كشف التصعيد العسكري بين القوات السورية وتركيا في منطقة إدلب، عن معضلات حقيقية في ملف تسوية الأزمة السياسية السورية، وحدود التوافقات الإقليمية بين تركياوروسيا بشأن حماية مصالح كل طرف، ودخول الولاياتالمتحدة على الخط بين الحين والآخر، لتثير مجدداً إشكالية أخرى في العلاقة مع روسيا. ومع حدة المواجهات العسكرية بين قوات النظام السوري والقوات التركية، والتي خلفت قتلى من الجانبين وسيطرة القوات السورية ومحاصرتها للنقاط الأمنية التركية، ومنها على سبيل المثال نقاط تل الصرمان ومعر حطاط ومورك، وعدم قدرة الجانبين التركي والروسي إلى الوصول لحلول مرضية، باتت التساؤلات المطروحة من قبل المراقبين تدور حول مدى قدرة موسكووأنقرة على تجاوز المعضلة الحالية في إدلب، في ضوء التباينات التي تتسع تدريجياً بينهما، لأن عدم تجاوز هذه المعضلة سينعكس على التفاهمات القائمة بينهما، في إطار ما يسمى ب"مسار الأستانة". وقد أدى هذا التصعيد العسكري المتبادل في إدلب وحلب منذ منتصف شهر يناير الماضي، إلى أكبر موجة نزوح على الإطلاق، أجبرت نحو مليون مدني على النزوح من منازلهم في ظل أوضاع إنسانية كارثية نظراً لعدم توافر الحد الأدنى من متطلبات الحياة. فتيل الأزمة اندلع فتيل الأزمة مجدداً نتيجة وجود خلاف تركي روسي بشأن اتفاق "سوتشي"، فتركيا عززت قواتها لغزو سوريا ولم تلتزم بالتفاهمات التي تم التوصل إليها مسبقاً مع الجانب الروسي ومن أهمها: اتفاقات "خفض التصعيد" في أربع مناطق: غوطة دمشق، ريف حمص، وجنوب سوريا، وشمال غربها، ثم تفاهمات مع قوى إقليمية وأمريكا كي تعود الحكومة السورية إلى ثلاث من هذه المناطق وترحيل معارضين إلى المنطقة الرابعة، ثم اتفاق سوتشي. وكانت السمة البارزة لهذه المعضلة هي تبادل الاتهامات الروسية التركية بعدم تنفيذ بنود اتفاق سوتشي. أنقرة تدعي إن موسكو خرقت الاتفاق بأنها شاركت في العمليات العسكرية وتوغلت إلى ما وراء خطوط التماس التي عبرت عنها النقاط التركية ال12، بحيث باتت ثلاث نقاط محاصرة ومعزولة، كما أدعت تركيا بأن الجيش الروسي لم يمنع الجيش السوري من قتل الجنود الأتراك. أما موسكو فأكدت أن أنقرة لم تنفذ بندين في اتفاق سوتشي يتعلقان ب"فصل المعتدلين في المعارضة عن الإرهابيين وحل مشكلة (هيئة التحرير الشام)، إضافة إلى عدم فتح الطريقين الدوليتين بين دمشق وحلب وبين حلب واللاذقية. كما رأت موسكو أن الاستفزازات المستمرة من جانب الفصائل الإرهابية، دفعت الجيش السوري إلى القيام بعمليات بهدف ضمان الأمن في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة؛ وأن نشاط (هيئة تحرير الشام) والفصائل التابعة لها أفشل الجهود التي تبذلها روسياوسوريا، والتي تهدف إلى تخفيف حدة التوتر في إدلب، عبر قيام الفصائل المسلحة بزرع الألغام في الطرق، وإغلاق الممرات التي خصصتها روسياوسوريا لخروج المدنيين من المنطقة. ورغم محاولات الطرفين الروسي والتركي لتجاوز تلك الأزمة، إلا أن الأخيرة باتت تعول على الموقف الأمريكي بأن يكون داعماً لها ولرؤيتها باعتبارها عضواً في حلف الناتو، إذ جدد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو تصريحاته التي قال فيها أن واشنطن تدعم أنقرة حليفتها في "الناتو"، وهو الموقف الذي سبق أن ألمح إليه الرئيس التركي مؤخراً لتمرير رسالة جديدة إلى روسيا مفادها أن هناك إسناداً أمريكياً لموقف أنقرة، ربما تحاول الأخيرة استغلاله لمواجهة الضغوط التي تمارسها روسيا والنظام السوري ضدها. ولكن في ذات الوقت، قال مستشار الأمن القومي الأمريكي روبرت أوبراين، إنه "من المستبعد أن تتدخل أمريكا عسكرياً في إدلب، وأن واشنطن ليست ملزمة بحل المشاكل القائمة في تلك المنطقة، وأن واشنطن ليست في وضعية تلزمها وقف الفاعليات السيئة للنظام وروسيا وإيران". ومع تصاعد قوة القوات الحكومية السورية، هدد الرئيس التركي بضرب قوات النظام السوري وداعميه، سواء في مناطق "تفاهم سوتشي" أو خارجها، إذا أصيب جندي تركي آخر في إدلب، وأعلنت أنقرة أن وفداً تركياً سيتوجه خلال الأيام القليلة المقبلة إلى موسكو لمواصلة المباحثات مع الجانب الروسي حول الوضع في إدلب، كما ترسل واشنطن مبعوثاً خاصاً إلى تركيا لمناقشة أفاق أزمة إدلب وحدود التوصل لتسوية. هامش محدود للتوافق صعدت وزارة الدفاع الروسية مستوى اتهاماتها لأنقرة، لقيامها بنقل أسلحة نوعية ومعدات قتالية متطورة وصلت في جزء ملموس منها إلى أيدي مقاتلي "جبهة النصرة" في إشارات إلى محاولات الجانب التركي "تغيير قواعد اللعبة وانتهاك كل الخطوط الحمراء" وفقا لتعبير مصدر روسي، وتأتي التعزيزات العسكرية التركية فيما سيطرت قوات النظام على مساحات واسعة في ريفي حلب وادلب شمال وشمال غربي سوريا. وتترقب موسكو زيارة وفد عسكري – دبلوماسي تركي اليوم الإثنين، لإجراء جولة جديدة من المحادثات حول الوضع في إدلب بعدما كانت جولتا محادثات جرتا في أنقرة الأسبوع الماضي على نفس المستوى فشلتا في تقريب وجهات النظر بين الجانبين، ورغم أن الحوارات الروسية - التركية متواصلة لكن التطورات الجارية تشي بأن الأوضاع لا تسير نحو التهدئة. ووفقاً لمراقبين، فإن التصعيد العسكري الحالي بين الجيش السوري والقوات التركية في محافظة إدلب، يعتبر أسوأ أزمة تواجه العلاقات التركية الروسية منذ حادث إسقاط تركيا لمقاتلة روسية على الحدود السورية التركية عام 2015، وباعتبارها الداعم للنظام السوري، لا تستطيع روسيا أن تكون الطرف المحايد في الصراع السوري التركي، كي تمنع الصدام بين الطرفين. يبقى القول أن آفاق التوصل لتفاهمات تركية روسية جديدة بشأن الوضع في إدلب ربما تكون محدودة وتأتي ضمن الخيارات المطروحة للتسوية، بعد العرض الإيراني للتوسط من أجل إجراء حوار سوري – تركي، لضبط حدود التوتر المتصاعد ومنع تطوره إلى صراع مباشر وذلك بسبب الحسابات والمصالح المتشابكة لمختلف أطراف الأزمة المباشرة وغير المباشرة.