" اقتصادنا قوي ويتعافى بسرعة، وبلادنا لم ولن تلجأ لأي جهة من الجهات العالمية المعنية خلال إدارتها للمرحلة الحالية من وباء الكوفيد 19 "، تلك كانت تصريحات بيرات البيراك وزير الخزانة والمالية التركي، والتي صُفت من قبل المراقبين بغير الواقعية. الأقوال المتلفزة هذه والتي بُثت صباح الأحد الماضي، جاءت ردًا على تسريبات، حفلت بها مواقع التواصل الاجتماعي ومعها أدبيات سيارة محسوبة على المعارضة، أشارت إلى عزم حكومة العدالة والتنمية التي يقودها الرئيس رجب طيب أردوغان طلب المساعدة من صندووق النقد الدولي. ولقطع أي لبس أو تأويل قد يفهم منه أن القائمين على إدارة البلاد والعباد مترددين، خرج المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم كالين في مساء ذات اليوم ليحسم الأمر ويؤكد على ما قاله البيراك، ثم مضيفا في عبارات قاطعة " الصندوق ليس في خططنا"، وفي تغريدة له بتويتر صباح أمس الأربعاء، جدد الوزير الشاب ما سبق وأعلنه وكتب على صحفته "نُدير المرحلة الحالية دون أن نطلب دعما من أي مؤسسة أو منظمة دولية". والمفارقة، أنه لم تكد تمر سوي ساعات قليلة تعد على أصابع اليد الواحدة إلا وتعاود العملة المحلية وهي المتدهور أصلا إلى زيادة أوجاع الاقتصاد التركي بترديها المذهل أمام عدوها اللدود الدولار الأمريكي، وعلى الرغم من قيام أنقرة مع بدء انتشار الكورونا الشهر الماضي استخدام الأحيتاطي الأجنبي بالبنك المركزي للدفاع عن عملتها إلا أنها انخفضت إلى أضعف مستوياتها منذ أزمتها الشهيرة والمدوية والتي وقعت العام 2018، وليت المسألة ستنتهي عند هذا الحد بيد أن خبراء توقعوا أن الليرة ستنخفض أكثر، مما يثير الشكوك في ما إذا كان الأمر يستحق إهدار احتياطيات البنك. وبالتوازي أظهرت بيانات رسمية، كيف قفز عجز ميزانية الحكومة المركزية من 7.36 مليار ليرة في فبراير ( 1.23 مليار دولار على أساس متوسط سعر صرف ذلك الشهر 5.98 للدولار ) إلى 43.7 مليار ليرة (أي ما يعادل 6.35 مليار دولار ، بحسب سعر 6.90 ليرات للعملة الأمريكية مع إقفال أمس) تلك التطورات جاءت على خلفية تفشي الكورونا والتراجع الحاد لحصيلة الضرائب وزيادة الإنفاق، وباتت المعضلة كالآتي من أين أذن تلك القوة التي تغني بها البيراك الذي هو صهر الرئيس وكالين المتحدث باسم أردوغان، والأخير نفسه لا يفوت فرصة إلا ويؤكد متانة وصلابة اقتصاده. في المقابل يمكن للمتابع، أن يلمس إلى أي مدى وصلت اليه دهشة المحللين الذين يراقبون عن كثب وضع الاقتصاد المأزوم في عموم الأناضول، ومردها هو هذا التفاؤل " غير المفهوم"، الذي يصر عليه الحزب الحاكم ويسعي في الوقت نفسه ترويجه لشعبه، ليصبح سؤالهم علام بني أردوغان تفاؤله الذي لا يعدو كونه " أحلام يقظة " لا تستند لمعطيات حقيقية معاشة على أرض الواقع، فصندوق النقد الذي أزاح النقاب مؤخرا عن اتصالات أجراها معه مسئولين أتراك رسميين قال في تقريره النصف سنوي، إن الاقتصاد التركي قد ينكمش بنسبة 5% هذه السنة. وأكد أن الانخفاض في الناتج الاقتصادي للبلاد سيصاحبه زيادة بالبطالة، متوقعا أن يبلغ معدلها 17.2 % بحلول نهاية 2020، اللافت هنا هو أن تنبؤ صندوق النقد الدولي بالانكماش الاقتصادي هذا العام يساوي هدف تركيا المتمثل في تحقيق نمو بنسبة 5%، وهو رقم لم يجد طريقه للتحقق حتى الآن، ويلاحظ أن قدرة الحكومة التركية على تحفيز الاقتصاد محدودة بعد أن أنفقت عشرات المليارات من الدولارات منذ أزمة العملة للمساعدة في تعزيز النمو. وتتصدر السياحة والفنادق والمطاعم والترفيه والثقافة القطاعات الأكثر تضررا، حيث ستتراجع عائداتها بنحو 90%، تسبقها جميع الاستثمارات في القطاعين الحكومي والخاص التي ستقهقر بدورها بنحو 70 % كذلك ينتظر أن تحقق الصادرات تراجعا يصل إلى 42 % والواردات 39 %، أما التضخم فسوف يصل إلى 12 %، يذكر أنه بلغ 11.9 % خلال مارس المنصرم، عكس ما كان يأمله القصر الرئاسي بأن يصبح 8.5%.