ترصد مجلة ديوان الأهرام الفصلية التى تصدر عن مؤسسة الأهرام في عددها الجديد الذى يحمل رقم 42 (أبريل 2020)، التى ترأس تحريرها الكاتبة الصحفية زينب عبد الرزّاق، التاريخ الأسود للأوبئة فى ظل فيروس كورونا الذى يجتاح العالم؛ حيث تتناول تاريخ تفشى الأوبئة منذ الجدري وحتى إنفلونزا هونج كونج فى أواخر ستينيات القرن الماضى مرورًا بالإنفلونزا الإسبانية والطاعون والكوليرا وغيرها من الكوارث التى اجتاحت الكرة الأرضية وأفنت الملايين من البشر. وضمن هذا الملف المهم تتناول المجلة أيضًا أهم الأعمال الروائية والشعرية التى صورت المآسي التى خلفتها تلك الأوبئة، إضافة للأعمال الأدبية التى تنبأت بمثل كارثة كورونا، وأهمها رواية «ستاند» لستيفن كينج، و«ووهان 400» للكاتب الأمريكى دين كونتز التى تكاد أحداثها تتطابق مع ما نعيشه فى اللحظة الراهنة. وفى ختام الملف تشير المجلة لأهم المشاهير الذين فقدوا أرواحهم بعد أن سقطوا كضحايا للأوبئة، وأشهرهم الفيلسوف البريطانى برتراند راسل، ونجمة هوليوود تالولا بانكهيد، والكولونيل مارك سايكس مهندس اتفاقية سايكس بيكو. زينب عبدالرازق رئيس تحرير ديوان الأهرام وإيمانًا من «ديوان الأهرام» بدورها أثناء تلك الجائحة، ومساهمة منها في تثقيف القارئ وإمتاعه في آن واحد أثناء فترات الحظر، لم تكتف المجلة بالملف المشار إليه لكنها قدمت معه وجبة ثقافية وتاريخية دسمة، حيث نشرت ملفًا مهمًا بعنوان: «الإسكندرية بعيون ملونة» تناولت فيه تلك المدينة العجيبة ذات الألف وجه، مدينة العاشقين والفنانين والمزيج الحضارى المدهش، وكان هذا التناول من خلال ثلاثة من كبار المبدعين الغربيين الذين جاءوا إلى المدينة بحثًا عن الرزق والأمان فوقعوا في غرامها وخلدوها وخلدتهم ومنحتهم ما يستحقونه من شهرة وبقاء، الأول هو الشاعر الذى ارتبط بالثغر حتى صار علامة عليه هو اليوناني قسطنطين كفافيس، والثانى هو الروائي الذى دشن شهرته برباعية كاذبة لكنها جميلة كفتاة متحررة، عن الإسكندرية التى تخيلها لورانس داريل من فيلا أمبرون.. أما الثالث فقد تخلى عن فنه الروائي الذى عرف به منذ "ممر إلى الهند" والتفت إلى التاريخ الواقعى للمدينة التاريخية فكتب إى إم فورستر البريطانى أهم «دليل» على عظمة الإسكندرية. غلاف ديوان الأهرام كما تقدم المجلة ملفًا آخر عن واحدة من أهم رموز الفن التشكيلي في مصر، وهى الفنانة عفت ناجي.. شقيقة الرائد الكبير محمد ناجي؛ حيث يقدم لنا الفنان عصمت داوستاشي قراءة مهمة لسيرة الرائدة الكبيرة وتحليلا لأسلوبها ومراحلها الفنية وسر ولعها بالأجواء الشعبية والتراثية، وعشقها للفنون المختلفة مثل الشعر والتمثيل والموسيقى التى ألفت فيها عدة مقطوعات كانت تبثها الإذاعة المصرية. ويتميز ملف عفت ناجى باحتوائه على مجموعة كبيرة من لوحات الفنانة ترصد من خلالها المجلة مراحل تطور أسلوب هذه الفنانة الكبيرة. ولأن للبعد التاريخي مكانًا مميزًا في المجلة، حيث يمثل محورًا رئيسيًا من اهتماماتها، فإن ديوان الأهرام تقدم عددًا من الموضوعات والدراسات التى لا غنى عنها لكل مهتم بهذا المجال، فيقدم د. عماد أبو غازى مقالا مهما حول تمثال نهضة مصر الذى تمر هذا العام، الذكرى المئوية لعرض النموذج الأول له، والذى نحته محمود مختار في صالون الفنون بباريس، هذا التمثال الذى استغرقت رحلة صناعته ثماني سنوات، بين عرض نموذجه المصغر لأول مرة فى مايو 1920 وإزاحة الستار عنه في مايو 1928 بميدان باب الحديد. ثماني سنوات شهدت معارك طويلة مع البيروقراطية التى أعاقت العمل في التمثال، ومعارك مع الساسة المؤيدين لاستبداد الملك فؤاد، فقد كان تمثال النهضة تعبيرًا عن ثورة الشعب، وكان في الوقت ذاته ثورة في القيم الفنية، لقد عرفت مصر تماثيل الميادين والحدائق منذ عصر الخديو إسماعيل، لكن جميعها كانت بأيدي نحاتين أوروبيين، ولم تخرج عن تماثيل أسرة محمد على وكبار رجال دولتهم، أو تماثيل الأسود الأربعة التى زينت كوبرى قصر النيل، فجاء تمثال النهضة أول تمثال ميدان ينحته مصرى في العصر الحديث، ليرمز به لثورة الشعب، ويختار الفلاحة المصرية لتكون رمزًا للنهضة. تشمل الموضوعات التاريخية - على صفحات ديوان الأهرام - كذلك عرض شيق يقدمه د.زاهي حواس لكنوز مصر من الآثار الغارقة، والبدايات التاريخية لعمليات الاستكشاف تحت الماء، وأهم القطع الأثرية التى تم انتشالها من المياه المصرية، والسر وراء إجهاض مشروع إقامة متحف تحت الماء بالإسكندرية.
وفي مزج بين الفن والتاريخ تنشر المجلة دراسة مهمة عن الموسيقى الفرعونية بعنوان: (هكذا غنى الحجر) تتناول اهتمام المصريين القدماء بهذا الفن واستخدامهم للناى والهارب وغيرها من الآلات بشكل فردي وجماعي، وتشير الدراسة إلى اهتمام اليونانيين القدماء بالموسيقى الفرعونية واقتباسهم لألحانهم المشهورة. ولا تغلق المجلة نفسها على التاريخ القديم فحسب لكنها تفتح آفاقها على التاريخ الحديث والمعاصر؛ حيث تحتفي ديوان الأهرام بمرور 86 عاما على إنشاء الإذاعة المصرية فتنشر موضوعًا موسعًا بعنوان: (هنا القاهرة.. ذاكرة مصر التى يحفظها الأثير)، تتناول فيه تاريخ الإذاعات الأهلية وظروف نشأتها فى عشرينيات القرن الماضي، ثم تأسيس الإذاعة المصرية ودورها في مراحل الكفاح الوطنى وتنمية الوعى لدى المصريين، كما يتناول الملف نجوم الإذاعة الأوائل وسيرة أهم روادها عبر تاريخها مثل أحمد سالم ومحمد فتحى وبابا شارو وصفية المهندس وأبلة فضيلة وغيرهم. كما تنشر المجلة موضوعًا خفيفًا عن طوابع البريد وتاريخ تأسيس البريد المصرى عام 1865، والذى يعد واحدًا من أقدم مؤسسات مصر وأعرقها، وتتناول المجلة كذلك أندر طوابع البريد المصرية، وأشهر الوقائع والشخصيات التى تم تخليدها على تلك الطوابع.
وللسينما العالمية في «ديوان الأهرام» نصيب أيضًا؛ حيث تنشر موضوعًا عن «جريتا جاربو .. غادة السينما»، وتتناول من خلاله المجلة سيرة الفنانة السويدية التى غزت هوليوود منذ عشرينيات القرن الماضى، وشغلت العالم كله بجمالها الأخاذ وبفنها وتألقها ثم باعتزالها المفاجئ وهي في أوج شهرتها ونجوميتها. الجدير بالذكر، أن هذا العدد من «ديوان الأهرام» يتزامن مع الاحتفالية التى نظمتها المجلة بمناسبة مرور 10 سنوات على صدورها، والتى رصدتها كاميرات المجلة وحضرها لفيف من نجوم الثقافة والفكر الذين عبروا - فى تغطية خاصة للاحتفالية على صفحات المجلة - عن تقديرهم الكبير لذلك الإصدار الثقافي الذى يغطي جانبًا مهما يعتريه النقص الشديد على الساحة الإعلامية.