تؤكد كتب التاريخ أن الشيخ على بن دقيق العيد الذي له مقام ومسجد بمدينة قوص بمحافظة قناجنوب صعيد مصر، رأي الحلم الأول لموته عام 667 ه، في يوم الأحد، حين تذكر جماعة من أصحابه ماتوا قبله فلما نام رأى من ينشد له، قائلا (أتعد كثرة من يموت تعجبا وغدا لعمري سوف تحصل في العدد) فمات من يومه ودفن بجبانة قوص بقنا. قبل أن نسرد حلمه الثاني نأتي ببعض سيرته الموجودة في بطون الكتب فهو ينتمي لقبيلة بني شقير العربية التي نزحت مصر واستقرت بها منذ الفتح العربي واختارت الصعيد ومدنه سكناً لها أتى ابن دقيق العيد مع والده لمدينة قوص التي جعلها الفاطميون منارة العلم للمذهب الشيعي قادماً من مدينة أسيوط بناء على طلب السلطان صلاح الدين الأيوبي الذي جعل المسجد العمري بها الذي كان يلقب بأزهر الصعيد منارة لتعليم المذهب السني بعد القضاء على الفاطميين وتحول مصر من المذهب الشيعي إلى المذهب السني على يديه وفى هذه المدينة ظهرت عبقرية الشيخ وتجلياته في تدريس العلوم الشرعية الممتزجة بتسامح إنسانى في غاية الرقة حتى وفاته. أما الحلم المنامى الثاني هو من رآه أحد أحفاده بعد موته بقرون عديدة حيث كان الحفيد ضابطا بمدينة قوص وقادما من بلدته أسيوط، حيث رأى في منامه جده الشيخ على يحثه على إخراجه من الجبانة القديمة التي أصبح الأهالى يلقون فيها روث البهائم والذبائح المتعفنة كان الضابط الذي ينتمي لآل شقير بمحافظة أسيوط لا يؤمن بالأحلام وفيوض المتصوفة الروحاني، ولكن حين زادت مطالب الشيخ في أحلامه المنامية وأصبحت تؤرقه أخذ الإذن ونقله من جبانته في أواخر ستينيات القرن الماضي واجتمعت عائلة شقير بأسيوط مع عائلات قوص، وأقاموا في مكان الشيخ، الذي أمر أن يدفن فيه مسجدا ومقاما يراه المتصوفة المستنيرون من آجل الأمكنة التي تروى سيرة شيخ جاهد منذ مجيئه من أسيوط إلى قوص في تأسيس المدرسة النجيبية، التي أسسها الأيوبيون بجوار المسجد العمري للقضاء على المذهب الشيعي في الصعيد. ومن الحلمان، حلم الموت بعد يوم الأحد 667 ه وحلم الإخراج من جبانته القديمة بعد موته بقرون عديدة كانت حياة الشيخ وسيرته العظمى التى تعيش إلى الآن فى ذاكرة أهل الصعيد. الدكتور دسوقي عبد المعز أستاذ في الدراسات الإسلامية بجامعة سوهاج قال لنا لقب على بن دقيق بدقيق العيد نظراً لأن جده كان عليه يوم عيد طيلسان شديد البياض، فقال بعضهم كأنه دقيق العيد فلقب به وهو ولد عام 581ه، ومن أهم أولاده المشهورين قاضى قضاة مصر في العصر المملوكي تقي الدين بن دقيق العيد الذي دفن بجبل المقطم وصاحب المصنفات المعروفة في الحديث والفقه ومن أهم كتبه (إحكام الأحكام شرح عمدة الإحكام) والمتصوفة المستنيرون يرون في الشيخ على بن دقيق العيد الكثير من المظاهر الأخلاقية التي لابد أن تكون في كل إنسان متصوف فهو عاصر مجاعة عظمى وفى أيام المجاعة كانت الناس لا تجد غير البقول يقتاتون منها واختفى الخبز واللحم، فالتزم أن يأكل، مما تأكل الناس رغم أنه كان غنيا ورفض أن يطعم نفسه الخبز حتى ظهر الخبز واللحم حتى إنه حين ذاق طعم الخبز قال لتلاميذه (رفعت عنى شهوة الأكل فلا أبالى ما أكلت). أما المظهر الثاني فهو أنه كان كثير الشفقة والرحمة على خلق الله وحكى تلاميذه في سيرته أنه كان يشفق على خلق كثير من الناس وحين عاتبه التلاميذ أنه يشفق على أناس ليس لهم دين وأصول أجاب لهم بمقولته الشهيرة (لا حول ولا قوة إلا بالله كنا نشفق عليهم من جهة الدنيا والآن صرنا نشفق عليهم من جهة الدين) وإيمانه بالإنسان وحقوقه هي التي جعلته يخرج ذرية كانت تحترم الإنسان وتجله والدليل على ذلك إن ابنه تقي الدين بن دقيق العيد قاضى قضاة مصر في العصر المملوكي كان يخاطب الجميع الملوك والخدم بمقولة ياإنسان. الأجمل في سيرة الشيخ على بن دقيق العيد كما يقول الدكتور دسوقي إنه أخرج تلاميذ عديدة لهم مقامات عديدة في الصعيد والوجه البحري وهم 8 أولياء لهم في علوم الفقه والشريعة، أما عن الأحلام التي مثلت تاريخه وحياته فهي وجدت في سيرته حين كان حيا برمزين، الأول رمز التنبوء بموته، والثاني خروج أبوالحجاج الأقصرى لمقابلته حين زار الأقصر في أيام حياته والأروع أن الأحلام ظلت تمثل حتى بعد وفاته حتى أنه أقلق أحد أحفاده بالأحلام.