أكد اللواء محمد إبراهيم الدويري نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية أن القضية ال فلسطين ية سوف تظل هي القضية العربية المركزية، وأن استمرار تمسك الموقف العربي بالثوابت المعروفة سيمثل دعماً للقضية مهما تزايدت التعقيدات. وأشار اللواء محمد إبراهيم - في تحليل نشره المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية - إلى أن الفترة المقبلة التي ستشهد إجراءات إسرائيل ية غير مسبوقة نحو ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية ، مشددا على أنه لابد أن تشهد الفترة المقبلة مواقف فلسطين ية وعربية ودولية ضاغطة (بقدر المستطاع) على كل من الولاياتالمتحدة و إسرائيل من أجل إنجاز هدفين رئيسيين، أولهما وأهمهما وقف تنفيذ هذا القرار ال إسرائيل ي. وثانيهما، استئناف المفاوضات السياسية في مرحلة تالية حتى تحظى القضية ال فلسطين ية بزخم من المؤكد أنه لن يتوافر في ظروف أخرى. وتساءل:ماذا يتوقع العالم بشأن كيفية تصرف ال فلسطين يين خلال المرحلة القادمة؟ وكيف سيكون تحرك الشعب ال فلسطين ي وقيادته وهم يرون أن حلم الدولة المستقلة ينتهي تدريجيا؟ وأن آمال تحقيق هذا الحلم تكاد تتلاشى تماماً في ظل احتلال إسرائيل ي قابع منذ أكثر من خمسين عاما، وينفذ مخططاته على الأرض يوما بعد يوم دون أن تكون هناك قوة تجبره على التوقف أو التراجع. وقال إبراهيم: "وقبل التعرض للإجابة على هذا السؤال لابد من الإجابة على سؤال آخر يسبقه: ماذا يريد ال فلسطين يون؟ وهل مطالبهم تعد منطقية وعادلة أم أنها مستحيلة التنفيذ؟ وباختصار، فإن مطلب الشعب ال فلسطين ي يتمثل في الحصول على دولة فلسطين ية مستقلة ذات سيادة متواصلة الأطراف على حدود 1967 عاصمتها القدسالشرقية (22% من أرض فلسطين التاريخية) تعيش جنباً إلى جنب بجوار دولة إسرائيل في أمن وسلام، على أن يتم التوصل إلى هذا الهدف من خلال عملية تفاوضية مع الجانب ال إسرائيل ي يشرف عليها المجتمع الدولي بشكل أو آخر." وأضاف أنه من الإنصاف الإشارة إلى أن ال فلسطين يين لم ينفصلوا عن الأمر الواقع وهم يحاولون الوصول إلى دولتهم وعاصمتهم، حيث حرصت السلطة ال فلسطين ية على أن تكون رسالتها للعالم المتحضر أنها تعي طبيعة الوضع الراهن في الصراع ال فلسطين ي ال إسرائيل ي، وتتفهم المتغيرات التي حدثت على الأرض طوال سنوات طويلة سابقة، ولذا أبدت كل المرونة الممكنة في المفاوضات، وأكدت إمكان التوافق على عدة مبادئ. واستعرض اللواء محمد إبراهيم تلك المبادئ وهي؛ أن تكون هناك إجراءات وضمانات أمن متبادلة تحقق الأمن للجانب ال إسرائيل ي ودون أن تجور على الأمن والسيادة ال فلسطين ية (إمكان وجود طرف دولي ثالث على الأرض لفترة زمنية)، فضلا عن إمكان تحقيق تبادل (محدود) للأراضي بين كل من فلسطين و إسرائيل على أن يكون هذا التبادل بنفس النسبة والقيمة، وأن تظل القدس مدينة مفتوحة لكافة أتباع الأديان السماوية الثلاثة، وأن يتم التوصل إلى حل عادل ومتفق عليه لمشكلة اللاجئين، إلى جانب توقف الجانبين ال فلسطين ي وال إسرائيل ي خلال فترة التفاوض عن اتخاذ أي إجراءات أحادية الجانب. وتابع قائلا: "من الواضح أن المطالب ال فلسطين ية في مجملها تُعد أقل الحقوق التي يمكن أن يحصل عليها شعب يرغب في الاستقلال وأن يعيش في أمن وسلام واستقرار مع جيرانه بعد عقود من الاحتلال. ولا يجب أن ينسى أحد أن ال فلسطين يين أبدوا موقفا متقدما للغاية عندما عرضوا أوجه هذه المرونة من أجل إنجاح المفاوضات وبهدف سد الذرائع أمام الحجج ال إسرائيل ية وحتى يتم إنهاء هذا الصراع شديد التعقيد". واستطرد قائلا: "وفى نفس الوقت يبدو من الضروري توضيح مواقف المجتمع الدولي بكافة اتجاهاته إزاء القضية ال فلسطين ية وتطوراتها الأخيرة. وهنا يمكن تصنيف مواقف المجتمع الدولي إلى أربعة أقسام رئيسية". واستعرض اللواء محمد إبراهيم هذه الأقسام قائلا إن: القسم الأول، تمثله الدول العربية، وتتبنى بالطبع نفس المواقف ال فلسطين ية، وعبرت عن ذلك بوضوح وبمصداقية في مبادرة السلام العربية التي طُرحت في قمة بيروت في مارس عام 2002. كما أكدت الزعامات والقيادات العربية، وعلى رأسها القيادة السياسية المصرية، أنهم لن يضغطوا على الجانب ال فلسطين ي وسيقبلون ما يقبله ال فلسطين يون وسيرفضون ما يرفضونه. وقد تجلى هذا الأمر في العديد من نتائج الاجتماعات الأخيرة للجامعة العربية التي تناولت القضية ال فلسطين ية. وأضاف أن القسم الثاني، تمثله إسرائيل ، وهي تتمسك بمبدأ لا تريد أن تتنازل عنه مفاده أن أية دولة فلسطين ية مزمعة يمكن أن تُقام في الضفة الغربية وقطاع غزة يجب أن تمر من بوابة واحدة فقط وهي بوابة الأمن ال إسرائيل ي بغض النظر عن الثمن الذي سيدفعه ال فلسطين يون والأراضي التي ستُقتطع منهم. هذا بالإضافة إلى الموقف ال إسرائيل ي المتعنت إزاء ضرورة إسقاط قضيتي القدس واللاجئين من أي مفاوضات. وأشار إلى أن القسم الثالث، تمثله الولاياتالمتحدة، أو بمعنى أدق الإدارة الجمهورية الحالية، التي تتبنى بشكل واضح الموقف ال إسرائيل ي بل وتحولت من شريك كامل في المفاوضات إلى طرف متحيز تماماً لصالح ال إسرائيل يين. وقد تجلى ذلك بوضوح في خطة السلام الأمريكية التي طرحها الرئيس دونالد ترامب في يناير 2020، والتي تمنح ال إسرائيل يين كل مطالبهم ولا تتحدث إلا عن إمكان إقامة دويلة فلسطين ية متقطعة الأوصال ومنقوصة السيادة. ولفت إلى أن القسم الرابع، يمثله المجتمع الدولي (الدول الأوروبية، والصين، وروسيا، والدول الآسيوية والإفريقية)، وهي تتبنى تقريبا الموقفين ال فلسطين ي والعربي بشأن إقامة دولة فلسطين ية مستقلة على حدود 1967 مع معارضة الإجراءات ال إسرائيل ية أحادية الجانب. وقال نائب مدير المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجي إنه من الضروري "أن نطرح السؤال التالي: هل يمتلك المجتمع الدولي ذو الأغلبية العددية القدرة على الضغط على إسرائيل لتغيير مواقفها أو على الأقل القبول ببعض المطالب ال فلسطين ية؟ وفى رأيي أن هذا الضغط قد يكون متاحاً من حيث الشكل ولكنه يظل مقيداً من حيث الموضوع، حيث تؤكد السوابق أن المجتمع الدولي قد اكتفى بالشجب والرفض والإدانة للإجراءات ال إسرائيل ية في المناطق ال فلسطين ية، وكان أقصى تطور عملي شهدناه هو بعض مظاهر المقاطعة للمنتجات ال إسرائيل ية المصنعة في مستوطنات الضفة الغربية ، وكذا بعض الإجراءات الأخرى التي لم ترق إلى مرحلة الضغط الحقيقي على إسرائيل ". وأضاف أن هذا الموقف الدولي سوف يتعرض لاختبار حقيقي خلال الفترة القريبة المقبلة عندما تبدأ إسرائيل في تنفيذ عملية ضم منطقة غور الأردن. وتشير المعطيات الحالية إلى أن هناك رفضاَ دولياً لهذه الخطوة ال إسرائيل ية، لكن لا يبدو حتى الآن أن هناك توافقاً على كيفية التعامل مع هذا الموقف ال إسرائيل ي وإلى أي مدى قد يصل الأمر إلى ما يمكن أن نسميه مجازاً الضغط على إسرائيل ومجالات هذا الضغط. وأشار اللواء محمد إبراهيم إلى أن الضغوط الأوروبية على إسرائيل –إذا كانت جدية- سوف تصطدم بعاملين رئيسيين: الأول، هو التوافق ال إسرائيل ي الأمريكي على خطوة الضم باعتبارها جزء من “خطة السلام الأمريكية" التي طرحها الرئيس ترامب رغم المعارضة الدولية الواضحة والمعلنة..والعامل الثاني، أن الدول الأوروبية لن تتفق فيما بينها على أن ينتقل الضغط على إسرائيل إلى مرحلة تؤثر على العلاقات الأوروبية، سواء مع إسرائيل أو مع الولاياتالمتحدة. وأضاف أنه في ضوء ما سبق يمكن قراءة الموقف المتوقع أن نشهده خلال المرحلة القادمة كما يلي، أولا: اتجاه إسرائيل إلى إعلان ضم المستوطنات ال إسرائيل ية في الضفة الغربية باعتبار أن هناك توافقا داخل الحكومة الجديدة على هذا الإجراء حتى لو كانت هناك بعض الأصوات القليلة الرافضة. كما أن هذا الإجراء يحظى بتأييد أغلبية الرأي العام ال إسرائيل ي والأحزاب اليمينية والدينية والكنيست، بالإضافة إلى رغبة نتنياهو في أن يكون له السبق كأول رئيس وزراء إسرائيل ي ينجح في اتخاذ هذا القرار. وقال إن الموقف ال فلسطين ي الذي يحاول مواجهة هذا القرار بكل ما يمتلك من أدوات متاحة قد يجد نفسه مضطرا -حتى ولو بشكل مؤقت- للحفاظ على مبدأ التوازن بين القرار الخاص بأن يكون في حل من الالتزامات والتفاهمات الموقعة مع إسرائيل والولاياتالمتحدة، وبين أن تستمر السلطة ال فلسطين ية في القيام بدورها المهم في رعاية أكثر من أربعة ملايين فلسطين ي في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالإضافة إلى كونها سلطة سياسية لا تزال تحظى بدعم دولي ودبلوماسي غير مسبوق. وأوضح أن واشنطن عازمة على تنفيذ خطتها للسلام التي تتضمن من بين بنودها ضم منطقة غور الأردن، وبالتالي فإن الضغط الأمريكي على إسرائيل لإلغاء قرار الضم يعد أمراً منعدما. متابعا: "وفى رأيي إن أقصى ما يمكن أن نتوقعه من الولاياتالمتحدة هو أن تطلب من إسرائيل تأجيل قرار الضم لفترة زمنية قصيرة، وقد تنجح في ذلك وقد لا تنجح." وأكد أن الدول العربية التي أعلنت من قبل رفضها لخطة السلام الأمريكية، وأكدت تمسكها بمبادرة السلام العربية، ستكون أمام موقف جديد في حالة بدء تنفيذ إسرائيل خطة الضم على الأرض.. ومن غير المتوقع أن نشهد تغيرا حادا في الموقف العربي يجبر إسرائيل على تغيير مواقفها. وستكون هناك ضغوطاً على كل من مصر والأردن -اللتين ترتبطان بمعاهدتي سلام مع إسرائيل - لاتخاذ مواقف أكثر حدة ووضوحاً تجاه القرار ال إسرائيل ي، مع الأخذ في الاعتبار أن كلا منهما له حساباته التي يجب احترامها وتقديرها، خاصة أن مواقف مصر والأردن تجاه القضية ال فلسطين ية تُعد من أهم المواقف المؤيدة تماماً للموقف ال فلسطين ي العادل. ونوه اللواء محمد إبراهيم بأن المجتمع الدولي سيبدى رفضاً قاطعاً لهذه الخطوة ال إسرائيل ية، إلا أن أي تصعيد في الموقف الأوروبي سيخضع لاعتبارات دقيقة سوف تحول دون تطوير هذا الموقف لأكثر من الإجراءات والقرارات المعروفة سلفاً. وأكد أن المجتمع الدولي ككل -بما فيه الولاياتالمتحدة و إسرائيل - يجب أن يعي جيداً أن القضية ال فلسطين ية تختلف عن الصراعات الأخرى في ليبيا والعراق وسوريا واليمن، حيث إن استمرار هذه القضية دون حل عادل، واعتزام إسرائيل تنفيذ قرار الضم سيؤدى إلى انفجار الموقف في الأراضي ال فلسطين ية، خاصة مع التغيرات المتوقعة التي سترتبط بوقف التنسيق الأمني بين الجانبين ال فلسطين ي وال إسرائيل ي، وبما سيؤثر بالسلب ليس على أطراف القضية فقط، وإنما على أمن المنطقة كلها، وعلى المصالح الغربية في العالم. وقد تزيد هذه التطورات من حدة الإرهاب، وتعطى الفرصة للجماعات الإرهابية لتنشيط عملياتها بدعوى أو تحت ستار الدفاع عن فلسطين . وشدد على ضرورة مواصلة التركيز على مبدأ حل الدولتين بالشكل الذي يقبله العرب وال فلسطين يون مهما كانت الصعوبات المثارة أمام هذا الحل، مع أهمية استبعاد وتجاهل الفكرة التي يروج لها البعض حول حل الدولة الواحدة؛ تلك الفكرة غير العادلة والتي من الضروري رفضها ووأدها لأنها لن تتيح لل فلسطين يين سوى أن يكونوا أقلية في دولة يهودية. ولفت إلى أهمية التواصل العربي والدولي العاجل مع الإدارة الأمريكية من أجل دفع إسرائيل لإعادة النظر في قرار ضم منطقة غور الأردن، الأمر الذي سوف يساعد على تهدئة الوضع الذي قد ينفجر في أي وقت في حالة تنفيذ هذا القرار. وأشار إلى ضرورة أن يركز ال فلسطين يون في الفترة المقبلة كأولوية أولى وعاجلة على كيفية حشد كافة الجهود الداخلية والإقليمية والدولية من أجل منع إسرائيل من تنفيذ قرار الضم أكثر من تركيزهم على أية قضايا أخرى لن تغير من الأمر الواقع، وإن كانت مسألة استئناف جهود إنهاء الانقسام تظل مطلوبة في كل الأوقات. وأكد أهمية بحث فكرة عقد اجتماعات تمهيدية عاجلة بين بعض الأطراف المعنية لاستكشاف إمكانية استئناف العملية التفاوضية، وذلك على أساس أرضية أو مرجعية يتفق عليها من جانب كافة الأطراف. ولا مانع من التفكير في أن تكون هناك أرضية جديدة إما خارج سياق خطة السلام الأمريكية إذا كان ذلك ممكنا، أو أرضية تجمع كافة المرجعيات بما فيها مقررات الشرعية الدولية. واختتم اللواء محمد إبراهيم بقوله: "في النهاية سوف تظل القضية ال فلسطين ية هي القضية العربية المركزية، وأن استمرار تمسك الموقف العربي بالثوابت المعروفة سيمثل دعماً للقضية مهما تزايدت التعقيدات.. كما أن الفترة المقبلة التي ستشهد إجراءات إسرائيل ية غير مسبوقة نحو ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية لابد أن تشهد مواقف فلسطين ية وعربية ودولية ضاغطة (بقدر المستطاع) على كل من الولاياتالمتحدة و إسرائيل من أجل إنجاز هدفين رئيسيين، أولهما وأهمهما وقف تنفيذ هذا القرار ال إسرائيل ي. وثانيهما، استئناف المفاوضات السياسية في مرحلة تالية حتى تحظى القضية ال فلسطين ية بزخم من المؤكد أنه لن يتوافر في ظروف أخرى".