في الوقت الذي أكد فيه علماء الإسلام رفضهم للتجاوزات التي تصدر عن بعض الملتزمين شكلا والمنتسبين إلي التيار الإسلامي، كواقعة البلكيمي التي أثيرت قبل أشهر، وما يثار حاليا حول عضو البرلمان بالقليوبية، أكدوا كذلك رفضهم استغلال تلك الوقائع الفردية والمتاجرة بها، ومحاولة الإساءة للدين وتعميم الحكم السلبي ضد من يسمون بالإسلاميين أو التيار الإسلامي بسبب ما يصدر عن بعض الشخصيات. وأكد العلماء، أن تصرفات المنتسبين للإسلام ليست حكما علي الدين مهما كانت درجة التزامهم أو سمتهم وهيئتهم، بل الإسلام بشريعته هو الحاكم للجميع الضابط لهم. ورفض الدكتور ناصر محمود وهدان، أستاذ الدراسات الإسلامية والمساعد بجامعة قناة السويس، استغلال الأحداث الفردية التي يقع فيها بعض أتباع التيار الإسلامي في إثارة الشبهات والفتن ضد الإسلام وأتباعه، لاسيما من قبل أجهزة الإعلام المختلفة التي تحاول توجيه الأحداث لتنفير الرأي العام من كل ما هو إسلامي، دونما وجه حق أو سند من حقيقة، وناشد الإعلام التزام الحياد والموضوعية تجاه المشتبه فيهم ممن تجري معهم التحقيقات، وعدم التشهير أو تجريحهم قبل انتهاء الحقيقات. وأوضح، أنه إذا كانت إحدى قواعد القانون الوضعي، تقول بأن المتهم بريء حتي تثبت إدانته، فلا يجوز لنا أن ننصب أنفسنا قضاة ونتعامل معهم كمجرمين قبل أن يثبت ضدهم أي اتهام.. هذا إضافة إلي أنه يجب أن نعلم أن من تثبت إدانته فإنما يعبر بتجاوزه عن نفسه ولا يعبر عن الإسلام ككل. وأشار د. وهدان، إلي أن التعامل مع التجاوزات أو المخالفات التي يقع فيها بعض المسلمين الملتزمين شكلا يعكس نوعا من الخلل في أفهام بعض أطياف المجتمع، حيث نجد الناس يتعاملون مع هذا الصنف من الناس وكأنهم معصومون من الخطأ، هذا بالإضافة إلي خطأ تعميم الأحكام علي كل من يتشابه معهم في الهيئة ووضع الجميع في سلة واحدة وهذا ظلم كبير لهم. الأمر نفسه يؤكده الدكتور عبد الله كامل، إمام وخطيب وباحث إسلامي، مشيرًا إلي أنه إذا كان الله عز وجل قد فصل في حسابه بين العباد كل حسب عمله ونيته، وقال في كتابه العزيز" ولا تزر وازرة وزر أخري"، فلا يجوز لنا كبشر أن نعمم ونصدر أحكاما مطلقة علي فئة أو تيار أو فصيل بأكمله بأنه فاسد لمجرد فساد شخص أو اثنين مثلا، لاسيما إذا كان هذا التيار يضم عشرات الآلاف من المنتسبين له، وأكد أن الخلل حينئذ يكون في الأشخاص وليس بالضرورة أن ينسحب ذلك علي الفصيل أو التيار كله خاصة إذا أعلن رفضه هذا السلوك المنحرف وتبرأ منه. أما الدكتور حامد أبوطالب، عضو مجمع البحوث الإسلامية، فقال: بالرغم من سماحة الإسلام وعظمة شريعته في إسعاد البشرية ونشر روح الود والإخاء بين البشر، فإننا قد نجد بعض المسلمين الذين يخطئون أو يقصرون في تطبيق قواعده التي ينادي بها وأرساها..ومن عجب أن يحكم البعض علي الإسلام بسلوك هؤلاء المقصرين، وكأن سلوك المسلمين أو تدينهم حجة علي الدين. ويضيف قائلا: إن شريعة الإسلام شريعة حاكمة للعباد وتصرفاتهم، وليست محكومة بما يصنعون أو يصدر عنهم من سلوك.. لذا فيجب أن نفرق بين أمرين مهمين هما "الدين" و"التدين"، فالدين هو ما أنزله الله وأمر به عباده، أما التدين فهو تطبيق الدين المتمثل في أوامر الله، وإنزال تلك الأوامر علي أرض الواقع..ومعلوم أن المسلمين مختلفون في تدينهم، وبدرجات متفاوتة وقد يكون البعض تدينه منقوص أو خاطئ لخلل في الشخص نفسه.. أما الدين فقد أعطاه الله صفة الكمال والتمام، لقوله تعالي" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا".. ومن ثم كان الدين حجة علي العباد وليس العكس. ويضيف د.أبوطالب، أن الإسلام الصحيح يقاوم كل اتجاه ينزع إلي التشدد والغلو والتنطع في الدين، ولكننا قد نجد مسلما يخطئ فهم نصوص الإسلام فيكون به نوع من التشدد أو الغلو أو ما شابه ذلك، وهذا ليس بغريب فالمسلمون بشر يصيبون ويخطئون أما الدين الحق فقد نزهه الله من الخطأ والزلل والباطل.. فالإسلام كنظام إلهي يضبط العالم ولكن لا يمكن إلزام جميع الخلائق به، أو حتي اتباعه بتنفيذ تعاليمه، ذلك أن الله تعالي بعد أن بين القواعد التي تضبط سلوك الناس في معاملاتهم فيما بينهم وبين العباد، وبين المنهج السليم في التعامل في شتي شئون الدنيا والآخرة.. بعد كل ذلك علم أن بعض الناس بحكم بشريتهم قد يحيدون عن هذا المنهج ومنهم من لا يلتزم بتطبيقه كما ينبغي..من أجل ذلك شرع العقوبات وبين الجزاءات التي تقع علي المخالفين في الدنيا والآخرة، بل وفوق ذلك بيَن الجهة التي تطبق هذه الجزاءات وهي القضاء. ومن هنا فإن وجود مخالفين لمنهج الإسلام من أتباعه حتي الملتزمين سمتا وشكلا، الذين يحسن مظهرهم دون جوهرهم، فذلك أمر طبيعي وليس ببعيد، وإلا فما الحاجة إذن إلي العقوبات التي هي جزء أساس من التشريع الإسلامي؟ لذلك فمن الخطأ أن يحكم علي الإسلام بما يفعله المخالفون ففي ذلك ظلم عظيم للإسلام. ويشير د. أبو طالب إلي أن الحكم علي الإسلام يكون من خلال قواعده وأحكامه التي جاء بها، ومن خلال قرآنه الكريم المعجز إلي يوم الدين، فالإسلام كدين إلهي جاء بالأحكام التي تنظم كل شئون الحياة وتهذب أخلاق الناس وسلوكياتهم، وتحفظ للناس أموالهم وأعراضهم وأنفسهم، ومن يخالف هذه الأحكام فهو بعيد عن منهج الله ولا يمثل الإسلام، والظلم كل الظلم أن يكون المخالفون نافذة يطل بها الآخرون على الإسلام.