عاش الشعب المصري منذ ما يزيد عن ألف وأربعمائة سنة في تآخى وحب بالرغم من بعض الحوادث التي وقعت بين ضلعي الشعب مسلمين ومسيحيين، والتي لم تؤثر في نسيج الشعب بجميع فئاته وطوائفه بتآلفه وتآخيه حيث عاش المسلمون والمسيحيون جنبا إلي جنب في مواجهة الغزاة والمحتلين الذين حاولوا احتلال مصر علي مر العصور .وبالرغم من محاولات المحتلين في العصور القديمة زرع الفتن بين مسلمي مصر ومسيحييها إلا أن لكل عصر كنا نري رجالا واعين مدركين لخطورة إثارة الفتن الطائفية بين المصريين ، فكان القس يقف إلي جنب الشيخ ليخرجا إلي الشارع ويلتف حولهم الشباب مؤكدين علي مدي التآخي بين المصريين ، ووقوفهم جنبا إلي جنب في مواجهة المحتل المعتدي .وقد تجلت أعظم صور الوحدة الشعبية بين مسلمي مصر ومسيحييها أثناء الثورة الشعبية الأولي في العصر الحديث ، والتي قامت في عام 1919 م والتي قادها سعد باشا زغلول وعدد من قيادات الشعب المصري ، حيث ظهر وقتها ولأول مره شعار الهلال مع الصليب ، والذي هتف به الشعب كله بشبابه وشيوخه .. رجاله ونساءه ليعلموا العالم كله كيف يكون التعايش بين شعب واحد يعيش علي أرض واحده منذ مئات السنين .وفي ثورة 25 يناير المجيدة عادت صورة الوحدة الوطنية لتظهر في صورة من أعظم صورها والتي كنا قد قاربنا علي نسيانها ، حيث وجدنا شابا ً مسلماً يتوضأ ليصلي بينما يقف شاب مسيحي ليصب له الماء ليتوضأ .. وتكرر المشهد نفسه عشرات المرات عندما وجدنا فتاة تصب الماء للشيخ المسلم ليتوضأ ، بينما وقف المسلمون جميعا في ميدان التحرير إلي جانب الإخوة المسيحيين في صلاتهم ، في القداس الذي أقاموه في الميدان في مشهد مصري رائع لم يحدث في أي مكان آخر في العالم .انتهت الثورة وسقط النظام ورحل الفاسدون وتجرى حالية محاكمة كبار مسئولي نظام الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك وعلي رأسهم الرئيس نفسه وحرمه ونجليه ، وبدأ فلول النظام السابق يقودون الثورة المضادة لإتلاف نجاحات الثورة الشعبية ، وعندما أدرك من يقودون الثورة أن محاولات إعادة النظام السابق والضحك علي الشعب لن تجدي قاموا بمحاولة إثارة الفتن الطائفية ، وهو ما يصرون عليه هذه الأيام .حيث يقوم المستفيدون من إشعال وتذكية روح الفتنة الطائفية بضرب أماكن خاصة بالإخوة المسيحيين وغالبا ما تكون دورا للعبادة لمدي علمهم أن هذا سيكون أكثر ما يستفز مشاعر الأقباط في مصر ، والذين بدورهم يعتبرون ذلك استضعافاً لهم ويسعون للرد علي من تهجموا علي دور العبادة والكنائس التي يتعبدون فيها ، ومن هنا تبدأ المشاحنات والقتال المتبادل .وفي ظل هذه الأحداث والفتن الطائفية نري الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف يقود حملة بيت العائلة المصرية بالاشتراك مع الشيخ علي جمعة مفتي الجمهورية وعدد من قيادات الكنيسة ليؤكدوا علي روح الوحدة الوطنية بين المصريين ، وقد جاءت مبادرة بيت العائلة عقب أحداث التفجيرات التي وقعت في كنيسة الإسكندرية مطلع العام الجاري والتي يتهم فيها حبيب العادلي وزير الداخلية الأسبق والموجود حاليا بسجن طره ، ثم جاءت كارثة هدم كنيسة أطفيح بحلوان والتي ظهرت فيها المسيرات الشعبية لدعم الوحدة الوطنية حتى انتهت الأزمة .وجاءت أحداث فتنة إمبابة والتي كانت أشد الخلافات والصدامات بين المسلمين والأقباط حيث مات علي إثرها 15 مصري وأصيب ما يقرب من مائتي مصري آخرين ، ونري الآن تحركات مكثفة من جانب بيت العائلة بقيادة شيخ الأزهر ومفتي الجمهورية والقيادات الكنسية لدرء هذه الفتنة التي اعتصم علي إثرها الأقباط أمام مبني الإذاعة والتلفزيون بكورنيش النيل ، وجاءت معها عشرات المسيرات الشعبية من مسلمين ومسيحيين للتأكيد علي وحدة الشعب المصري .. فهل سينجح بيت العائلة والمسيرات الشعبية المستمرة في درء الفتنة الطائفية أم ينجح فلول النظام السابق في تحقيق ما يبغونه ؟ .. هذا ما ستجيب عنه الأيام القادمة .