«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مئوية الوحدة الوطنية.. قرن من مواجهة الخطر
نشر في البوابة يوم 08 - 03 - 2019

أظهرت ثورة 1919 الوحدة الوطنية فى أسمى معانيها؛ حيث ارتفع شعار «عاش الهلال مع الصليب»، ليؤكد تماسك المصريين فى مواجهة المحتل الغاصب، وكان الخروج إلى الشوارع والميادين بصورة شعبية جارفة هو تعبير عن متانة النسيج المصري؛ فلأول مرة فى التاريخ الحديث، لم يقتصر دخول المساجد والكنائس لأصحابها، بل تحولت تلك المقاصد الدينية إلى ساحات لشد الأزر وشحذ الهمم من أجل التماسك والوقوف صفًا واحدًا، ليظل ذلك المشهد فى ذاكرة مصر.
لا تزال صيحات المصريين تتردد فى جنبات الزمن بعد أن تم القبض على سعد زغلول فى 8 مارس 1919، كرد فعل للمشاركة الجماهيرية غير المسبوقة التى ظهرت فى شكل التوقيعات التى حصل عليها ما يسمى ب«وفد القوى الوطنية»، التى فوضها الشعب للمطالبة بالاستقلال، وهم الاسم الذى اشتق منه اسم حزب الوفد فيما بعد، وذلك بعد تلك الوعود التى وعد بها الإنجليز بمنح الاستقلال لمصر بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى.
جمال أسعد: الضمير يمثل اللغة السائدة بين المصريين.. وتصريح 28 فبراير أعطى مصر استقلالها وأنهى الحماية البريطانية
يتحدث المفكر القبطى جمال أسعد، عضو مجلس النواب، عن تلك الفترة فيقول «فى ذلك الوقت كان الضمير هو اللغة السائدة بين المسلمين والأقباط، وإن كان يقل وقتا ما ولكن كان دوما المجتمع على قلب رجل واحد، كان المصريون لا يخرجون إلا عندما يمس الوطن بسوء أو يخدش نسيجه، وبين هذا وذاك ظهر ذلك الخطر الذى يهدد، وما زال يهدد، الوحدة المصرية الجامعة، وهو ما يسمى «الفتنة الطائفية بين المصرى المسلم والمصرى المسيحى»، وردًا على الفريقين من الوطنيين والعقلاء من هنا وهناك، وفى هذا المناخ الوليد الذى استعاد الكامن الوطنى فى النفوس».
يُضيف أسعد: «خرجت المظاهرات حاشدة إلى منزل سعد زغلول، وخرج لهم عبدالعزيز فهمى، وهو أحد القيادات مع سعد زغلول ورفاقه الذين قاموا بعملية جمع التوكيلات للوفد، والمقصود بالوفد هنا المجموعة التى ستتفاوض مع الإنجليز وليس حزب الوفد الذى أنشئ فى 1922 استغلالًا للهبة الجماهيرية عام 1919 المساندة للوفد المفاوض». لم يكن لسعد ورفاقه أن يتصوروا تلك الهبة الجماهيرية الرائعة والمباغتة للجميع، حتى إن عبدالعزيز فهمى قال لهم عودوا إلى منازلكم واتركونا ندير الأمر مع الإنجليز، ومع ذلك خرجت الجماهير، وزادت الأمور اشتعالا ضد الإنجليز خاصة فى محافظات الصعيد أسيوط، المنيا فما حجم المشاركة القبطية فى تلك الثورة».
وأشار أسعد إلى أن أحداث الثورة كانت «كالسيمفونية الرقيقة»، حسب وصفه، فقد مرّت أحداثها دون شغب أو إهدار للدماء بين المصريين وبعضهم؛ ففى اليوم التالى لاعتقال الزعيم سعد زغلول وأعضاء الوفد، أشعل طلبة الجامعة فى القاهرة شرارة التظاهرات، وفى غضون يومين امتد نطاق الاحتجاجات ليشمل جميع الطلبة بما فيهم طلبة الأزهر، وبعد أيام قليلة كانت الثورة قد اندلعت فى جميع الأنحاء من قرى ومدن، ففى القاهرة قام عمال الترام بإضراب مطالبين بزيادة الأجور وتخفيض ساعات العمل وغيرها، وتم شل حركة الترام شللا كاملا، تلا ذلك إضراب عمال السكك الحديدية، والذى جاء عقب قيام السلطات البريطانية بإلحاق بعض الجنود للتدريب بورش العنابر فى بولاق للحلول محل العمال المصريين فى حالة إضرابهم، مما عجل بقرار العمال بالمشاركة فى الأحداث؛ ولم يكتف هؤلاء بإعلان الامتناع عن تأدية عملهم، بل قاموا بإتلاف محولات حركة القطارات، وابتكروا عملية قطع خطوط السكك الحديدية التى أخذها عنهم الفلاحون، وأصبحت أهم أسلحة الثورة «وكانت العقول مستنيرة وكان الشباب واعيا بلا أهداف مالية ولكن فقط كانت أهدافه وطنية فقط».
وسيم السيسي: مسيحيان اثنان فى وزارة الشعب لأول مرة فى مصر.. وغاندى تعلم كثيرًا من الثورة
تناول المفكر الدكتور وسيم السيسي، فى حديثه ل«البوابة»، دور الأقباط فى الثورات المصرية الحديثة، حيث شهد القرن التاسع عشر على الشعور الوطنى بضرورة إقراره لمبدأ المواطنة فى تقرير المساواة فى الحقوق المدنية بين المسلمين وغير المسلمين، فشهد عام 1855 سقوط الجزية عن المسيحيين، وفى عام 1856 صدر الأمر العالى ينص على أن أبناء المسيحيين سوف يدعون إلى حمل السلاح أسوة بأبناء المسلمين، فتزامنت هذه الإجراءات مع سياسة اتجاه الدولة إلى الاعتماد وبدرجة أكبر على المصريين ككل فى وظائف الدولة والجيش وأكملت ثورة 19 نهضة كبيرة للأقباط فى مصر ودولتهم، ولا نستطيع أن ننسب لأنفسنا فقط نجاحها، بل لتوحد صفوف الوطن بأكمله شبابا وشيوخا ونساء ورجال دين.
بدأ الدور القبطى فى الظهور منذ ثورة أحمد عرابي، عندما طالب عرابى بزيادة عدد الجيش المصرى وقواته وإنشاء مجلس نواب على نظام البرلمان الأوروبى؛ فقام الخديو توفيق بعزله من الجيش، فقامت ثورة شعبية بقيادة الشيخ إمبابى شيخ الأزهر والبابا كيرلس الخامس بطريريك الأقباط فى ذلك الوقت، وقاموا بإرسال عريضة إلى الباب العالى، مطالبين فيها عودة عرابى للقوات المسلحة. استجاب الباب العالى لعودة عرابى «واتجه لعزل الخديو توفيق، واتجه الخديو وقتها إلى التحالف مع الإنجليز، ومع الحزب الوطنى على رأسه سلطان باشا، وتحالف مع بعض الضباط الخونة على رأسهم على يوسف الملقب ب«الخنفس»، ومن هنا كان ظهور التوحد بين الأقباط والمسلمين فى الهجوم الشرس على من يفكر أن يقترب من كيان الوطن أو المساس به فكان الأنبا سرجيوس من وضع حجر الوحدة الوطنية عندما جعل التفرقة بين المسلمين والأقباط فقط عندما يذهبون للمسجد أو الكنائس، فكانت سر قوة الشعب المصرى فى ترابطه».
وتابع «السيسي»: «لمعرفة المزيد عن قوة ترابط المسيحيين مع المسلمين؛ فنجد ذلك فى ارتقاء النخب القبطية الذين شاركوا فى الحياة السياسية منذ بدأت تأسيس الدولة الحديثة، وكان محمد على يحكم مصر حكما مطلقا، وكان يعاونه المجلس العالى، ولكن لم يدخله أحد من المسيحيين، ولكنهم دخلوا المؤسسات النيابية بعد أن تولى الخديو إسماعيل، وفى مجلس شورى النواب 1866 انتخب عضوان من الأعيان المسيحيين عن العمد، وذلك من مجموع 75 عضوا يشكلون المجلس، وفى 1881 كان مجلس النواب أربعة من المسيحيين من 80 عضوا، وبعد الاحتلال البريطانى عين فى مجلس شورى القوانين 1883-1890 خمسة من البكوات والباشاوات المسيحيين، وعندما أنشئت الجمعية التشريعية حرصت الإدارة الإنجليزية على التمسك بفكرة تمثيل الأقليات؛ فنص القانون على تعيين أربعة من المسيحيين وثلاثة من مشايخ البدو».
كمال زاخر: رصاص الاحتلال لم يفرق بين مسلم ومسيحى
وقال الكاتب والمفكر كمال زاخر «الوحدة التى نشهدها الآن ليست بجديدة علينا فكانت وستظل مصر مثلما يراها الجميع مهما عانت، وتبقى ثورة 1919 درسًا خالدًا فى القومية المصرية، لا فروق بين أهل مصر بسبب الدين، وكان التجلى الأعظم لذلك خلال الثورة العظيمة، وهو تجلى يفوق أى مثال تقدمى شهدته ثورات العالم»، وتابع «فى أغنية «قوم يا مصرى» الشهيرة للرائعين سيد درويش وبديع خيرى، بيت محذوف فى التسجيلات الحديثة للأغنية، يقول: حب جارك قبل ما تحب الوجود، إيه نصارى ومسلمين، قال إيه ويهود، دى العبارة نسل واحد من الجدود»، ولفت إلى أن الأقباط كفاحهم لا ينكر «وحضورهم كان طاغيًا فى الثورة، حتى إن سعد زغلول عندما شكل وزارة الشعب سنة 1924، واستعان بوزيرين مسيحيين قال له الملك فؤاد إن العادة جرت أن تتم الاستعانة بوزير واحد قبطى، فأجاب سعد أن رصاص الاحتلال لم يفرق بين مسيحى ومسلم، وفى الحقيقة؛ فإن مقصد سعد كان يرى أن مشاركة الأقباط فى الثورة لم تكن بالعدد، وأن كثيرين استشهدوا وأعدموا فى سبيل الاستقلال، وأن هناك مسيحيين كثر شاركوا فى أعمال الجهاز السرى للثورة».
وأضاف زاخر أن هناك ملاحظات تكشف كفاح الأقباط خلال ثورة 1919 «منها مثلًا أنه فى 11 مارس 1919 جرى أول إضراب منظم وهو إضراب المحامين، وقد اتخذ القرار مجلس النقابة، وبينهم اثنان من المسيحيين، هما إدوار قصيرى وميخائيل جرجس، وعندما نفى سعد إلى ملطة كان معه سينوت حنا وجورج خياط، وفى يوليو 1919 قبضت السلطات البريطانية على عبدالرحمن فهمى وعدد من أفراد الجهاز السرى للثورة، وكان من بينهم ستة أقباط هم: توفيق صليب، منير جرجس عبدالشهيد، كامل جرجس عبدالشهيد، وقرياقص ميخائيل، وعازر غبريال، وناشد غبريال، وكان فى كل هيئة وفدية مجموعة من الأقباط، ففى الهيئة الأولى كان هناك جورج خياط، ومرقس حنا، وواصف غالى، وعندما تآلفت الهيئة الثانية كان فيها سلامة ميخائيل، وفخرى عبدالنور».
لقد كان شعار «عاش الهلال مع الصليب» ملهبًا للمشاعر، مؤججًا لروح الوطنية ومتجاوزًا للعصر بما يؤسس لميلاد الوطنية المصرية فى عمقها الحقيقى، وفى الصعيد كشفت تقارير السلطات البريطانية فى ذلك الوقت، عن إصرار شديد للأقباط للدخول فى عمليات مقاومة غير سلمية للإنجليز، رافضين طرح بريطانيا بأن وجودها فيها يستهدف حماية المسيحيين المصريين، لقد دفع ذلك مكرم عبيد باشا إلى طرح مقولته الشهيرة: «إننا مسلمون وطنًا ونصارى دينًا»، معليًا من قيمة العقيدة الوطنية لقد كانت الثورة لاهبة، طاغية، حقيقية، لا تقف لتهادن ولا تنتظر لتناور، وإنما تنطلق بقوة وحدة مستهدفة استقلال الوطن، وضربت مثلًا يحتذى فى اصطفاف الطوائف المختلفة خلف سعد زغلول، حتى إن الزعيم الهندى المهاتما غاندى، قال إنه تعلم كثيرًا من ثورة 1919، ولكنه فشل فى التوحيد بين المسلمين والهندوس، مثلما وحدت ثورة 1919 فى مصر بين المسلمين والأقباط.
وطن واحد
بباوى: لا توجد ديانتان فى مصر بل إنسانية فى وطن موحد
أشار الدكتور اللواء نبيل لوقا بباوي، عضو مجلس الشورى السابق، فى بداية حديثه ل«البوابة»، إلى دراسته للدين الإسلامى بكلية الشرطة عام 1966 «ولكنى حصلت على شهادتى دكتوراه، إحداهما فى الاقتصاد والأخرى فى القانون، وهو بصدد الانتهاء من رسالة دكتوراه جديدة فى الشريعة الإسلامية، أشرف عليها الدكتور محمود زقزوق وزير الأوقاف الأسبق، وعنوانها «حقوق وواجبات غير المسلمين فى المجتمع الإسلامي»، وكان أشهر مؤلفاتى كتاب «محمد الرسول وادعاءات المفترين»، وكان كتابى «الإرهاب ليس صناعة إسلامية، وزوجات الرسول والحقيقة والافتراء فى سيرتهن». وقال بباوى «لا صحة لوجود ديانتين فى مصر بل يوجد إنسانية فى وطن موحد، وخير دليل أننى كنت أول من رشحه مجمع البحوث الإسلامية لجائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية، تقديرا لكتاباتى التى أنصف فيها الإسلام، وفندت فيها آراء المستشرقين الذين دأبوا على الهجوم والافتراء على الإسلام، وهى أول مرة يرشح فيها مجمع البحوث شخصية مسيحية منذ إنشائه وكنت أنا»؛ ولفت إلى أن ثورة 1919 كانت بمثابة درس خالد فى القومية المصرية، لا فروق بين أهل مصر بسبب الدين والمعتقد «كان التجلى الأعظم لذلك خلال الثورة العظيمة، وهو تجلٍ يفوق أى مثال تقدمى شهدته ثورات العالم، موضحا انه فى فترة الاحتلال البريطانى، حاولوا إقناع مسيحيى مصر أنهم أقلية، ويجب عليهم إعلان مخاوفهم كأقلية مصرية، ولكنهم رفضوا، كما انتشر فى تلك الفترة عائلات فى صعيد مصر، كانت معروفة بدورها فى مقاومة الاحتلال، مثل عائلة «عبدالنور» فى جرجا، التى ساعدت أحمد عرابى، والشقيقين ميخائيل وحنا إثناسيوس، فى محافظة المنيا، اللذين ساعدا المقاومة المصرية فى جمع التبرعات، موضحا أن كلمة قبطى، تعنى مصرى، سواء كان هذا القبطى مسلمًا أو مسيحيًا، لأنها كلمة قديمة كانت تدل على عموم المصريين فى فترة تاريخية معينة، بالإضافة إلى أن اللغة المتداولة فى مصر كانت قديمًا هى اللغة القبطية، ومصر عاشت ظروفًا مختلفة تضامن فيها المسلمون والمسيحيون، ولكن قمة الحركة الوطنية تجسدت فى ثورة 1919، كانت ثورة شعبية قلبًا وقالبًا، حيث تشارك فيها الجميع، الفلاح والعامل والموظف، المرأة والرجل، المسلم والمسيحى، ومن هنا تجلت الحركة المصرية».
ومن المواقف الدالة على الترابط بين المسلمين والمسيحيين فى مصر، أن الاحتلال البريطانى، قام بعمل خديعة جديدة للإيقاع بينهما، وهى تعيين يوسف وهبة، رئيسًا للوزراء، بعدما قام محمد سعيد رئيس الوزراء وقتها بتقديم استقالته، اعتراضًا على أفعال الاحتلال البريطانى، وكان وهبة وزيرًا للمالية فى تلك الوزارة، كما كان مواليا للاحتلال البريطانى، وكانت مفاجأة الاحتلال أن مسيحيى مصر قبل مسلميها رفضوا ذلك القرار، وعارضوا يوسف وهبة بشدة، وهذا أدى إلى قصر فترة توليه رئاسة الوزارة، حيث تسلمها فى نهاية شهر نوفمبر، وتركها فى منتصف مايو، وعن حرية الرأى والتعبير وقتها كان هناك جريدة عام 1919 اسمها «الوطن»، وكانت جريدة قبطية، أسست على مبادئ معينة، منها مقاومة ورفض الاحتلال البريطانى لمصر، وتغيير الصورة السائدة التى حاول النظام تصديرها، وهى أن مسيحيى مصر يقاومون الاحتلال البريطانى فقط خوفًا من المسلمين، حيث تبنت تلك الجريدة مذهبًا ثوريًا قويًا.
وأوضح بباوى أن كل الأعمال السينمائية التى تجسد تلك الفترة التاريخية، لا تتجاوز مشهد القساوسة الذين يخطبون على منابر المساجد، والمشايخ يخطبون فى مذابح الكنائس، حيث كانت أحد الأدلة الدامغة على عدم التفرقة بين أشقاء الأمة، وكانت لدى القمص مرقص وقتها عبارة شهيرة «إن مصر وطن بجناحين هما الهلال والصليب»، ولكن بقلب واحد وهو مصر، وإذا كان الإنجليز يتمسكون ببقائهم فى مصر، بحجة الدفاع عن المسيحيين فنحن لا نريدهم ولا نحتاج دفاعهم عنا وهذا ما أكده أيضًا، الزعيم سعد زغلول، حيث قال: «رصاص الاحتلال عند ضرب المصريين، لا يفرق بين مسلم ومسيحي».
وكانت المحاولة الأخيرة للاحتلال البريطانى، زعمهم بأن مسيحيى مصر يتولون دائمًا المناصب الإدارية الأقل، وهنا رد شنودة حنا، وكيل اللجنة المركزية بحزب الوفد، أنه ليس هناك فرق بين مسلم ومسيحى فى مصر، ورد أيضًا القيادى وليام مكرم عبيد، قائلًا: «خذوا منا المناصب واتركوا لنا الوطن»، ويضيف بعد نضال طويل من أجل الحرية، جاء تصريح 28 فبراير 1922، الذى يعلن لمصر استقلالها، وإنهاء الحماية البريطانية على مصر، مع 4 تحفظات منها مبرر للتدخل فى الشأن المصرى من أجل حماية الأقليات فى مصر، وعندما أثبتت تلك الحجة فشلها، كانت محاولتهم الجديدة، وهى تحديد نسبة فى المجالس النيابية للمسيحيين، المصريون رفضوا مسلمين ومسيحيين، وجود جماعات إسلامية ومسيحية فى المجالس النيابية.
ويواصل بباوى «أما عن نفى سعد زغلول ورفاقه لجزيرة سيشل، فإن رفاقه كانوا 6، منهم 4 مسيحيين، أى أن الابتلاء كان واحدًا ومواجهة الاحتلال واحدة، حتى إن اللورد كرومر، ذكر بنفسه فى كتابه «مصر الحديثة»: ليس هناك فرق بين المسلم والمسيحى فى مصر سوى فى مكان الصلاة، هذا يصلى فى الجامع، وهذا يصلى فى الكنيسة، لأن كل الحروب التى شهدتها مصر، الجنود كانوا يقفون بجوار بعضهم البعض على الجبهة، مسلمين ومسيحيين، الموت لا يفرق بينهما، لحظات الانتصار والهزيمة واحدة، خاصة دور مسيحيى مصر فى حرب 1973 لا يمكن تجاهله، وما يغيب عن كثير من الناس، أن فكرة خراطيم المياه، فى تحطيم خط بارليف، ترجع للضابط المصرى المسيحى باقى يوسف زكى»، ويتابع «لا يزال أبناء مصر المسيحيون لهم العديد من الأدوار التاريخية، ومنهم أستاذنا الكبير، الدكتور يونان لبيب رزق، أستاذ تاريخ مصر الحديث، الذى كان ضمن لجنة تحكيم طابا»، ويختم حديثه بقوله: «التاريخ فيه العبرة والعظة، وعلى مر التاريخ الاحتلال يوقع بين أبناء الوطن الواحد، مستغلًا الجهل والفقر، وتأجج العنصرية، وما شهدته البلاد فى المنطقة العربية، كان للإيقاع بين الطوائف والعقائد المختلفة، واستغلال ذلك لتدمير المنطقة، ولذلك يجب على الجميع أن يعوا هذا الدرس جيدًا».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.