تأكيدا لمصراوي.. الحد الأدنى لتنسيق علمي علوم 293 درجة -فيديو    اختبارات توجيه طلاب الإعدادية والثانوية إلى أفضل المسارات التعليمية    حروب تدمير العقول !    "الكهرباء" تدرس الاستعانة بشركات خاصة لتوفير مولدات للمناطق المتأثرة بالانقطاعات بالجيزة    وزير السياحة: نستهدف شرائح جديدة من السياح عبر التسويق الإلكتروني    ترامب: قدمنا 60 مليون دولار لإدخال أغذية إلى غزة قبل أسبوعين    بوتين يعلن إعادة هيكلة البحرية الروسية وتعزيز تسليحها    ارتفاع عدد ضحايا الهجوم على كنيسة بالكونغو الديموقراطية إلى 30 قتيلا    تحقيق| «35 دولارًا من أجل الخبز» و«أجنّة ميتة».. روايات من جريمة «القتل جوعًا» في غزة    بيراميدز يكشف سبب غياب رمضان صبحي عن مباراة قاسم باشا    16 صورة ترصد وصول بعثة الأهلي للقاهرة    إنبي في مجموعة قوية بكأس عاصمة مصر 2025-2026    ليفربول بين مطرقة الجماهير وسندان اللعب المالي النظيف    حادث مروع بالمنيا يودي بحياة مدير أمن الوادي الجديد (صور)    موجة شديدة الحرارة وسقوط أمطار على هذه المناطق.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس غدًا الإثنين    مدبولي يوجه بمراجعة أعمال الصيانة بجميع الطرق وتشديد العقوبات الخاصة بمخالفات القيادة    تأجيل محاكمة 108 متهمين بخلية "داعش القطامية" ل 28 أكتوبر    "أنا ست قوية ومش هسكت عن حقي".. أول تعليق من وفاء عامر بعد أزمتها الأخيرة    ب "لوك جديد"| ريم مصطفى تستمتع بإجازة الصيف.. والجمهور يغازلها    هل الحر الشديد غضبًا إلهيًا؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    بتوجيهات شيخ الأزهر.. قافلة إغاثية عاجلة من «بيت الزكاة والصدقات» في طريقها إلى غزة    بعد 11 عامًا.. الحياة تعود لمستشفى يخدم نصف مليون مواطن بسوهاج (صور)    تعرف على طرق الوقاية من الإجهاد الحراري في الصيف    ذكرى وفاة «طبيب الغلابة»    الغربية تستجيب لمطالب أولياء الأمور وتُخفض الحد الأدنى للقبول بالثانوي العام    «الداخلية»: مصرع عنصر جنائي شديد الخطورة عقب تبادل إطلاق النار مع الشرطة بالقليوبية    لماذا تؤجل محكمة العدل الدولية إصدار حكمها في قضية الإبادة الجماعية بغزة؟    الأردن يعلن إسقاط 25 طنا من المساعدات الغذائية على غزة    «فتح»: غزة بلا ملاذ آمن.. الاحتلال يقصف كل مكان والضحية الشعب الفلسطيني    نجوى كرم تتألق في حفلها بإسطنبول.. وتستعد لمهرجان قرطاج الدولي    غدًا.. وزير الثقافة ومحافظ الإسكندرية يفتتحان الدورة العاشرة لمعرض الإسكندرية للكتاب    يسرا ل"يوسف شاهين" في ذكراه: كنت من أجمل الهدايا اللي ربنا هداني بيها    وزير الثقافة يزور الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم بعد نقله إلى معهد ناصر    رانيا فريد شوقي تحيي ذكرى والدها: الأب الحنين ما بيروحش بيفضل جوه الروح    محافظ دمياط يطلق حملة نظافة لجسور نهر النيل بمدن المحافظة.. صور    وزير الإسكان يواصل متابعة موقف مبيعات وتسويق المشروعات بالمدن الجديدة    رئيس اقتصادية قناة السويس يستقبل وفدا صينيا لبحث التعاون المشترك    "تعليم أسوان" يعلن قائمة أوائل الدبلومات الفنية.. صور    العثور على جثة شخص بدار السلام    تجديد الثقة في الدكتور أسامة أحمد بلبل وكيلا لوزارة الصحة بالغربية    7 عادات صباحية تُسرّع فقدان الوزن    "دفاع النواب": حركة الداخلية ضخت دماء جديدة لمواكبة التحديات    بعد عودتها.. تعرف على أسعار أكبر سيارة تقدمها "ساوايست" في مصر    أمين الفتوى: النذر لا يسقط ويجب الوفاء به متى تيسر الحال أو تُخرَج كفارته    قبل كوكا.. ماذا قدم لاعبو الأهلي في الدوري التركي؟    وزير البترول يبحث خطط IPIC لصناعة المواسير لزيادة استثماراتها في مصر    لمروره بأزمة نفسيه.. انتحار سائق سرفيس شنقًا في الفيوم    مجلس جامعة بني سويف ينظم ممراً شرفياً لاستقبال الدكتور منصور حسن    الجيش السودانى معلقا على تشكيل حكومة موازية: سيبقى السودان موحدا    «مصر تستحق» «الوطنية للانتخابات» تحث الناخبين على التصويت فى انتخابات الشيوخ    وزير التموين يفتتح سوق "اليوم الواحد" بمنطقة الجمالية    مصر تنتصر ل«نون النسوة».. نائبات مصر تحت قبة البرلمان وحضور رقابي وتشريعي.. تمثيل نسائي واسع في مواقع قيادية    جواو فيليكس يقترب من الانتقال إلى النصر السعودي    فتوح يخوض تدريبات منفردة خارج الزمالك بعد أزمة الساحل    إصابة 11 شخصا في حادثة طعن بولاية ميشيجان الأمريكية    وزير الأوقاف: الحشيش حرام كحرمة الخمر.. والإدعاء بحِلِّه تضليل وفتح لأبواب الانحراف    «الحشيش مش حرام؟».. دار الإفتاء تكشف تضليل المروجين!    وسام أبو على بعد الرحيل: الأهلى علمنى معنى الفوز وشكرا لجمهوره العظيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تباري في وصفها الرحالة وتغني بها الشعراء
قوص‏..‏ منفي الخليفة العباسي الثالث
نشر في الأهرام اليومي يوم 17 - 02 - 2012

شتان ما بين حال مدينة قوص الآن وبين حالها الذي يمكن أن تقرأه في كتب التراث التي سجلت تاريخها الزاخر إبان عهودها الذهبية في عصور الإسلام الوسيطة التي امتدت فيها مكانة قوص وتربعت فيها علي قمة أعظم مدن العالم الإسلامي العلمية والدينية. فضلا عن مكانتها العسكرية والسياسية المتفردة لأربعة قرون كاملة استحقت فيها عن جدارة لقب قلعة العلم وكعبة العلماء. و تباري في وصفها الرحالة وتغني بها الشعراء وتغزل فيه الأدباء والبلغاء والفلاسفة والخطباء, وسال لتاريخها العريق لعاب المستشرقين فسارعوا لمعرفة أسراره المبهرة, كما شد الرحال إليها من كل حدب وصوب طلاب العلم من مشارق الأرض ومغاربها علي اختلاف أنسابهم وأعراقهم وألسنتهم, وكانت المحصلة الرائعة لكل ذلك ثراءا هائلا للمكتبة العربية من أمهات الكتب والمراجع التاريخية والأطالس التي تشرح هذا العهد الزاهر لقوص الذي كانت شهرتها فيه تضارع شهرة القاهرة والفسطاط.
قوص من:
خالد مبارك
ما بين تلك الحالة الراهنة الآن وحالتها قبل أكثر من نصف قرن عندما تفتحت أعيننا وولدنا علي أرضها وعشنا في كنفها طفولتنا وزهرة شبابنا يوبيلا فضيا كاملا, التدهور عنوان كل شئ وكأن التطور لم يطرق بابها طيلة تلك المدة, ولكن هناك ما يحمل ليس فقط مجرد بصيص شعاع من أمل يمكن استثماره في العودة سريعا لكي تسترد مدينة العلم جزء من مكانتها المفقودة, فهي لا زالت تحتفظ بمعظم نفائسها وآثارها الإسلامية داخل مسجدها العمري الذي يحتضن أيضا أعمدة وتيجان رومانية, وتجاوره منطقة أخري من الآثار عبارة عن معبد صغيريعود للعصر البطلمي والتنقيب أسفله سيكشف الكثير من الآثار الأخري, وكلها مجتمعة جديرة بكل اهتمام, كما أن المدينة لم تبح بعد بكل أسرارها الدفينة فلازال باطنها يكتنز الكثير والكثير من الخبايا الذي ستكشف عنه بعثات التنقيب مستقبلا وتشير اليه نتائج البحث الأولية التي تمت واحيط بسياج لحمايته, كل ذلك يجعل إعادة جزء من أمجاد قوص أمر ممكن ليس فقط علي المستوي المحلي بل علي الصعيد العالمي من خلال قائمة التراث الثقافي العالمي لمنظمة اليونسكو بباريس, وفي فرنسا نفسها من يدعم هذا الفكر وهم مشاهير مستشرقيها وعلي رأسهم البروفيسور جان كلود جارسان العميد السابق لجامعة السوربون والذي حصل علي درجة الدكتوراه الخاصة به عن تاريخ قوص في العصور الوسيطة, أيضا بحث ترشيحها كعاصمة للتراث والثقافة العربية أوالإسلامية
المسجد العمري
وفي زيارة امتدت ثمانية أيام لقوص كان بديهيا أن أبدأ زيارتي بمسجد قوص العمري أحد أهم وأعرق مساجد مصر قاطبة, وأهم المساجد المصرية والعالمية الأثرية المعلقة, ولا يزال يحتفظ بصفة التعليق إلي يومنا هذا, حيث يرتفع عن سطح الأرض, ويظهر ذلك بوضوح في واجهتيه الأمامية والخلفية, وتاريخه محل جدل ويلتبس الأمر علي الكثيرين فيه فإنشاء المسجد العتيق( وتلك إحدي أسمائه لعراقتة) تم قبل عهد الملك طلائع ابن زريك( عام550 ه), فالتاريخ يسجل للملك بدر الجمالي إعادته بناء المسجد عام473 ه1080 م,أي قبل طلائع بربع قرن, وإذا كان ما قام به الجمالي مجرد إعادة لبناء فهذا يعني أن المسجد بني قبل تلك الحقب بسنين طويلة, بل يرجح أن البناء تم مع الفتح الإسلامي, وما يدلل علي ذلك أنه يحمل اسم العمري وهذا ما كان شائعا في الكثير من مساجد مصر نسبة لفاتح مصر أنذاك عمرو بن العاص, ولكن يحسب لطلائع بن زريك إعادته لبناء المسجد عام550 ه وإهدائه للمسجد منبره الشهير,بل كانت تلك الخطوة قبل بناء طلائع لمسجده الشهير بالقاهرة بخمس سنوات أي عام555 ه, أي أن تاريخ انشاء عمري قوص يربو كثيرا بل بعقود عن الألف عام.
متحف العصور الإسلامية
أحسست وأنا أدخل بوابة المسجد وكأنني أنحي احترافي لمهنة الصحافة جانبا لأغوص في أعماق الماضي منقبا ومسترجعا تلك الذكريات الجميلة من عبق التاريخ والروحانيات ودروس العلم والفقه الدسمة لشيخ العلماء العالم أحمد الشريف والشيخ اسماعيل صادق العدوي والشيخ محفوظ محمد محمود- رحمهم الله- فلم يلفت نظري آنذاك وأنا مشدود إلي دررعلومهم الغزيرة ماهية ذلك المنبر الضخم الذي يعتليه كل منهم لإلقاء خطبة الجمعة,ولم يكن لنا أي معرفة بتاريخه ولاقيمته الأثرية ودقة صناعته وروعة زخارفه, وكان أول ما يشغلنا هو الذهاب مبكرا للفوز بمكان وسط هذا الحشد الهائل الذي يبلغ الآلاف الذين تكتظ بهم ساحة وصحن واحد من أكبر مساجد صعيد مصر قاطبة حيث تربو مساحته علي الأربعة آلاف متر مربع, ويعتبر منبر المسجد العمري أهم العلامات المميزة لفنون العصر الفاطمي بأثره بل قمة روائعه المتفردة حيث لايوجد مثيلا له علي ظهر الأرض سوي منبر السيدة نفيسة رضي الله عنها والذي تم نقله إلي المتحف الإسلامي بالقاهرة, لينفرد منبر عمري قوص ببقائه في مكانه منذ صناعته يؤدي دوره ووظيفته في الدعوة الإسلامية فقد صعد إليه العشرات من علماء الدين وجهابزة الفقه الإسلامي علي مر العصور, والنظرة إلي منبر العمري بعين الفنان والأثري تختلف عن نظرة أي إنسان عادي وإن كان الأخير ينبهر أيضا بروعة هذا التصميم الرائع, فكلاهما يلامس في جلاء الملامح الفنية وروعة دقة الصانع المبدع الذي أفرغ كل ملامح فنون عصره فيه, واعتمد علي طريقة التعشيق في تثبيت أجزائه بعضها ببعض دون اللجوء إلي المسامير الحديدية كما نحن الآن, ويبرز جمال التصميم والزخرفة في الإعتماد علي الحشوات الخشبية المجمعة في أشكال هندسية غاية في التجانس والتناسق والتناغم والجمال, والزخارف والأيات القرآنية البارزة والمحفورة تكمل اللوحة الفنية المجسمة التي لازالت موضع إبهار لكل من يشاهدها حتي لوتكررت المشاهدة عشرات المرات, ولم يكن الإهتمام بصناعة هذا المنبر من فراغ لأنه جاء بتوجيهات عليا تنفيذا لأوامر رأس الدولة نفسها الملك طلائع بن زريك(550 ه1156 م) ليهديه إلي المسجد, وهذا يعكس إهتمام الملك الشخصي بمكانة المسجد والمدينة, وجاء التنفيذ محققا آمال طلائع ليخرج في تلك الصورة التي وصفه فيها جان كلود جارسان بأنه من أجمل منابر العصر الفاطمي, ولم يكن حال قوص ومسجدها العمري أقل شهرة وقدرا في العصور الأخري كالعصر الأيوبي والمملوكي, فها هو كرسي المصحف ذو أهمية تاريخية إذ صنع في عام(740 ه1339 م) بأمر من الأمير غرس الدين خليل, وذلك المحراب الرائع الذي يرجع للعهد المملوكي وأنشأه الأمير سيف الدين طقصباي عام(702 ه1302 م) أي بعد قرن ونصف لتاريخ صناعة المنبر, وتتجلي قمة الروعة للآثار الإسلامية إذ تتصدره الآيات القرآنية البارزة بخطوط رائعة تجسد براعة خطاطي وفناني هذه الحقب الزاهرة, ويزدان المسجد من الداخل بالكثير من اللوحات الحجرية التي تسجل تواريخ إعادة بناء وتوسيع وتطوير المسجد عبر العصور المختلفة, وإن كان حرص الحكام والأمراء آنذاك هو شرف المساهمة في التطويرأو التجديد أو التوسعة التي تتم بالمسجد علي مر العصور إلا أن بعض اللوحات الجرانيتية التي تمثل حجر الأثاث لمراحل التجديد بعضها لم يحمل أي أسماء مما يعكس الحرص علي أن يكون الإعمار خالصا لوجه الله.
الطبلخانة
هنا وفي هذا المكان الطبلخانة لابد أن تشعر بمدي الظلم الذي تعرضت له قوص بل ولا زالت تتعرض له في عصرنا الحديث, ولايمكن بأي حال من الأحوال تصنيفها سوي مدينة من الدرجة العاشرة بالمقارنة بقريناتها من المدن التاريخية الأخري, فقد أوقعها حظها العاثر بين شقي رحي فشمالها مدينة قنا عاصمة المحافظة والتي توجه لها الغالبية العظمي من الإهتمام وجنوبها الأقصر المدينة المتحف التي تحتضن ثلث آثار مصر وربع آثار العالم, ولا ألتمس أي عذر لأي محافظ أو رئيس مدينة وكافة القيادات الشعبية علي تركهم المدينة علي هذه الحالة المتردية, وكذلك لا أعفي أهل المدينة أنفسهم وأنا منهم من المسئولية بل نتحمل النصيب الأكبر من الإدانة, فمدينتا كان لها شأنها عبر العصور, ولم تكن مكانتها حتي السياسية علي الهامش, فهاهو سلطان السلاطين صلاح الدين الأيوبي يولي قوص إهتماما خاصا وأرسل إليها شقيقه توران شاه والأخير واحد ممن تبنوا إعادة بناء المسجد العمري بعد الخراب الذي حل بالمدينة عام566 ه ونفذه مساعده مبارك بن منقذ, وهاهو الخليفة المأمون يأمر بإنشاء مقرا لصك العملة بقوص لتصبح المدينة الخامسة لصك العملة إلي جانب القاهرة والإسكندرية والفسطاط وعسقلان, كذلك لم يشأ السلطان أيبك أن يرسل في حملته إلا نوابغ أمرائه فارس الدين أقطاي والأمير عز الدين الأفرم, وكانت قوص المنفي الذي اختاره الملك الناصر لسلفه الخليفة العباسي الثالث المستكفي وكافة أفراد أسرته ومات ودفن فيها مؤقتا, كما كانت قوص مقر والي الصعيد الأعلي وواليها أهم الولاة وأهم منصب بعد الوزارة, ومن يتولاه علي قدر كبير من الشهرة علي مستوي العالم الإسلامي, وفي العهد المملوكي كان والي قوص له الصدارة في المواكب الرسمية حتي علي والي الغربية أهم ولاة شمال مصر, ووالي قوص يتمتع بامتياز النفير السلطاني بصفته نائبا للسلطنة( نائبا للسلطان المقيم في سوريا), وكانت ولاية قوص هي الدرجة الأعلي في سلم ترقية الأمراء في أي مدينة أخري, فهاهو والي الإسكندرية ركن الدين الكركي يرسل لتولي ولاية قوص بعد وفاة واليها غرس الدين خليل وليحظي الكركي بميزة نائب السلطان القاطن في قلعة بالاتونوس بسوريا, ومن بين الأسماء التي تقلدت إمارة قوص الأمير ناصر الدولة ياقوت, كما عين السلطان أيبك واليا عليها الأمير سايق الدين لاجين العمادي عام655 ه الذي أسس دار الحديث الشهيرة بقوص, وشغل منصب أميرها أسماء لها شهرتها مثل الأمير بهاء الدين قراقوش الظاهري والأمير عز الدين طرخان والأمير أوحد بن تميم وغيرهم.
كعبة العلماء
كانت زيارة قوص أو الإقامة بها إبان تلك العصور حلما طالما صال وجال بخيال وعقول الرحالة والفلاسفة والشعراء والخطباء والبلغاء والحكماء, سعيا للنهل من ينابيع علمائها ونيل شرف الإلتحاق بمدارسها الشهيرة, فحج إليها الداني والقاصي من كل حدب وصوب, واستحقت عن جدارة ألقاب قلعة العلم وكعبة العلماء فجاء إليها من بلاد المغرب العربي السيد عبد الرحيم أحمد بن حجون الذي كني بعد ذلك بالشيخ عبد الرحيم القنائي والذي جاء من مدينة سبته التي ترضخ حاليا تحت السيطر الأسبانية ومحل نزاع بين المغرب وأسبانيا, ولم يكن ابن حجون وحده الذي جاءها من بلاد المغرب بل العشرات منهم العلامة عبد السلام بن البشيس, كما جاءها من الأراضي الحجازية شاعر مكة البهاء زهير بن علي المهلبي والذي أقام بقوص فترة قبل أن يذيع صيته ويبلغ من الشهرة مبلغا يقربه من الملك الصالح أيوب ويجعله وزيره الخاص, كما كانت قوص مستقرا لمشاهير علماء العالم الإسلامي مثل العالم العلامة عبد الغفار بن نوح صاحب كتاب الوحيد في سلوك أهل التوحيد والعالم أبو العباس الملثم, ومقرا لقاضي قضاة مصر أمثال علي بن دقيق العيد, وبالطبع لم يكن مثل هذا التاريخ الزاخر يمر دون أن ينال إهتمام مشاهير الرحالة أمثال إبن جبير وابن بطوطة, وإذا كان لعلماء قوص نصيب الأسد بين علماء الصعيد من حيث التناول في كتاب الطالع السعيد الجامع لأسماء نجباء الصعيد للإمام أبي الفضل كمال الدين بن ثعلب الأدفوي, فإنه لم يفوت أي مؤرخ أو عالم الفرصة دون أن يتناول هذا التاريخ, فتناولها الرحالة إبن جبير في كتابه الشهير الرحلة, واليعقوبي في كتابه البلدان, وابن حوقل في مؤلفيه صورة الأرض والممالك والمسالك, وابن الفقيه في مختصر البلدان, والقلقشندي في صبح الأعشي, والإصطخري في المسالك والممالك, وابن دقماق في الإنتصار, وأبو الفداء في تقويم البلدان, وكذلك الخطط المقريزية والخطط التوفيقيية, وغيرها من المؤلفات والمخطوطات النادرة التي يوجد بعضها بمكتبات اسطنبول والدول الأوربية, وبالطبع كانت قوص محل إهتمام علماء ورحالة ومؤرخي العالم أمثال هيردوت, ولم يكن المستشرق الفرنسي جان كلود جارسان هو الوحيد الذي استحوذت قوص علي إهتمامه بل سبقة مستشرقين من كافة جنسيات المعمورة منهم إمري وسوننيني وجيرار وفيفان ومارينو وسانودو وبيجولوتي صاحب كتاب ممارسة التجارة وغيرهم.
مدارس قوص
ذاع صيت قوص كواحدة من أهم قلاع التعليم الجاذب لطلاب العلم من كافة الأقطار, وبرزت أسر بذاتها في طليعة حمل لواء العلم في عصر قوص الذهبي, بل ان بعض تلك الأسر جمع بين العلم والقضاء خاصة الأسرة القشيرية التي ينتمي إليها قاضي قضاة مصر إبن دقيق العيد, حيث كانت المدينة المقر الرسمي لهذا المنصب, وكان بها ستة عشر مدرسة لعبت دورا هائلا في الحياة الثقافية الإسلامية, وتلقي طلاب العلم بها العلوم الفقهية وعلوم الدين وغيرها, ومن تلك المدارس المدرسة النجيبية التي صنفت كأول مركز علمي قاده العلامة مجد الدين القشيري جد ابن دقيق العيد, وتلك المدرسة تحديدا كانت تسمي دار الحديث, وتبلغ الإثارة مداها عند تناول سيرة العائلة القشيرية تحديدا خاصة عندما تبرز أسماء نساء تلك الأسرة كرائدات للعلم وداعيات وفقيهات, ومنهن تاج النساء ومظفرية ابنتا عيسي بن علي بن دقيق العيد وابنة عمهن رقية بنت محمد بن علي وعمتهن خديجة بنت علي بن دقيق العيد, وهنا تفرد للمرأة القوصية قلما حظيت به غيرهن في المجتمع المصري علي مر العصور حيث تهميش دور المرأة.
طريق عيذاب
آثرت أن لا يفوتني الوصول إلي طريق عيذاب أحد أهم وأشهر الطرق المصرية للحج والتجارة بل والعلم أيضا, ألا وهو طريق عيذاب الذي يربط بين نهر النيل في والبحر وساحل البحر الأحمر عبرالصحراء وصولا للقصير أو جبال حميصرة, والواقع أن تفكيري بصفة شخصية في هذا الطريق تحديدا جاءت استلهاما من تجربة عايشتها أثناء زيارتي لسوريا الشقيقة منذ عدة سنوات, وتحديدأ مدينة حلب الشهباء, وفي استعادة من التاريخ لواحد من عناصر حضارة حلب العامرة تم إقامة مهرجان عالمي ضخم لإحياء طريق الحرير الشهير, وهو الطريق العالمي الذي الذي كانت تمر به تجارة الحرير إلي الدول المجاورة وكان له شهرة عالمية, ومع التقدم العالمي في النقل فقد الطريق دوره تماما وأصبح من الذكريات, ولكن أهل حلب أبوا أن لايستثمروا فرصة إحيائه كجزء أصيل من تراثهم الحضاري فأعادوا إحياؤه بمهرجان عالمي نجح من أول عام, بل أصبح من عوامل الجذب السياحي, والأمر بالنسبة لطريق عيذاب الذي يربط نهر النيل بسواحل البحر الأحمر لايقل أهمية وإن كان له مزايا كثيرة, فطريق عيذاب الذي كان يبدأ من قفط( إحدي توابع قوص سابقا والمدينة الحالية التي لها تاريخها العريق في الحضارة وسنتناوله مستقبلا) ويمر عبر الصحراء نهاية بشاطئ البحر الأحمر عند القصير التي كانت أحد أهم الموانئ التجارية وسفر الحجيج آنذاك, أو ينتهي عند جبال حميصره ثم شاطئ البحر الأحمر, واكتسبت قوص وقفط وطريق عيذاب وميناء القصير أهمية عظمي كمراكز تجارية لجميع أنواع السلع التجارية من الشرق والغرب مثل التوابل الهندية ومنتجات الشمال الأفريقي خاصة بلاد المغرب التي كان يجلبها معهم التجار والعلماء وطلاب العلم الذين كانوا يقصدون قوص للإستزادة من علوم جهابزة العلم فيها, أو القادمين منهم أو من الجنوب لآداء فريضة الحج عبر طريق عيذاب, ومن هنا بلغت شهرة هذا الطريق الآفاق, وإحيائه علي غرار طريق الحرير بحلب أمر جدير بالدراسة, ليصبح رافدا جديدا من روافد السياحة المصرية في الجنوب
إنصاف حضارة
آن الأوان لبداية جديدة مع عهد جديد بعد الثورة المباركة, ولتكن بدايتنا بإعداد ملف متكامل لترشيح قوص لقائمة التراث الثقافي العالمي لليونسكو كما نوهنا من قبل, والأمل أن يتجاوب مع الدعوة كل علماء وأعلام ومثقفي ورموز المدينة في أن يخرج هذا الملف في صورة تليق بمدينتا الخالدة وتلقي القبول في المنظمة الدولية, لكي تصبح قوص الموقع المصري الثامن بتلك القائمة العالمية, ولاأعتقد أن اللجنة الوطنية المصرية ستقف حائلا أمام حلمنا الشرعي بل الأمل معقود علي المعاونة في تلك الرسالة السامية التي تمثل إضافة للتراث الثقافي المصري, وكما نجحنا في دعوتنا من قبل في فكرة حصول مدينة قنا علي شهادة الأيزو البيئي كأول مدينة في العالم تحصل علي تلك الشهادة وكان لنا شرف الدعوة وإعداد الملفات مع خبير الأيزو المصري العالمي المهندس أسامة المليجي وبإشراف شخصي للمحافظ اللواء عادل لبيب نتمني أن تمد المحافظة يدها لقلعة العلم, لتكون تلك هي البداية التي سنكملها مستقبلا بطرح إسم قوص كعاصمة للثقافة الإسلامية أو الثقافة العربية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.