لا يختلف اثنان علي ان مصر كانت عبر تاريخها الطويل ومسيرتها الحضارية الممتدة نموذجاً يحتذي في خصوصية العلاقة بين عنصري الامة المسلمين والاقباط ، بل انها كانت مثالاً فريداً لعلاقة فريدة قدمت للعالم بأثره اسمي صور التآخي والتعايش السلمي تحت مظلة وطن واحد لا يفرق بين ابنائه علي اساس طائفي بغيض ، الحياة علي ارضه تتسع للجميع وتتعانق تحت سمائه مآذن المساجد مع اجراس الكنائس في تناغم بديع تفوح منه رائحة المحبة بما يعكس وجه مصر الحضاري العظيم ، فما زالت الذاكرة الوطنية المصرية تتذكر دائماً ولن تنسي ابداً مواقف وطنية مشرفة واصيلة عكست علي نحو صادق صلابة الوحدة الوطنية ومدي شدة النسيج الوطني المصري وتماسكه، فحينما رفضت بريطانيا استقلال مصر متزرعة بحماية الاقلية القبطية جاء رد الكنيسة المصرية حاسماً وقاطعاً مبرزاً الدور الوطني النبيل لأقباط مصر بقوله" اذا كان الانجليز يتحججون ببقائهم في مصر بحماية الاقباط فليمت الاقباط وتبقي مصر حرة مستقلة". وليس ادل علي عمق الوحدة الوطنية بين ابناء العائلة المصرية من تلك المقولة التي اطلقها اللورد كرومر المعتمد البريطاني في زمن الاحتلال قائلاً" ان الفرق بين المسلم والمسيحي في مصر ان الاول يتعبد في المسجد والثاني يتعبد في الكنيسة ". وعقب اندلاع شرارة 1919 وقف المصريون جميعاً علي قلب رجل واحد بمشاعر وطنية واحدة ، فالهلال بجانب الصليب والجميع يردد بصوت واحد عاشت مصر حرة مستقلة.. وحينما تدفقت دماء المصريين انهاراً فوق رمال سيناء لم تكن هناك دماء مسلمة ودماء مسيحية ، ولكن كانت هناك دماء مصرية خالصة امتزجت في ملحمة عشق وطنية كبيرة وعظيمة ولم تفرق النيران الاسرائيلية انذاك بين صدر المسلم وصدر المسيحي . اننا الان في حاجة ماسة الي اعادة قراءة تلك السطور المضيئة من تاريخ مصر واستحضار تلك الصفحات المشرقة كي نقطع الطريق امام حملة لواء التعصب والتطرف الذين يرغبون في بث الفرقة وشق الصف ، قاصدين بجهل وسوء نية الدفع بالوطن في اتجاه هو الاخطر علي الاطلاق ، ذلك ان سكب زيت التطرف علي نار التعصب سيشعل حريقاً طائفياً لا يبقي ولا يذر، وسيعود بالمجتمع الي عصور الجاهلية والظلام . ان عقلاء هذا الوطن وحكمائه والمخلصين من ابنائه من اعلام الفكر وحملة الاقلام ودعاة التنوير مدعوون لتحمل مسؤلية كبري في وأد الفتنة والتصدي لنواذع الطائفية ، وتعزيز قيم الاعتدال والوسطية ونبذ التعصب الاعمي والتطرف الاحمق . ان الوحدة الوطنية ليست الفاظاً تقال او شعاراً يرفع ولكن ينبغي ان تكون حقيقة وفلسفة قائمة علي مبدأ التسامح وقبول الاخر ، وليعلم الجميع ان ثقافة العيش المشترك ينبغي ان تسود بيننا وعلي المسلمين مع ان المسيحين هم جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني المصري ، وان يعلم المسيحيون ان المسلمين اخوة لهم يجمعهم هَم وطني واحد ، وبينهم قواسم مشتركة عديدة ، فقد عاش جنباً الي جنب وتقاسما الامال والآلام معاً..حملتهم ارض واحدة واظلتهم سماء واحدة. ان مصر مهد الحضارة والتسامح لن تقف حفنة جاهلة ومتعصبة في وجه تقدمها وتماسكها، وان شعب مصر العظيم سيتصدي بكل طوائفه لكل محاولات الفرقة والفتنة منطلقاً بوطنه الي اعلي افاق الازدهار . واقول لهؤلاء الذين يتأمرون في الخفاء محاولين ضرب وحدتنا الوطنية لن تفلحوا في بث سمومكم في عروق هذا الشعب العظيم ، فوحدتنا الوطنية راسخة كالجبال لا تهزها الرياح ولا تنحني امام الاعاصير .