في بداية العام الجاري توقع محافظ البنك المركزي طارق عامر، أن سعر صرف الجنيه المصري سيشهد عدة تقلبات، قبل أن يستقر محققا ارتفاعا أمام الدولار، وقد تحقق ذلك بالفعل، وكانت هذه التقلبات لصالح تحسن سعر صرف الجنيه أمام الدولار، حيث سجل سعر الصرف ارتفاعا بنسبة 4% بداية العام الجاري، ليتراجع الدولار أمام الجنيه مسجلا 17.25 جنيه، وذلك وفقا لأسعار صرف الأربعاء الماضي 24 إبريل. وقد جاء هذا التحسن لعدة أسباب، أولها خارجية، ومنها تحول الأسواق الناشئة لتصبح الوجهة الاستثمارية بعد تلاشي الأثر السلبي للسياسة النقدية الأمريكية جراء قيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بتثبيت الفائدة على الدولار الأمريكي، وذلك بعد تخفيض احتمالات رفع أسعار الفائدة على الدولار من 3 مرات إلى مرتين خلال 2019، وهو ما رفع سقف المحللين للتأكيد على زيادة الاستثمار في أدوات الدين الخاصة بالأسواق الناشئة خلال العام الجاري. وقد أيد توقعات المحللين، تقرير نشرته وكالة "رويترز" في 4 إبريل 2019، استندت فيه على مسح استقصائي، شمل 37 بنكا في الأسواق الناشئة، خلص إلى أن البنوك المركزية تعتزم إنهاء السياسات النقدية التشددية التي كانت قد طبقتها في 2018 لمواجهة تبعات تزايد قوة الدولار الأمريكي وانتهاج سياسة توسعية تتبع خفض أسعار الفائدة، الأمر الذي دفع تجار الفائدة إلى زيادة الاستثمار في عملات تلك الدول ومنها "مصر" للاستفادة من أسعار الفوائد المرتفعة في الوقت الحالي. وقد أشارت بعض التقارير الدولية ومنها تقرير نشرته صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، أن قيمة تلك التدفقات تقدر بنحو 58 مليار دولار للأسواق الناشئة في يناير من 2019، بينما قدرتها تقارير أخري بنحو 51 مليار دولار. وأشارت تلك التقارير إلى أن نصيب مصر من تلك التدفقات قد بلغ 10.62 مليار دولار خلال شهري يناير وفبراير من العام الجاري. وعلاوة على العوامل الخارجية، فإن هناك أيضا أسبابا محلية، أدت إلى التحسن في سعر صرف الجنيه أمام الدولار، يأتي على رأسها، القرار الذي اتخذه محافظ البنك المركزي في ديسمبر 2018، بإلغاء آلية تحويل أموال المستثمرين الأجانب، والذي سمح للتدفقات النقدية الداخلة لمصر بأن تنعكس بشكل مباشر على السيولة بين البنوك. وتزامن هذا القرار مع زيادة الطلب على أدوات الدين بالأسواق الناشئة، الأمر الذي ساهم في تحسن التدفق النقدي للبلاد من العملات الأجنبية في السوق ودفع بدوره سعر صرف الجنيه أمام الدولار. ويرى بعض المحللين، أن جزءا من التدفقات النقدية الدولارية بالسوق المصرية، تحدث جراء قيام الصناديق الاستثمارية قصيرة الأجل بإجراء إعادة توازن لمحافظها الاستثمارية في أدوات الدخل الثابت مطلع كل عام، وهو نفس السلوك الذي حدث في 2018. ويرى محللون آخرون، أن الفترة من يونيو إلى سبتمبر، والتي تتزامن مع فترة وصول المصريين العاملين بالخارج إلى أرض الوطن، ستشهد ارتفاعا في إيرادات الدولة من العملات الأجنبية وهو ما من شأنه المساهمة في استقرار سعر صرف الجنيه أمام الدولار. ورجح جولدمان ساكس "أحد أكبر بنوك الاستثمار الأمريكية"، أن يستقر سعر صرف الجنيه المصري عام 2019، وذلك لعدة عوامل، منها تحسن أوضاع ميزان المعاملات الجارية، متوقعا أن تساهم تراجع واردات الوقود والتعافي التدريجي لقطاع السياحة وتحويلات المصريين بالخارج في دفع ميزان المعاملات الجارية وتحوله نحو تحقيق فائض في العام المالي 2019 -2020، الأمر الذي سيقلل من الضغوطات على سعر صرف الجنيه.