بدء تقديم كلية الشرطة 2025 اليوم «أون لاين» (تفاصيل)    اليوم، الهيئة الوطنية للانتخابات تعقد مؤتمرا صحفيا لإعلان الاستعداد لانتخابات الشيوخ    هبوط كبير في عيار 21 الآن.. مفاجأة في أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة    إسرائيل تهدد حماس بإجراء مرعب في غزة حال فشل التوصل إلى اتفاق    «محاولة خبيثة».. أول رد إيراني على العقوبات الأمريكية الجديدة بشأن سفن النفط والطاقة    «مصرُ» و«غزة»... التاريخُ يشهدُ بما يُغنينا عن الكلام    مديرة الاستخبارات الأمريكية تتوعد المتورطين بفبركة تقارير التدخل الروسي المزعوم    زلزال جديد يضرب جزيرة روسية بقوة الآن    الكابينت الإسرائيلي يناقش ضم مناطق في غزة حال عدم التوصل إلى اتفاق مع حماس    حرمه منها كلوب وسلوت ينصفه، ليفربول يستعد لتحقيق حلم محمد صلاح    موعد مباراة الأهلي الأولى في الدوري المصري    سائق نيسان «أوليفر رولاند» يتوج ببطولة العالم للفورمولا e في إنجلترا    اللقطات الأولى لخروج قطار عن القضبان واصطدامه برصيف محطة السنطة في الغربية (فيديو)    أمطار وانخفاض درجات الحرارة.. بيان هام من الأرصاد يكشف طقس الساعات المقبلة    توقعات الأبراج وحظك اليوم الخميس.. طاقة إيجابية في انتظار هذا البرج    هشام عباس بذكريات "التسعينيات" وفريق وسط البلد ب"تكتيك مبتكر" يشعلان حفل الصيف بالإسكندرية (فيديو)    أقوى رد على شائعة طلاقهما، رامي رضوان يفاجئ دنيا سمير غانم بعرض "روكي الغلابة" (فيديو وصور)    الأحكام والحدود وتفاعلها سياسيًا (2)    احذروها في الصيف.. 7 مشروبات باردة تهدد حياة مرضى الكلى    الدفاع الروسية: اعتراض 13 مسيرة أوكرانية فوق مقاطعتي روستوف وبيلجورود    "بعد يومين من انضمامه".. لاعب الزمالك الجديد يتعرض للإصابة خلال مران الفريق    بسبب خلافات الجيرة في سوهاج.. مصرع شخصين بين أبناء العمومة    اتحاد الدواجن يكشف سبب انخفاض الأسعار خلال الساعات الأخيرة    نقيب السينمائيين: لطفي لبيب أحد رموز العمل الفني والوطني.. ورحيله خسارة كبيرة    رامي رضوان ودنيا سمير غانم وابنتهما كايلا يتألقون بالعرض الخاص ل «روكي الغلابة»    حنان مطاوع تنعى لطفي لبيب: "مع السلامة يا ألطف خلق الله"    بالأسماء| ننشر حركة تنقلات وترقيات قيادات وضباط أمن القاهرة    بمحيط مديرية التربية والتعليم.. مدير أمن سوهاج يقود حملة مرورية    مذكرات رجل الأعمال محمد منصور تظهر بعد عامين من صدور النسخة الإنجليزية    من بيتك في دقائق.. طريقة استخراج جواز سفر مستعجل (الرسوم والأوراق المطلوبة)    سعر التفاح والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 31 يوليو 2025    أول تصريحات ل اللواء محمد حامد هشام مدير أمن قنا الجديد    المهرجان القومي للمسرح المصري يعلن إلغاء ندوة الفنان محيي إسماعيل لعدم التزامه بالموعد المحدد    «الصفقات مبتعملش كشف طبي».. طبيب الزمالك السابق يكشف أسرارًا نارية بعد رحيله    إيرادات أزور تتجاوز 75 مليار دولار ومايكروسوفت تحقق أرباحا قياسية رغم تسريح الآلاف    يعشقون الراحة والسرير ملاذهم المقدس.. 4 أبراج «بيحبوا النوم زيادة عن اللزوم»    التوأم يشترط وديات من العيار الثقيل لمنتخب مصر قبل مواجهتي إثيوبيا وبوركينا فاسو    ختام منافسات اليوم الأول بالبطولة الأفريقية للبوتشيا المؤهلة لكأس العالم 2026    في حفل زفاف بقنا.. طلق ناري يصيب طالبة    مصرع شاب وإصابة 4 في تصادم سيارة وتروسيكل بالمنيا    التنسيقية تعقد صالونًا نقاشيًا حول أغلبية التأثير بالفصل التشريعي الأول بالشيوخ    إغلاق جزئى لمزرعة سمكية مخالفة بقرية أم مشاق بالقصاصين فى الإسماعيلية    نشرة التوك شو| انخفاض سعر الصرف.. والغرف التجارية تكشف موعد مبادرة خفض الأسعار..    بعد 20 سنة غيبوبة.. والد الأمير النائم يكشف تفاصيل لأول مرة (فيديو)    هل يعاني الجفالي من إصابة مزمنة؟.. طبيب الزمالك السابق يجيب    مدير تعليم القاهرة تتفقد أعمال الإنشاء والصيانة بمدارس المقطم وتؤكد الالتزام بالجدول الزمني    القبض على 3 شباب بتهمة الاعتداء على آخر وهتك عرضه بالفيوم    شادى سرور ل"ستوديو إكسترا": بدأت الإخراج بالصدفة فى "حقوق عين شمس"    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الخميس 31 يوليو 2025    هل تتأثر مصر بزلزال روسيا العنيف، البحوث الفلكية تحسمها وتوجه رسالة إلى المواطنين    حدث ليلًا| مصر تسقط أطنانا من المساعدات على غزة وتوضيح حكومي بشأن الآثار المنهوبة    تنسيق المرحلة الأولى 2025.. لماذا يجب على الطلاب تسجيل 75 رغبة؟    حياة كريمة.. الكشف على 817 مواطنا بقافلة طبية بالتل الكبير بالإسماعيلية    أسباب عين السمكة وأعراضها وطرق التخلص منها    ما حكم الخمر إذا تحولت إلى خل؟.. أمين الفتوى يوضح    الورداني: الشائعة اختراع شيطاني وتعد من أمهات الكبائر التي تهدد استقرار الأوطان    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر: المهم التحصن لا معرفة من قام به    ما المقصود ببيع المال بالمال؟.. أمين الفتوى يُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



غزة وعلاقة عمرها 1500 عام
نشر في أخبار مصر يوم 25 - 10 - 2007

تناولت الجريدة تاريخ مدينة غزة من خلل العلاقة التاريخية بين المواطنين المسلمين والمسيحيين فى مدينة غزة والتي ترجع لآلاف السنين في أعرق مدن العالم
لا يتذكر أبو السعيد بائع الأجهزة الكهربائية في حي الرمال وسط مدينة غزة أن جاره منذ ثلاثين عاما
الملقب بأبي حنا تاجر مواد غذائية، مسيحي الديانة، إلا في الأعياد والمناسبات الدينية، وهو ما يؤكده
الأخير قائلا انه يقوم في كل عيد بتقديم تهانيه لأبي السعيد فيما يتعاملان طوال العام مع بعضهما
ويتسامران أمام الدكان ثم يذهبان كل واحد منهما للصلاة في أوقاتها، فأبو حنا يذهب للكنيسة، أما أبو
السعيد فيتجه للمسجد، في «المدينة المؤمنة» التي يعود تاريخها الى أكثر من 3 آلاف عام قبل
الميلاد وشهدت بناء أول دير قبل اكثر من 1500 عام.
وعرضت جريدة الشرق الاوسط معاناة اهالي غزة تحت حكم حركة حماس التي وضعتها االولايات المتحدة الامريكية علي لائحة الارهاب وقالت : ان العلاقة الحميمة بين أبو السعيد وأبو حنا نموذج عادي لعلاقة طبيعية بين المواطنين بغزة المسلمين والمسيحيين، حيث يعيش حوالي 3 آلاف فلسطيني مسيحي وسط مليون ونصف المليون مسلم علىمساحة ضيقة من الأرض لا تتجاوز 360 كيلومترا مربعا، باتت تتحكم في رقابهم منذ أربعة أشهر حكومة تتبع حركة إسلامية تم وضعها أميركيا على لائحة الإرهاب الدولي، وهى صورة سرعان ما لجأت العديد من وسائل الإعلام الغربية إلى استغلالها سياسيا بعد ساعات قليلة من وقوع جريمة قتل مطلع أكتوبر الجاري راح ضحيتها المواطن المسيحي رامي عياد.
الجريمة لم تتضح خلفيتها ودوافعها وأسبابها، وهذا ما دفع حركة حماس للقول بأن هذه الجريمة هي
محاولة لوصم حركة المقاومة الإسلامية حماس «بتهمة اضطهاد الأديان»! الأمر الذي دفع رئيس
الحكومة المقالة إسماعيل هنية ليأمر بتشكيل لجنة تحقيق عاجلة لمتابعة القضية، قائلا: «نحن جميعا
جزء من شعب واحد نعاني معا ونخوض معا نضالا واحدا من أجل الحرية والاستقلال واستعادة
الحقوق الوطنية الثابتة، ولن نسمح لأي جهة كانت بالعبث في هذه العلاقة التاريخية».
وبذات الوقت سارع قادة حماس ووزراؤها إلى زيارة رجال الدين المسيحيين وتهدئة خواطرهم
وتقديم ما يلزم من حماية لجمعياتهم ومؤسساتهم، وترميم أضرار في مؤسسات مسيحية تعرضت
للتخريب والحرق أثناء أحداث السيطرة على القطاع قبل شهور بغزة. وعلى الرغم من محاولات
السياسيين ومعهم بعض الكتاب ووسائل الإعلام سبر غور الجريمة وخلفياتها بالتحليل والإدانة
والتوقعات وإشهار الخوف من المس بالعلاقة الحميمة بين المواطنين المسيحيين والمسلمين في غزة
إلا أن تلك الجريمة لم تحتل حيزا يذكر في سمر ودردشات أبو السعيد وأبو حنا، إذ يتهم الأخير «
السياسة» ومن وصفهم ب«ممتهنيها وانتهازييها» بتضخيم حادثة القتل ومحاولة حرفها عن كونها
جريمة قتل عادية قد تطال مسلما أو مسيحيا، ويقول «إن الجريمة حتى ولو تمت كما يقول البعض
على خلفية دينية فإنها لا تتعدى كونها جريمة فردية مدانة وليست ظاهرة تستحق دق طبول ومزامير
الفتنة، خاصة ان غزة تشهد ومنذ أشهر طويلة جرائم قتل لأتفه الأسباب راح ضحيتها مئات
الفلسطينيين». لكن هذا لا يعني غض الطرف عن أن جرائم القتل التي يكون ضحاياها من المواطنين
المسيحيين التي قد تصبح مادة للابتزاز السياسي تمارسها منظمات وقوى عالمية ودولية على دول
عربية، كان آخرها وأبرزها ما تعرضت له جمهورية مصر العربية جارة قطاع غزة ومنفذها الوحيد
من حملات دعائية منظمة لتخريب النسيج الاجتماعي والروابط الوطنية بين أبناء الشعب الواحد.
فأبو حنا يستذكر جريمة قتل سابقة راح ضحيتها مواطن فلسطيني يعتنق الديانة المسيحية إبان
الانتفاضة الأولى عام 1987 ويتذكر أيضا: انه بعد سويعات قليلة من جريمة القتل تلك زعمت وسائل
الإعلام الإسرائيلية أن قتله كان على خلفية دينية! ولكن بعد مضي أيام معدودة تبين أن الجريمة
وقعت على خلفية نزاع على قطعة ارض.
منذ سيطرة حركة حماس عسكريا على السلطة في قطاع غزة سارع قادتها إلى طمأنة المسيحيين
على أرواحهم وممتلكاتهم وحرية عبادتهم، وبنفس الوقت يحاول ه مسيحيو غزة الحفاظ على علاقات
جيدة مع جميع الفصائل الفلسطينية وعدم الزج بأنفسهم في الصراعات الداخلية. لكن علاقات مميزة
تربط الرئيس محمود عباس وحركة فتح مع المسيحيين الفلسطينيين. إذ تجسم هذا الحرص الدائم في
متانة النسيج الوطني الفلسطيني وتماسكه، وساهم في نجاح الطرفين بتجاوز آثار اعتداءات سابقة
طالت مؤسسات مسيحية بغزة بعد انقلاب حماس العسكري على سلطة الرئيس محمود عباس، حين
قام مجهولون بتفجير مدخل جمعية الكتاب المقدس ونهب وإحراق دير للمسيحيين يقع في مدرسة
الراهبات الوردية بالمدينة.
حرص المسيحيون والمسلمون في غزة على النأي بالدين عن الخلافات والمشاحنات الدموية التي
يشهدها قطاع غزة، ومرجع ذلك رغبتهم المشتركة في تجاوز كل ما شأنه تعكير صفو علاقاتهم
الوطيدة واستمرار وحدتهم وتماسكهم، وهذا ليس لإدراكهم بالمصير المشترك في مواجهة احتلال
وحصار وبطش اسرائيلى لا يميز بين فلسطيني وآخر وحسب، بل لأن العلاقة التاريخية بين
المواطنين المسلمين والمسيحيين هي نتاج طبيعي لمدينة ساحلية احتضنت الديانتين منذ آلاف السنين
في مدينة سميت غزة هي أعرق مدن العالم التي أنشأها الكنعانيون في الألف الثالثة قبل الميلاد. أول
دير بالبلاد المقدسة:
هذه المدينة سميت «المدينة المتلألئة» و«المدينة المتدينة» وذلك قبل عدة قرون من ميلاد المسيح عليه السلام، وحافظ سكانها الأصليون على مكانتها وموقعها الاستراتيجي بين قارتي آسيا وأفريقيا، وعلى الطريق الرئيسي «فياماريس»-Viamaris- طريق البحر وطريق حورس الذي يربط بين مصر وفلسطين والجزيرة العربية وجنوب شرق آسيا، وعبر البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا.. لذا فقد حازت على صفة «سيدة البخور».
فسكانها الأصليون هم النواة التي نشأت عليها المسيحية في المدينة وما حولها، وحافظوا على
انتمائهم العربي طيلة الفترة الكنعانية إلى ما بعد قدوم «الباليستينيين» في القرن الثالث عشر قبل
الميلاد إلى أن أعادها العرب الأنباط إلى حاضرتهم سنة 150ق.م.
ازدادت نسبة العرب بالإضافة إلى الأنباط والآدوميين على ارض تلك المدينة بعد دخول قبائل الغساسنة لتشهد بعدها التركيبة السكانية تغيرا ملحوظا، خاصة ان أفراد الأخيرة الذين انتشروا في القرنيين الخامس والسادس شرق الأردن وفلسطين اعتنقوا الديانة المسيحية وساهموا بنشر رسالتها.
ومن الحقائق التاريخية التي يجمع عليها المؤرخون أن غزة أو المدينة المؤمنة تضم في أكنافها أول
دير تم بناؤه في فلسطين التاريخية سنة 329 ميلادية على يد القديس هيلاريون المولود في خربة أم
التوت الواقعة إلى الجنوب من وادي غزة. كما وفرت مدينة غزة استراحة للسيدة مريم العذراء مع
طفلها عيسى عليه السلام في طريق الهجرة إلى مصر بعد أن اصدر الحاكم الروماني هيرودس أمرا
بقتل جميع المواليد الجدد من الذكور حيث استجابت العائلة لوحي الرب كما جاء في «الإنجيل»
وسلكت أثناء عودتها طريق البحر Viamaris لتمر بمدينة غزة وتتخذ عليها من ظل شجرة جميز
مشهورة استراحة لها مع طفلها عيسى المسيح عليه السلام.
ويقدم المؤرخ سليم عرفات المبيض في كتابه «النصرانية وآثارها في غزة وما حولها» مجموعة
كبيرة من الأساقفة المسيحيين المؤمنين منهم الأسقف سلوانس في العام 285 م الذي استشهد مع
تسعة وعشرين مسيحيا في عهد الملك غلاريونس الوثني الذي أحرق بعضهم ورمى الآخرين
للوحوش الضارية.
وتحتضن غزة ثالث أقدم كنيسة في فلسطين بعد كنيستي المهد والقيامة وهى كنيسة القديس
برفيريوس وبنيت في القرن الرابع الميلادي وتمتد على مساحة على مساحة 216 مترا مربعا
وتجاور تماما جامع كاتب ولايات في حي الزيتون وبنيت في القرن الرابع الميلادي وتضم في جنباتها
قبر القديس برفيريوس الذي توفي عن 73 عاما في الكنيسة.
وساهم أهل غزة من المسيحيين عبر التاريخ فى شهرة المدينة فى الشرق والغرب، كما ساهموا فى
صنع حضارتها وثقافتها الفلسطينية عبر العصور وكان من بينهم الشاعر الغزي «انيوس»
والفيلسوف «بيرقوبيوس»، وقيل أن كثيرا من طلاب أثينا قد تركوها متجهين إلى غزة طلبا للعلم
والمعرفة، في حين لجأت بلاد فارس إلى استعارة أساتذة معاهد غزة و علمائها.
ومن تقسيم المدن الست التي شهدت تطور الفكر المسيحي نرى أن غزة قد أخذت مكانتها إلى جانب
المدارس المؤسسة لنهضة الفكر المسيحي وهي: أثينا، الإسكندرية، القسطنطينية، أنطاكيا، وبيروت.
فبينما عنيت أثينا بالأدب والفلسفة.. عنيت الإسكندرية وغزة بالعلوم.. كما أصبحت مركزاً فكريا وذات
شهرة واسعة بالبلاغة والشعر.
يبلغ تعداد فلسطينيو غزة من المسيحيين ثلاثة آلاف نسمة يعيش معظمهم داخل المدينة وخاصة حول
كنائسها الرئيسية الثلاث وهي كنيسة القديس بيرفيويوس وكنيسة اللاتين في حي الزيتون والكنيسة
الإنجيلية والتي تقع بجوار المجلس التشريعي وقبالة النصب التذكاري للجندي المجهول وسط غزة.
وهم يمارسون شعائرهم الدينية بحرية كاملة ويتبعون كنائس مسيحية كسائر المسيحيين في العالم،
فمنهم من يتبع الكنيسة الأرثوذكسية العربية، وآخرون يتبعون الكنيسة الكاثوليكية (اللاتينية).. ومنهم
من يتبع الكنيسة الإنجيلية، ويمارسون جميعهم طقوسهم الدينية في الأيام المقدسة والأعياد وفقاً
للتقويمات التي تتبعها الكنائس، وهي عيد الفصح، عيد الميلاد، عيد الصليب، ذكرى العذراء، ذكرى
القديسة بربارا، أحد الشعانين، وعيد القديس برفيريوس.
ويحظى الموظفون منهم في الدوائر الحكومية والخاصة بإجازة رسمية أسبوعية كل يوم احد
يخصصه بعضهم للصلاة الجماعية في الكنائس. ويسمح للفلسطيني المسيحي وفقا لوثيقة إعلان
الاستقلال والنظام الأساسي الفلسطيني وكافة النظم السائدة في فلسطين، العمل في شتى الوظائف
الحكومية منها والأهلية، ويتمتعون بكامل الحقوق والواجبات التي يتمتع بها الفلسطيني المسلم،
وخصصت للمواطنين المسيحيين عدة مقاعد في المجلس التشريعي الفلسطيني حسب نظام الكوتا في
الدوائر التي فيها نسبة المواطنين المسيحيين عالية. ولوحظ ان معظم مسيحيي غزة يهتمون بتحصيل
الدرجات العالية في العلوم المختلفة حيث يعمل 40% منهم في مجالات الطب والتعليم والهندسة
والقانون.
كما تمتلك الكنائس الفلسطينية بمدينة غزة مؤسسات تعليمية وخدماتية متميزة يقبل عليها المواطنون
المسلمون من دون أي تحفظ، ويستفيد منها كل فلسطيني بصرف النظر عن ديانته، ومنها: مدرسة
بطريركية اللاتين التي نشأت فكرتها من خلال التجارب اليومية للأب جليل عواد كاهن الرعية السابق
في المدينة وتأسست في العام 1974 وتتبع هذه المدرسة بطريركية اللاتين التي هي المركز
المسيحي الكاثوليكي في فلسطين وتقدم خدماتها في الإغاثة والصحة والتربية والحياة الاجتماعية منذ
ما يقارب 150 عاما.
ومنها مدرسة العائلة المقدسة التي تضم 1250 طالبا، ومدرسة الروم الأرثوذكس الابتدائية
المختلطة وهي امتداد لمدرسة البطريركية التي تأسست في حي الزيتون منذ حوالي عشرين عاما.
والى جانب المؤسسات التعليمية تمتلك كنائس غزة مؤسسات صحية واغاثية ومهنية مهمة للمجتمع
الغزي وتقدم خدماتها للمسيحيين والمسلمين من دون تمييز، ومنها مؤسسات تتبع مجلس الكنائس
العالمي ومنها جمعية الشبان المسيحية التي تأسست عام 1952 والتي تقدم العديد من الخدمات
الثقافية والتعليمية والاجتماعية، والرياضية.
وتعتمد كنيسة الروم الأرثوذكس والتي ينتمي لها معظم مسيحيو غزة المنهج العربي، ويقول الأب
إلياس عواد راعي كنيسة الروم الأرثوذكس «تعتمد كنيستنا المنهج العربي، فالكنيسة للعبادة ولها
مؤسسات تلبي الاحتياجات التعليمية لكل المجتمع. وبما أن أبناء رعية الكنيسة من العرب فإنها تعتمد
المنهج العربي بكل أعمالها، وبكل صلواتها، وبكل ما يخص الكنيسة، فالفلسطينيون في غزة ذوو
جذور عميقة وعريقة في هذه الأرض الطيبة».
ولمسيحيي غزة وفلسطين آراؤهم في المشروع الصهيوني، ويدركون خطورته على وطنيتهم
وإيمانهم. كما يدركون تأثيرات العقيدة المسيحية في تشكيل الهوية الوطنية الفلسطينية، ولديهم
مواقف معلنة من المصطلحات والصراعات المسماة «لصراع الحضاري».
يقول الأب عواد »الحضارات تتكامل.. ولا تتصارع ذلك لأن التكامل فيه مصلحة الإنسان وللاستفادة
من كل الحضارات المتتابعة»، ويقول أيضا «إن الكنيسة المسيحية في فلسطين كانت وما زالت
وستكون كنيسة وطنية تدافع عن حقوق رعيتها، كنيسة وطنية لا ترغب بالكراهية، لا ترغب
بالعنصرية لا ترغب بالحروب، وهي تشجع المحبة وتشجع السلم وتدافع عن حقوق الناس أجمعين».
ويشير الأب عواد الى نقاط التقاء ثقافي وعقائدي بين مسيحي غزة ويقول: «هناك اختلاف طفيف لا
بد منه، لكن بالمعنى المسيحي في فلسطين، فالمسيحي هو المسيحي المساهم، المسيحي الذي يصنع
السلام والمحبة لشعوب العالم، ومن يختلف من المسيحيين عن هذا المعنى فهو غير مسيحي، وإن
ادعى انه مسيحي، فأعلى مهمة للمسيحي هي صنع السلام.. صنع المحبة وصنع التآخي
والتسامح».
وعن رؤية رجال الكنيسة المسيحيين للمشروع الصهيوني يقول الأب عواد: «نحن كرجال دين
مسيحيين وكوننا فلسطينيين بالدرجة الأولى نعارض المشروع الصهيوني الذي يهدف إلى احتلال
الأرض الفلسطينية، وطرد الفلسطينيين من ديارهم، لأنه يعدم فرصة إقامة دولة فلسطينية ويسلب
الحقوق الفلسطينية». ويضيف قائلا: «نحن مع اليهود المؤيدين للسلام والمؤمنين بحقوق الشعب
الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة واسترجاع أرضه المحتلة، ونحن نؤيد السلام ومع مشروع السلام
الذي تطرحه السلطة الوطنية الفلسطينية بأن نعيش مع الإسرائيليين جنبا إلى جنب بسلام، دولتين
متجاورتين بدون حرب وبدون احتلال».
ولعب آباء الكنائس المسيحية فى غزة دورا مميزا في النضال الوطنى ضد الاحتلال الاسرائيلي إلى
جانب دورهم الروحي والديني، منهم الأب إلياس الرشماوي الذي بقي راعيا للكنيسة منذ عام 1925
وحتى عام 1952، وهو كان من رجالات ثورة ال36 وهو من الثوار القدامى في فلسطين. ومنهم
الأب بنايوت خير الذي تولى رعاية الكنيسة منذ عام 1952 وحتى 1977 والذي تحسب له مواقفه
وتدابيره في الحفاظ على أبناء مدينته وأهله سكان مدينة غزة أجمعين مسلمين ومسيحيين أثناء
الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة عام 1956.
والأب جورج عواد الذي ساهم منذ عام 1977 وحتى 1999 في الانتفاضة الأولى مساهمة طيبة،
ويشهد له بذلك جميع الوطنين بغزة، وله بالغ الأثر في مستوى التآخي المسيحي الإسلامي، وصورته
المشرقة في النضال الوطني بقطاع غزة.
أما القس الدكتور حنا مسعد، راعي الكنيسة المعمدانية بغزة وهي كنيسة مستقلة، وعضو في
المجمع الإنجيلي في بيت لحم، فيقول «ان المسيحيين الفلسطينيين جزء لا يتجزأ من الشعب
والمجتمع الفلسطيني. صحيح أن هويتنا الدينية مسيحية لكننا مواطنون فلسطينيون ولنا دور في
تأسيس الهوية الوطنية والثقافية للفلسطيني».
ويضيف القس مسعد: إن للكنيسة دورا تعكسه من خلال المنهل الأساسي الذي نستمد منه قوة
إيماننا.. فكتابنا المقدس (الإنجيل) عربي اللغة.. وهذا أمر متعارف عليه في كنيستنا المعمدانية. إننا
نعكس محبة الله للإنسان حسب تعاليم الإنجيل». ويضيف «إننا نطمح إلى رؤية دولة ديمقراطية
وعاصمتها القدس تسترجع الحقوق الوطنية، إننا ننبذ الحروب، وندعو إلى المحبة والمسامحة
واحترام الإنسان لأخيه الإنسان والى قيام دولتين تعيشان جنبا إلى جنب باحترام متبادل».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.