في زماننا هذا هناك من يحب النبي حبًا صادقًا، ويعرف قدره ومكانته، وهناك من يؤمن به؛ ولكن حبه ليس على قدر عظمة وجلال النبي، ولكن الإيمان لا يكتمل إلا بمحبته "صلى الله عليه وسلم" أكثر من النفس والمال والولد، وعن زهرة بن معبد، عن جده قال: (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: وَاللهِ لَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا نَفْسِي، فَقَالَ النَّبِيُّ "صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ": (لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ"التي بين جنبيه). واختاره الله للشفاعة العظمى، وصاحب الحوض، وأعطاه الله نهر الكوثر، ورفع ذكره، فقال تعالى: (ورفعنا لك ذكرك)، ومن هنا عرفه الفلاسفة فقالوا عنه الكثير والكثير، بل قرأ عنه المستشرقون وعرفوا من هو النبي الكريم صاحب آخر الرسالات السماوية. ويقول الدكتور أسامة فخري الجندي من علماء الأزهر الشريف، إن الناس اليوم حينما يقرأون سيرة النبي "صلى الله عليه وسلم"، لا يستحضرون إلا جانبًا واحدًا فقط في سيرته "صلى الله عليه وسلم"، فلا يستحضرون إلا العبادة والاجتهاد في الطاعة والزهد والورع، والشعائر، وأنه لا يرد على ذهنه سوى الجانب التعبدي وفقط، وهذا في الحقيقة يعد اختزالًا واختصارًا للسيرة النبوية، بل ويعد إهدارًا لجزء عظيم وكبير من مواريث النبوة؛ وذلك لأن السيرة النبوية ليست عبادة وفقط، بل بجوار ذلك هناك التصرفات النبوية في بناء شخصية كل إنسان منا، في تهذيب النفوس وترشيد السلوك، في عمارة الأرض وتنمية الحرف والمهن والصنائع.. وغير ذلك. إن الزمن بما يحتويه من أفكار ومبادئ يسير ولا يعود، ومهما وضعت من قوانين فإنها تتغيّر وتتبدل بما يتناسب مع زمانها ومكانها وأحوال الناس عندها، غير أننا أمام أفكار ومبادئ وقوانين تظل باقية وخالدة وصالحة لكل زمان ومكان، وكذلك أمام قوانين لا تهتم بجانب دون جانب، وإنما هي قوانين كلية تشمل الدين والدنيا؛ لأن صاحبها هو رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، وهذه السيرة لنبينا "صلى الله عليه وسلم"، قد أثَّرت في كثير من كبار العقليات الغربية من أهل الإنصاف، مما جعلهم يصدعون بالحق ويشهدون بنبينا "صلى الله عليه وسلم "ويؤمنون برسالته بالتصريح والتلميح، ولم يملكوا إلا أن يقفوا إجلالًا ووقارًا للرسول "صلى الله عليه وسلم" ولرسالته. فهذا هو المستشرق الكندي الدكتور (زويمر) يتناول بلاغة النبي وشجاعته ورجاحة عقله بقوله: "إن محمدًا كان مصلحًا قديرًا، وبليغًا فصيحًا، وجريئًا مغوارًا ومفكرًا عظيمًا، ولا يجوز أن ننسب إليه ما ينافي هذه الصفات، وهذا قرآنه الذي جاء به وتاريخه يشهدان بصحة هذا الادعاء). تتسع دوائر الخير وهذا هو: الكاتب والمؤرخ الفرنسي (لامارتين)، والذي ينص على هذه الإنسانية التي جاءنا بها رسول الله "صلى الله عليه وسلم"، والتي من خلالها تتسع دوائر الخير للجميع، وكأنه يبين في عبارة دقيقة مقاصد النبوة بقوله: (إذا أردنا أن نبحث عن إنسان عظيم تتحقق فيه جميع صفات العظمة الإنسانية فلن نجد أمامنا سوى محمد الكامل). إن سير العلماء وتواريخ القادة وأخبار المصلحين وغيرهم عبر كل الحضارات، تُكتب هذه السير ثم تُختم، ولا يعود فيها مجال للمزيد أو الجديد، لكن سيرة رسول الله "صلى الله عليه وسلم" قد كانت ولا تزال وستظل ميدانًا مفتوحًا للتأليف والإبداع، يكتشف في هذه السيرة النبوية المزيد والجديد حتى لكأنها نبع متجدد، وهذا ما أكده وأسف عليه في الوقت نفسه "مهاتما غاندي"؛ لعدم وجود المزيد بين يديه من كتب تحدثه عن النبي "صلى الله عليه وسلم" للاطلاع أكثر وأكثر على شخصيته وأخلاقه ودعوته، ومن هنا نراه يذكر بعضًا من الصفات والسمات الرئيسة للرسول ولرسالته، فيقول: "أردت أن أعرف صفات الرجل الذي يملك بدون نزاع قلوب ملايين البشر، لقد أصبحت مقتنعًا كل الاقتناع أن السيف لم يكن الوسيلة التي من خلالها اكتسب الإسلام مكانته، بل كان ذلك من خلال بساطة الرسول مع دقته وصدقه في الوعود، وتفانيه وإخلاصه لأصدقائه وأتباعه، وشجاعته مع ثقته المطلقة في ربه وفي رسالته. هذه الصفات هي التي مهدت الطريق، وتخطت المصاعب وليس السيف. بعد انتهائي من قراءة الجزء الثاني من حياة الرسول وجدت نفسي أسفًا لعدم وجود المزيد للتعرف أكثر على حياته العظيمة". النبي فخر الإنسانية وهذا هو المؤلف الكبير "ماكس فان برشم"، الذي يؤكد رحمة الإسلام ورحمة نبيه لا بالأمة فحسب؛ بل بالعالم كله، رحمة تسع كل الناس مهما كانت الديانة، رحمة تؤسس لثقافة الألفة لا الفرقة، رحمة تؤسس لثقافة التعاون لا التعاند، رحمة تؤسس لإنسانية تكفل السعادة للبشر جميعًا، فنراه يقول: (الحق أن محمدًا هو فخر للإنسانية جمعاء، وهو الذي جاءها يحمل إليها الرحمة المطلقة فكانت عنوان بعثته (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). وهذه إشارة دقيقة تبرز حقيقة الدين الإسلامي بعين باحث غربي منصف، وهو الكاتب الإنجليزي "برنارد شو": الذي قال في كتابه "محمد": "إن العالم أحوج ما يكون إلى رجل في تفكير محمد، هذا النبي الذي وضع دينه دائمًا موضع الاحترام والإجلال، فإنه أقوى دين على هضم جميع الديانات، خالدًا خلود الأبد، وفي رأيي أنه لو تولى أمر العالم اليوم، لوفق في حل مشكلاتنا، بما يؤمن السلام والسعادة التي يرنو البشر إليها. جمع المستويين وقال أيضا عنه صاحب كتاب الخالدون (مايكل هارت)، وهو من علماء الفلك من جامعة برنستون، إن محمدًا كان الرجل الوحيد فى التاريخ الذى نجح بشكل أسمى وأبرز فى كلا المستويين الدينى والدنيوى، برغم قول الكثيرين عنه أن الدين بعيد عن المعاملة؛ إلا أن هذا المفكر ربط الجانبين بعضهما ببعض، وقال أيضا إن هذا الاتحاد الفريد الذى لا نظير له للتأثير الدينى والدنيوى معًا يخوله أن يعتبر أعظم شخصية أثرت فى تاريخ البشرية. حول القلوب والعقول ولا ننسى أيضًا الفيلسوف جان جاك روسو، الفيلسوف الفرنسي المعروف، حينما قال عن النبي محمد، "صلى الله عليه وسلم"، (لم ير العالم حتى اليوم رجلا استطاع أن يحول العقول، والقلوب من عبادة الأصنام إلى عبادة الإله الواحد إلا “محمدًا” ولو لم يكن قد بدأ حياته صادقًا أمينًا ما صدقه أقرب الناس إليه، خاصة بعد أن جاءته السماء بالرسالة لنشرها على بني قومه أصحاب العقول والأفئدة الصلبة، لكن السماء التي اختارته بعناية كي يحمل الرسالة كانت تؤهله صغيرًا فشب متأملًا محبًا للطبيعة ميالا للعزلة لينفرد بنفسه). عظمة إنجازات النبي وأشار د. أسامة إلى قول المفكر والفيلسوف مونتجومري: (إن استعداد هذا الرجل لتحمل الاضطهاد من أجل معتقداته، والطبيعة الأخلاقية السامية لمن آمنوا به واتبعوه واعتبروه سيدًا وقائدًا لهم، إلى جانب عظمة إنجازاته المطلقة، كل ذلك يدل على العدالة والنزاهة المتأصلة في شخصه. فافتراض أن محمدًا مدع افتراض يثير مشكلات أكثر ولا يحلها، بل إنه لا توجد شخصية من عظماء التاريخ الغربيين لم تنل التقدير اللائق بها مثل ما فعل بمحمد، كما ذكر "جورج برناردشو" الكاتب المسرحي البريطاني، (لما قرأت دين محمد أحسست أنه دين عظيم، وأعتقد أن هذا الدين العظيم سيسود العالم ذات يوم قريب مقبل إذا ما وجد الفرصة لانتصاره، ليتعرف العالم عليه بلا تعصب). يقف على باب الجنة ويقول الدكتور "محمود عبده نور"، الأستاذ بجامعة الأزهر، كل هؤلاء عرفوا مكانة النبي، "صلى الله عليه وسلم"، من خلال بحوثهم واطلاعهم على الدين الإسلامي، ومن خلال علومهم، فتحدثوا عنه، برغم أن هناك من أساء الأدب في بعض الرسومات الغربية وغيرها، إلا أن هناك الكثير من تعلم وأبحر في قراءته عن الدين الإسلامي ودين الوسطية، وعرف قيمة صاحب الرسالة السماوية، وعلموا أن دخولنا الجنة في طاعة النبي، وإن النبي، صلى الله عليه وسلم، يقف على باب الجنة، ليطمئن على أمته، وروي في الحديث الشريف، كما قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قيل: يا رسول الله ومن يأبى؟! قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى، معناه: أن أمته التي تطيعه وتتبع سبيله تدخل الجنة، ومن لم يتبعه فقد أبى، وهذا يدل على أنه يخبرنا بأن طاعته هي مفتاح الجنة فالواجب على المسلم أن ينقاد لشرع الله وأن يتبع محمدًا عليه الصلاة والسلام فيما جاء به هو رسول الله حقًا، هو خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام، قد قال الله في حقه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) وفي اتباعه صلى الله عليه وسلم، من أسباب المحبة محبة الله للعبد، ومن أسباب المغفرة ومن أسباب دخول الجنة، أما عصيانه ومخالفته، فذلك من أسباب غضب الله ومن أسباب دخول النار ومن فعل ذلك فقد أبى، من امتنع من طاعة الرسول فقد أبى، فالواجب على كل مسلم بل على كل أهل الأرض من الرجال والنساء والجن والإنس أن ينقادوا لشرعه وأن يتبعوه وأن يطيعوا أوامره وينتهوا عن نواهيه، وهذا هو سبب دخول الجنة، قال الله جل وعلا: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ) وقال سبحانه: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ). وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ "صلى الله عليه وسلم" أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ: (السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا)، قَالُوا أَوَ لَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: (أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ). الدكتور أسامة فخري الجندي من علماء الأزهر الشريف المحرر مع الدكتور محمود عبده نور أستاذ التاريخ الإسلامي