"لأننى في عز مجدى أفكر في الاعتزال لا أريد أن أنتظر حتى تهجرني الأضواء بعد أن تنحسر عنى" كلمات من فم شادية أنهت بها حياتها الفنية، ومن بين شفتى هذا الفم نفسه خرج صوتها ليمتع الملايين ما بين الدلع ومابين الشقاوة وخفة الظل، هنا نتحدث عن واحدة من أهم من أنجبتهم السينما المصرية في القرن العشرين. كما أن شادية كممثلة استطاعت ترك بصماتها في كل دور لعبته ...واستحقت عن جدارة لقب"دلوعة" السينما المصرية، تلك التى حاول الكثيرون تقليدها لكنهم لم يستطيعوا لفت الأنظار إليهم. شادية التى استطاعت أن تلعب كل الأدوار، حتى دور الأم المسنة وهى في سن صغيرة كما في فيلمها "المرآة المجهولة"، وظلت نجمة الشباك الأولى لمدة تزيد على ربع قرن. رغم أن اعتزال شادية، جاء في عز مجدها، إلا أن الملايين من محبيها في مصر وعلى مستوى الوطن العربي لم يستطيعوا نسيانها، وكانت المفاجأة الكبرى لمحبي شادية عندما سمعوا صوتها بعد غياب سنوات منذ اعتزالها، أثناء حديثها تليفونياً مع الاعلامى عمرو الليثي خلال فترة الثورة، كان حديث شادية قصيرًا لكنه مؤثر أوصت فيه شباب مصر بأن يخافوا على بلدهم ويحافظوا عليها. على مدار مشوارها الفنى، أستطاعت شادية تكوين ثنائي رائع مع النجم كمال الشناوى، وقدموا عدداً من الأفلام الناجحة منها "حمامة السلام"، "عدل السماء" "والروح والجسد" و"ساعة لقلبك" و"ظلموني الناس" وأيضاً "المرآة المجهولة" والذى يمثل نقطة تحول في حياتها وغيرها، كما كونت شادية ثنائياً رائعاً مع زوجها الفنان صلاح ذو الفقار حيث قدموا معاً عددًا من الأفلام الكوميدية الناجحة منها كرامة زوجتى، مراتى مدير عام، عفريت مراتى، وأيضاً "أغلى من حياتى" حيث قدموا معاً من خلال أحداث هذا الفيلم واحدة من أشهر وأروع قصص الحب في السنما المصرية واللذان اشتهرا فيها باسمى "أحمد ومنى" ولعل شادية كانت من أبرز الفنانات اللاتى جسدت عدداً من الروايات للأديب الكبير نجيب محفوظ منها ميرامار، اللص والكلاب، زقاق المدق. من الأدوار الفارقة في حياة شادية، والتى تآثر كثيراً الجمهور بها فيلم "نحن لانزرع الشوك" أو دور "سيدة" الفتاة الفقيرة التى ظلت منذ طفولتها تعانى من الظلم حتى أنها تضطر في فترة من حياتها للعمل كفتاة ليل وتتوالى الأحداث حتى أنها تفقد طفلها الرضيع وتنتهى الأحداث بوفاتها. ولمن لايعرف، ف "شادية" هو اسم الشهرة الذى خرجت به إلى جمهورها، حيث إن اسمها الحقيقي هو فاطمة كمال شاكر، وهى من مواليد حى عابدين اما جذورها الأصلية فتنتمى إلى محافظة الشرقية. بدأت شادية رحلتها الفنية عام 1947 وهى في عمر الخامسة عشر، وكان بداياتها على يد المخرج أحمد بدرخان الذي كان يبحث عن وجوه جديدة، وبعد ذلك رشحها بدرخان إلى المخرج حلمى رفلة لتلعب دور البطولة أمام الفنان محمد فوزى من خلال فيلم "العقل في إجازة" والذى حقق ايرادات عالية في ذلك، لتتوالى بعد ذلك الأعمال المشتركة التى جمعت بين شادية وفوزى حيث قدموا معاً أفلام "الروح والجسد"، "الزوجة السابعة صاحبة الملاليم"، "بنات حواء". قدمت شادية للسينما المصرية مايقرب من 112 فيلما، أشهرها: معبودة الجماهير، دليلة، لحن الوفاء، لا تسألنى من أنا، شىء من الخوف، الظلم حرام، الهاربة، بشرة خير، الطريق، على ضفاف النيل، امرأة في دوامة، ليلة العيد، اشكى لمين، غلطة أب، نص ساعة جواز يسقط الاستعمار، إضافة إلى 10 مسلسلات إذاعية، ومسرحية واحدة حققت من خلالها نجاحاً كبيراً على مستوى مصر والوطن العربي وهى "ريا وسكينة" وذلك رغم أن طبيعة شادية حسبما كان يؤكد المقربون منها أنها شخصية خجولة للغاية لذلك كانت المفاجأة أن تواجه يومياً حشودًا كبيرة من الجماهير الذين كانوا يأتون لمشاهدة المسرحية. ولا يمكن أن يغفل أحد عن شادية المطربة، التى أُثرت الملايين من محبيها بصوتها الذى كان يجمع بين الشقاوة كما في أغنية "ألو ألو.. نجحنا أهه في المدرسة"، والرومانسية كما كانت تظهر في أفلام عبد الحليم وتحديداً فيلمها "معبودة الجماهير" واللذان قدما فيه واحدة من أروع دويتوهات السينما المصرية وهى أغنية "حاجة غريبة". واستطاعت شادية بصوتها أن تحشد الملايين في حب الوطن، تحديداً في أغنيتها الشهيرة "ياحببتى يامصر" فلا يمكن أن تمر مصر بأية مناسبة، إلا وكانت هذه الأغنية حاضرة، ولعل ثورة "يناير" كانت خير دليل على ذلك، فمن كان يتجول في ميدان التحرير كان يجد جميع المنصات حاضرة بمكبرات صوت ضخمة موجود عليها هذه الأغنية وكان الجمهور يظل يردد وراء العظيمة شادية. وليس هذا فقط بل كان ل شادية أغانٍ وطنية آخرى شهيرة منها أوبريت وطنى حبيبي، الجيل الصاعد. هذا بالإضافة إلى عدد من الأغانى التى قدمتها شادية، وقام بعض المطربين الكبار بإعادة توزيعها مرة أخرى في ألبوماتهم مثل الفنان محمد منير مثل أغنية "آه ياسمرانى اللون". وستظل شادية معشوقة الملايين لمن عاصروها، ولمن يولودون في المراحل المقبلة.. فهى ليست مجرد ممثلة مرت على السينما المصرية ولكنها مؤسسة فنية صغيرة تجمع بين التمثيل والغناء والاستعراض والكوميديا. ولعل أشهر الكلمات التى اختتمت بها شادية مشوارها الفنى، بعد قرارها الاعتزال تؤكد أن جمهورها سيظل محتفظاً بصورة هذه الفنانة التى لم تتنظر العجز حتى تقرر اعتزال الفن، وهذا هو نص كلماتها الشهيرة. "لأننى في عز مجدى أفكر في الاعتزال لا أريد أن أنتظر حتى تهجرني الأضواء بعد أن تنحسر عنى رويدًا رويدًا... لا أحب أن أقوم بدور الأمهات العجائز في الأفلام في المستقبل بعد أن تعود الناس أن يروني في دور البطلة الشابة.. لا أحب أن يرى الناس التجاعيد في وجهى ويقارنوا بين صورة الشابة التي عرفوها والعجوز التي سوف يشاهدونها.. أريد أن يظل الناس محتفظين بأجمل صورة لى عندهم ولهذا فلن أنتظر حتى تعتزلني الأضواء وإنما سوف أهجرها في الوقت المناسب قبل أن تهتز صورتى في خيال الناس".