يهدف جهاز التنسيق الحضاري للحفاظ على هوية وذاكرة المكان، وذلك من خلال عدد من المشروعات التى يتبناها مثل "مسابقة تراثى وعاش هنا وحكاية شارع"، كما يعمل على محاربة القبح ونشر الجمال من خلال رسم السياسات ووضع الأطر والرؤى لتنفيذها من جانب الجهات المختصة بذلك. وحول أهم المشروعات التى قام بها الجهاز والجديد الذي يقدمه وأبرز الإشكاليات المتعلقة، التقت "بوابة الأهرام" بالمهندس محمد أبوسعدة، رئيس جهاز التنسيق الحضارى للطرح كل هذه القضايا. إلى الحوار: * تواصل مسابقة "تراثى" نشاطها للعام الرابع، فما مدى التفاعل بينها وبين الجمهور بعد ثلاث دورات؟ على مدار ثلاث سنوات سابقة أجرينا المسابقة للتصوير الفوتوغرافى وكان الإقبال عليها كبيرًا على مستوى الجمهورية ثم وجدنا أننا بحاجة إلى تغير فكرة المسابقة وفلسفتها، ومن ثم فكرنا فى البديل لدعوة الناس لتسليط عدستها من أجل تصوير أى أثر فى محيطها إلى أن يمارسوا الرسم لأنه يجعل الفرد قريبًا جدًا من العمل كونه هو من سيقوم بتوثيقه فى محيط محافظته. فى البداية كنت أشعر بقلق كبير لأنه عندما نطرح مسابقة عن التراث فسرعان ما يتبادر لذهن البعض فكرة التصوير الفوتوغرافى لكن حدث العكس حيث وجدت أن الإقبال المتزايد والاهتمام بعملية التوثيق من خلال الاسكتشات والرسم. واتسعت المسابقة وتشعبت بمشاركة تشكيليين وطلاب غير محترفين تقدموا إليها وصلنا فى النهاية إلى اختيار مائة عمل لعرضها فى معرض "تراثى" من إجمالى الأعمال التى وردت إلينا من مختلف أنحاء الجمهورية، كما تعمدت أن تكون لجنة التحكيم من كبار الفنانين من نُقاد وأساتذة فنون جميلة بجامعة القاهرةوالإسكندرية والمنيا ضمانًا للحيادية ورؤية الأعمال من عدة زوايا. وقد حصلت مجموعة على جوائز مادية وأخرى تشجيعية. أهدف من هذه المسابقة لأن يكون هناك نوع من التوعية بأهمية التراث وما أسعدنا هو إقبال شباب كثيرين على المسابقة، كل فرد اعتز بتراث مدينته أو قريته قام بتوثيقه، وهو ما أكد أن عين الشباب تقع على هويته، والمسابقة تتم كل عام بين جهاز اليونسكو ومنظمة اليونسكو من خلال مكتب القاهرة. *على ذكر منظمة اليونسكو ما الذى حدث فى دعوة ضم مدينة "رشيد" للتراث العالمى؟ هناك لجنة تم تشكيلها من وزير الآثار تضم مجموعة من المتخصصين من أساتذة تاريخ وخبراء آثار وفنانين ومعماريين لإعداد ملف لتسجيل مدينة رشيد على قائمة التراث العالمى. دائمًا تتهافت الدول على تسجيل مناطق تراثية على هذه القائمة معماريًا وعمرانيًا ثم أن تسجيل مدينة رشيد على قائمة التراث العالمى يمنحها الفرصة إلى أن تكون محور سياحى جديد. *"عاش هنا" أحد المشروعات التى تهدف إلى تسجيل هوية المكان من خلال الشخصيات التى عاشت فيه، فما الجديد في هذا المشروع؟ فكرة المشروع ليست للفنانين فقط ولكن للرواد فى مجالهم سواء شخصيات سياسية أو عسكرية أو فنية وأدبية. اليوم وصلنا إلى 200 شخصية تمت تغطيتها على مستوى القاهرةوالإسكندرية، آخر شخصية نفذها الجهاز كانت للكاتب أحمد خالد توفيق فى محافظة الدقهلية، لم نعلن عن المشروع إلا بعد قيامنا بتنفيذ مائة لوحة. اللافت للنظر أن الشباب أصبح على دراية أن فكرة الموضوع ليست مجرد لوحة ولكن هناك موقع كبير عليها به كل المادة المتاحة عن الشخصية المشار إليها، وبالتالى ربط التكنولوجيا من خلال الموقع الذى انشائه مركز معلومات ودعم اتخاذ القرارات بمجلس الوزراء مع اللوحة التى توضع على البيت بحيث تعًد انعاشاً لذاكرة الناس بالنسبة للأماكن. * ولكن كيف يتم التأكد من إنتماء المبدع للمكان الذى توضع أعلاه اللوحة ؟ يتم التأكد من خلال المعلومات التى يحتويها موقع جهاز دعم اتخاذ القرارات بمجلس الوزراء، كما أن مصادرنا تكون من النقابات التى تم تسجيل الأعضاء فيها أو ورثة المبدع. هنا أشير لوجود مبدعيين عاشوا فى عدة أماكن ولكننا نهدف لوضع اللوحة على المكان الذى شهد أكبر فترة من إبداعاته، مسقط رأس معظم المبدعين فى المحافظات، ولكن وجدت أشكالية هنا أن الناس لن تترد على هذا المكان بصورة كبيرة وبالتالى لن تصل الرسالة؛ لذا اتحدث عن العواصم الكبيرة التى يتردد عليها زوار كثير. كما أسعى إلى تطور المشروع بمعنى عدم اقتصاره على لوحة ومعلومات عن المبدع، ولكن أفكر فى عمل مسارات إبداعية جديدة وتطوير فكرة اليفط والأماكن التى عاشوا فيها بعمل جولة سياحية فى بعض المناطق لنعرف من خلالها أهم المبدعين بها وماذا قدموا لنا مثل الزمالك وسط البلد وغيرها، هناك بعض البيوت التى عاش فيها رواد تسُجل كأثر، وهذا من شأنه خلق نوع جديد من السياحة الداخلية. * انبثق مشروع "حكاية شارع" من "عاش هنا"، فما ماهية هذا المشروع وأهم الشوارع التى تم العمل عليها؟ وضعنا خطة لخمسين شارع قمنا بتنفيذ أكثر من عشرين شارع، حيث توجد شوارع تحمل أسماء شخصيات عامة، فكان من المهم أن نقوم بتعريف الناس لماذا سُمى الشارع بهذا الاسم وما الذى قدمه؟ فوضعنا لوحات فى الشارع بها نبذة عنه وحول سبب التسمية لأن هذا جزء من ذاكرة المكان التى دفعنا لتوثيقه مثل حسين رشدى، شارع عماد الدين، طلعت حرب، زكريا أحمد، سليمان الحلبى، على الكسار، عبد القادر المازنى، نجيب الريحانى، محمود بسيونى.. إلخ. يأت هذا المشروع كامتداد لتوثيق وهوية المدينة والذى لا يقتصر على العمران فقط ولكنه تاريخ، هناك تاريخ مادى يتمثل فى الجانب الإنسانى والعادات والتقاليد وأخرى غير مادى، ونحن نعمل على التاريخين. فإن هدف الجهاز إحياء ذاكرة المدينة، ولدينا مشاريع تطوير فى وسط البلد حيث نعمل حاليًا على المناطق العمودية فى شارعى البورصة والشريفين. *تتعرض واحة "سيوة" لموجة كبيرة من الزحف العمرانى الذى سيغير بدوره من طبيعتها.. فما هو دور الجهاز لحمايتها؟ نضع راهنا أسس ومعايير للحفاظ على واحة سيوة والتى تتمتع بطبيعة متفردة لطريقة إنشائها بالكرشيف، وهو نوع من الملح الذى يسُتخرج منها يتعامل مع الرطوبة، ويقاوم المناخ بشكل جيد، دورنا كجهاز وضع ضوابط نحدد من خلالها نقاط الحماية. فالواحة تمتد ويزداد سكانها بالتالى لابد من تحديد طريقة وآلية الامتداد بها بما لا يخالف طبيعتها. وقد قطعنا شوطاً كبيراً فى هذا المشروع. *مازالنا نعانى تشويه التماثيل الميدانية المستمر بشكل ممنهج.. فمتى يضع التنسيق الحضارى نهاية لهذا السيناريو؟ هذا الموضوع تحدثنا فيه كثيرًا ولكنه يعتمد على ثقافة الشعب وسلوك المجتمع، كثيرا من التماثيل التى تم معالجتها تم تشويهها بشكل سريع، إذن الموضوع يتوقف على سلوك مجتمع. فكرنا مؤخرًا فى منح نوع من المساعدة لمن لا يرغب فى الحضور أو الاستعانة بأحد من جهاز التنسيق الحضارى أو المختصصين وذلك عن طريق إعطائه دليل لترميم الأعمال الفنية، فأرسلناه لجميع المحافظات من خلال وزيرة الثقافة، وهو يضم أسس ومعايير الحفاظ على هذه الأعمال، أتمنى أن يتم اتباع هذه الضوابط والاشتراطات لحماية هذه التماثيل. *طالبت فى لقاءات سابقة بإنشاء فرع جديد لجهاز التنسيق الحضارى فى الإسكندرية.. ما آخر التطورات؟ بالفعل لقد وافقت وزارة التخطيط على إنشاء فرع فى الإسكندرية وتم رصد مبلغ من وزارة المالية، ولكن كانت الموافقات فى نهاية السنة المالية فلم نستطع اللحاق بها والتنفيذ ولكن فى السنة الجديدة سوف نتخذ إجراءت للحصول على كراسة الطرح والإعلان عن المكان قريبًا. المهندس محمد أبو سعدة رئيس جهاز التنسيق الحضاري خلال حواره لبوابة الأهرام