أنهم يکذبون، لکن الممارسات السياسية حينما لا يکون فيها أدنى أثر للمعنوية، تُجيز الکذب أيضًا. والذي لا يستحي في القرن الحادي والعشرين من إطلاق لسانه بالتهديدات النووية هل تراه يتحاشى ويستحي من الکذب؟! إنني أؤکد أن الجمهورية الإسلامية لا تسعى أبدًا للتسلح النووي، کما لن تغضّ الطرف أبدًا عن حق شعبها في الاستخدام السلمي للطاقة النووية. شعارنا هو «الطاقة النووية للجميع، والسلاح النووي ممنوع على الجميع». وسوف نصرّ على هذين القولين، ونعلم أن کسر احتکار عدة بلدان غربية لإنتاج الطاقة النووية في إطار معاهدة حظر الانتشار هو لصالح کل البلدان المستقلة بما في ذلك البلدان الأعضاء في حرکة عدم الانحياز. تجربة ثلاثة عقود من الصمود الناجح حيال التعسّفات والضغوط الشاملة لأمريکا وحلفائها أوصلت الجمهورية الإسلامية إلى قناعة حاسمة فحواها أن مقاومة شعب متّحد وذي عزيمة راسخة بوسعها التغلب على کل الهجمات المخاصمة المعاندة، وفتح طريق الفخر نحو الأهداف العليا. التقدم الشامل لبلادنا في غضون العقدين الأخيرين حقيقة تنتصب أمام أعين الجميع، وقد اعترف بها المراقبون الرسميون الدوليون مرارًا، وقد حصل کل هذا في ظروف الحظر والضغوط الاقتصادية والهجمات الإعلامية للشبکات التابعة لأمريکا والصهيونية. حالات الحظر التي سمّاها الهاذرون باعثة على الشلل لم تبعث على شللنا ولن تبعث عليه، وليس هذا وحسب بل ورسّخت خُطانا، وعلّت من هممنا، وعمّقت ثقتنا بصحة تحليلاتنا وبالقدرات الداخلية لشعبنا. لقد رأينا بأعيننا مرّات ومرّات معونة الله على هذه التحدّيات. أيها الضيوف الأعزاء... أرى من الضروري هنا التطرّق إلى قضية جد مهمة. ومع أنها قضية تتعلق بمنطقتنا لکن أبعادها الواسعة تجاوزت هذه المنطقة وترکت تأثيراتها على السياسات العالمية طوال عدة عقود، ألا وهي قضية فلسطين المؤلمة. خلاصة هذه القضية هي أن بلدًا مستقلًا ذا هوية تاريخية واضحة اسمه فلسطين اغتصب من شعبه في إطار مؤامرة غربية مُرعبة بزعامة بريطانيا في عقد الأربعينيات من القرن العشرين، ومُنِح بقوة السلاح والمذابح والمخادعات لجماعةٍ هُجّر معظمهم من البلدان الأوربية. هذا الاغتصاب الکبير الذي رافقته في بداياته عمليات تقتيل جماعية للناس العزّل في المدن والقرى، وتهجيرهم من بيوتهم وديارهم إلى البلدان المجاورة، تواصل طوال أکثر من ستة عقود على نفس الوتيرة من الجرائم، ولا يزال مستمرًا اليوم أيضًا. هذه إحدى أهم قضايا المجتمع الإنساني. ولم يتورّع الزعماء السياسيون والعسکريون للکيان الصهيوني الغاصب طوال هذه الفترة عن ارتکاب أية جريمة بدءًا من تقتيل الناس وهدم بيوتهم وتدمير مزارعهم، واعتقال وتعذيب رجالهم ونسائهم وحتى أطفالهم، إلى الإهانات والإذلال الذي مارسوه ضد کرامة هذا الشعب، والسعي لسحقه وهضمه في معدة الکيان الصهيوني المولعة بالحرام، وإلى الهجوم على مخيّماتهم التي تضمّ ملايين المشرّدين في فلسطين نفسها والبلدان المجاورة. أسماء مثل «صبرا» و«شاتيلا» و«قانا» و«دير ياسين» مسجّلة في تاريخ منطقتنا بدماء الشعب الفلسطيني المظلوم. والآن أيضًا، وبعد مرور خمسة وستين عامًا، تتواصل نفس هذه الجرائم في سلوکيات الذئاب الصهيونية الضارية بالبقاء في الأراضي المحتلة. إنهم يرتکبون الجرائم الجديدة تباعًا ويخلقون أزمات جديدة للمنطقة. قلّ ما يمرّ يوم لا تبث فيه أنباء عن قتل وإصابة وسجن الشباب الناهضين للدفاع عن وطنهم وکرامتهم والمعترضين على تدمير مزارعهم وبيوتهم. الکيان الصهيوني الذي أطلق الحروب الکارثية، وقتل الناس، واحتلّ الأراضي العربية، ونظّم إرهاب الدولة في المنطقة والعالم، وراح يُمارس الإرهاب والاغتيالات والحروب والشرور لعشرات الأعوام، يُسمّي أبناء الشعب الفلسطيني الثائر المناضل من أجل إحقاق حقوقه إرهابيين، والشبکات الإعلامية التابعة للصهيونية والکثير من وسائل الإعلام الغربية والمرتزقة تکرّر هذه الکذبة الکبرى ساحقة بذلك التزامها الأخلاقي والإعلامي. والزعماء السياسيون المتشدّقون بحقوق الإنسان يغضّون الأنظار عن کل هذه الجرائم، ويدعمون دون خوف أو خجل ذلك الکيان الصانع للکوارث، ويظهرون في هيئة المحامي المدافع عنه. ما نقوله هو أن فلسطين للفلسطينيين، والاستمرار في احتلالها ظلم کبير لا يطاق، وخطر أساسي على السلام والأمن العالميين. کل السبل التي اقترحها وسار فيها الغربيون وأتباعهم ل «حلّ القضية الفلسطينية» خاطئة وغير ناجحة، وکذلك سيکون الأمر في المستقبل أيضًا. وقد اقترحنا سبيل حلّ عادل وديمقراطي تمامًا. يشارك کل الفلسطينيين، من مسلمين ومسيحيين ويهود، سواء الذين يسکنون حاليًا في فلسطين أو الذين شرّدوا إلى بلدان أخرى واحتفظوا بهويتهم الفلسطينية، يشاركون في استفتاء عام بإشراف دقيق وموثوق، فينتخبون البنية السياسية لهذا البلد، ويعود کل الفلسطينيين الذين تحمّلوا لسنوات طويلة آلام التشرّد إلى بلدهم فيشارکوا في هذا الاستفتاء، ثم تدوين الدستور والانتخابات. وعندها سيعمّ السلام. و أودّ هنا أن أقدّم نصيحة خيّرة للساسة الأمريکان الذين ظهروا دومًا کمدافعين عن الکيان الصهيوني وداعمين له. لقد سبّب لکم هذا الکيان لحد الآن الکثير من المتاعب، وجعلکم وجهًا کريهًا بين شعوب المنطقة، وشريکًا لجرائم الصهاينة الغاصبين في أعين هذه الشعوب. والتکاليف المادية والمعنوية التي فرضت على الحکومة والشعب في أمريکا طوال هذه الأعوام المتمادية تکاليف باهضة، وإذا استمر هذا النهج في المستقبل فمن المحتمل أن تکون التکاليف التي تتحمّلونها أکبر. فتعالوا وفکّروا في اقتراح الجمهورية الإسلامية بشأن الاستفتاء، واتخذوا قرارًا شجاعًا تنقذون به أنفسکم من هذه العقدة المستعصية. ولا شك أن شعوب المنطقة وکل الأحرار في العالم سيرحّبون بهذه الخطوة. أيها الضيوف المحترمون... أعود إلى کلامي الأول فأقول إن ظروف العالم حسّاسة، والعالم يمرّ بمنعطف تاريخي جد مهم. ومن المتوقع أن يکون ثمة نظام جديد في طريقه إلى الولادة والظهور. ومجموعة بلدان عدم الانحياز تضمّ نحو ثلثي أعضاء المجتمع العالمي، وبوسعها ممارسة دور کبير في صياغة المستقبل ورسمه. وتشکيل هذا المؤتمر الکبير في طهران له بدوره معنى عميق ينبغي أن يُؤخذ بنظر الاعتبار في الحسابات. نحن أعضاء هذه الحرکة نستطيع عبر تظافر إمکانياتنا وطاقاتنا الواسعة ممارسة دور تاريخي باق من أجل إنقاذ العالم من الحروب والهيمنة وانعدام الأمن. وهذا الهدف لا يتحقق إلا بالتعاون الشامل في ما بيننا. ليست قليلة بيننا البلدان الثرية جدًا والبلدان ذات نفوذ دولي. ومعالجة المشکلات بالتعاون الاقتصادي والإعلامي وتبادل التجارب التقدمية أمور متاحة تمامًا. يجب أن نرسّخ عزيمتنا ونکون أوفياء للأهداف، ولا نخشى سخط القوى العاتية، ولا نفرح ونطمئن لابتساماتها، ويجب أن نعتبر الإرادة الإلهية وقوانين الخلقة دعامة لنا، وننظر بعين العِبرة لانهيار تجربة المعسکر الشيوعي قبل عقدين، وانهيار سياسات ما يسمّى بالليبرالية الديمقراطية الغربية في الوقت الحاضر، والذي يرى الجميع مؤشراته في شوارع البلدان الغربية والأمريکية والعقد المستعصية في اقتصاد هذه البلدان. وبالتالي لنعتبر سقوط المستبدين التابعين لأمريکا والمتعاونين مع الکيان الصهيوني في شمال أفريقيا، والصحوة الإسلامية في بلدان المنطقة، لنعتبرها فرصة کبيرة. بإمکاننا أن نفکّر برفع مستوى الفائدة السياسية لحرکة عدم الانحياز في إدارة العالم، وبمقدورنا إعداد وثيقة تاريخية لإيجاد تحوّل في هذه الإدارة، وتوفير الأدوات التنفيذية لها.. بوسعنا التخطيط لحالات تعاون اقتصادي، وإيضاح نماذج التواصل الثقافي بيننا. ولا ريب أن تأسيس أمانة عامة ناشطة ومتحفزة لهذه المنظومة ستستطيع المساعدة على تحقيق هذه الأهداف بصورة کبيرة ومؤثرة.