جاءت ثورة 1919 لتواجه السياسة البريطانية في مصر عقب الحرب العالمية الأولى، بقيادة الوفد المصري الذي كان يرأسه سعد زغلول ومجموعة كبيرة من السياسيين المصريين، كنتيجة لتذمر الشعب المصري من الاحتلال الإنجليزي وتغلغله في شئون الدولة، بالإضافة إلى إلغاء الدستور وفرض الحماية وإعلان الأحكام العرفية. وجاء شعار "يحيا الهلال مع الصليب" لتوحيد الصف المصري، الذي انطلقت البشارة الأولى للثورة عندما شغلت الزعيم "سعد زغلول" فكرة تأليف وفد مصري للدفاع عن قضية مصر سنة 1918م، ورغم محاولة الاحتلال الإنجليزي قتل الفكرة ومواجهة حملات التوقيع بالموافقة الشعبية عليها، تشكل الوفد، الذي ضم سعد زغلول، مصطفى النحاس، مكرم عبيد، عبدالعزيز فهمي، علي شعراوي، أحمد لطفي السيد وآخرين.
لعبة الفتنة يروي الدكتور عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان، أن سلطة الاحتلال أرادت إيقاع الفتنة بين الشعب المصري حتى ينشغلوا عن جلاء الاستعمار، وقد قامت بريطانيا بتلك "اللعبة" منذ أن احتلت مصر عندما أتى اللورد كرومر من الهند إلى مصر، وبدأت الإدارة الإنجليزية اتباع أسلوبها في الهند بالإيقاع بين الهندوس والمسلمين هناك، وإحداث فتنة طائفية بينهم وإبعادهم عن النضال وإجلاء الاستعمار، ولكن عقلاء المصريين تنبأوا لهذه المحاولات قائلين ليس هناك فرق بين مسلم ومسيحي، حيث قال الشيخ على يوسف أنذاك مقولته الشهيرة: "وما المسلمون المصريون إلا أقباطا غيروا عقيدتهم"، وقال حينها أحمد لطفي السيد مقولته: "على الذين يريدون إعلان دولة إسلامية أن يعلموا أن الدين ليس رابطة للوطن ولكن الوطن يقوم على المصلحة والمصلحة فوق الأجيال، وعند إعلان مصطفي كامل في عام 1907 إنشاء الحزب الوطني مستخدما عبارة الشيخ على يوسف ومضيفًا إليها: "وهل تغيير العقيدة يغير الدم"، وهذا عندما أردت بريطانيا إيقاع الفتنة بين المسلمين والمسحيين، فقد ذهب القمص "سرجيوس" وخطب في الجامع الأزهر، وكذلك قام كبار شيوخ المسلمين بالذهاب إلى الكنائس ومخاطبة جموع الشعب، فلم تنجح بريطانيا في إثارة الفتنة الطائفية وتم رفع شعار يحيا الهلال مع الصليب واستبدلوا النجمة بالصليب بدلا من العلم العثماني. يحيا الهلال مع الصليب يقول المفكر جمال أسعد، إن شعار يحيا الهلال مع الصليب كان رد فعل طبيعي لإظهار المعدن المصري الأصيل الذي يحدد النظرة المصرية لما حدث من مناخ طائفي، فهذا الشعار جاء رد فعل للأحداث الطائفية أوائل القرن العشرين ومقتل بطرس غالي القبطي، حيث بث الاحتلال البريطاني أفكارا مغلوطة لزرع بذور الفتنة بين عنصري الأمة، وظهرت صحف إسلامية وأخرى مسيحية، وكان من الطبيعي في هذا المناخ الطائفي وفي ظل استعمار يريد القسمة والفرقة وعلى ضوء المطالبة بالاستقلال في مواجهة الاحتلال من رفع شعار يحيا الهلال مع الصليب، ولمن شاركوا من النخبة القبطية في هذه الثورة رفعوا شعار الدين لله والوطن للجميع للرد على كيد البريطانيين ويظهروا أن ثورة 1919 ثورة شعبية.
الوحدة الوطنية ومن جانبه يقول الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، إن الشعب المصري تجلت به الوحدة الوطنية بين الأقباط والمسلمين في ثورة 1919 وليست فقط في 1919 بل ظهرت في ثورة 2011، وكذلك في 30 يونيو2013 وظهر الانتماء الديني بين المصريين من مسلمين ومسيحيين، وتم تداول الخطب في دور العبادة، حيث ذهب مسلمون إلى كنائس والعكس وتصدى الجميع لمحاولة المؤامرة البريطانية اللعب على وتر الوحدة الوطنية، حيث أراد المستعمر الإنجليزي الإيحاء للمسيحيين بأنهم يحمونهم من المسلمين، ومن ثم سارع المسلمون على طوائفهم برفع اللافتات التي تجمع ما بين الهلال للمسلمين والصليب للمسيحيين، وبالتالي نجحت هذه الثورة نجاحًا منقطع النظير وأظهروا معلم من معالم الإيخاء الديني وزمالة الشرائع في مصر على وجه الخصوص وامتدت الآثار الطيبة فيما بعد إلى عام 1956 والتصدي للعدوان الثلاثي على مصر ونفس الشيء من تبادل إلهاب المشاعر الوطنية في الكنائس، وامتد ذلك إلى أحداث 2011 و30 يونيو، وتعد أحداث 1919 شرارة تدل على إيخاء وتواصل وحدة المصريين الدينية.
ثورة شعبية وفي السياق ذاته، يري الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي، في أوائل القرن العشرين تشكل الوعي الوطني وكان الاستقلال حلم يراود المصريين مسلمين وأقباطًا، وجاء اتحاد الشعب المصري بكل طوائفه وخروج المرأة المصرية لأول مرة في مظاهرات منددة بالاحتلال ومطالبة بالحرية، خالعة للحجاب فمفهوم الحجاب آنذاك كان يتبع الدولة العثمانية، كذلك استطاع الموظفون في الحكومة إعلان العصيان المدني، حينها أرسل الزعيم غاندي برقية إلى "سعد زغلول" مشيدا بذلك، متمنيا أن يحدث ذلك في بلاده، وقامت ثورة 1919 ثورة شعبية بها كافة جموع الشعب المصري بكل طوائفه ثورة شعبية وليست ثورة مؤسسات، وعلى مر العصور جاءت أيضا ثورة 25 يناير 2011 وكذلك ثورة 30 يونيو 2013 لتعيد للأذهان روح وأجواء ثورة 1919.