لا تجد مكانًا تذهب إليه؟ الحقيقة أنك لا تجد من تذهب إليه، الأصل فى الأشخاص وليس الأماكن.. لديك الكثير الذى تود أن تبوح به من الأسرار، والتفاصيل، والروايات والحواديت التي لا تنتهى.. لا تحب البوح ولا كشف المستور، أحيانا تصادف البعض القليل جدًا ممن يمكن أن ترتاح للحديث إليهم، "للفضفضة" معهم؛ لكن لا تقول الكثير والأكيد أنك لن تقول كل شيء، فلكل حساباته وأراؤه وتقييماته وعقيدته أيضًا. أكيد الحديث إلى الله مستمر لا ينقطع؛ حتى وإن لم تكن في حاجة للكلام فهو مطلع على ما يجيش به صدرك، وأعلم منك بتفاصيل رواياتك، وبالرغم من ذلك تحكي وتشكي وتفضح نفسك بصوت عال أو هامسًا إليه.. لكن تلك ليست المسألة هنا، أنت وربما أنا تحديدًا أحتاج من فترة لأخرى أن أتحدث لأحدهم بما يطرق على ذهني، ولأني لا أميل إلى البوح بكل شيء أجد في المرآة صديقًا وفيًا حين تضيق الدنيا، حين ينشغل الجميع أو تتأخر المواعيد، أو ينشغل البعض أجد فيها ونيسًا ورفيقًا، في الحقيقة هي عشرة لا يمكن إنكارها، وأكثر المطلعين على جميع الحالات المزاجية والتطورات المظهرية، الإخفاقات والنجاحات، والرضا عن النفس ورفضها. هي في كل مكان، حتى إنها أحيانا تظهر فجأة لتنبهني إلى خطأ ما أو لتفتح عيني لأدرك شيئًا دفينًا في نفسي، علمتني النظر إلى روحي بعد أن كنت أشعر بها فقط، فالنظر في العين بعمق يساعدني كثيرًا على ذلك. برغم أحاديثي الكثيرة إليها أو معها إلا أنني لم أقرر يومًا أن أفعل هذا، دائمًا حواراتي معها تحدث صدفة، أشعر بكلماتي تتدفق في رأسي، وفجأة أجد نفسي أمامها أتحدث إليها وفي ذلك ميزة عظيمة على الأقل بالنسبة لي، فإلى جانب أنها كتومة ولا تأخذ أي انطباعات إلا أنها أيضًا تشعرني باكتفاء وراحة فجزء من الحوار هو الجنون الذي يظهر في كلمات غير مرتبة، وأفكار لا معنى لها إلا عندي لن يفهمها أي شخص أيًا كان، بالإضافة طبعًا إلى حاجتي التي أشبعها في كوني أتحدث بكل جوارحي، وأشيح بيدي كيفما أشاء أضحك أو أبكي، أمسح دموعي أو أغمز بعيني، أشير في أي اتجاه أو أحرك ساقي بعصبية، كلها أمور أقوم بها بعفوية دون أن أشعر أني وحيدة في ذلك، أو ربما أحاول أن أقنع نفسي بذلك. أحيانًا - وليس دائمًا - تبدأ بدورها في الرد علي، ويكون هذا الأمر مشابهًا جدًا لحوار الشخص مع نفسه، حوار داخلي؛ لكن في تلك الحالة هي ترد على لساني وكأني أمام طبيب فأتقمس الشخصيتين في آن واحد، مع اختلاف الانفعالات وردود الفعل، وفي النهاية إيًا كان الرأي الذي سينتصر سأكون أنا صاحبته.