رواياته تعكس حواراً متصلاً مع كل شيء بداية من حوار الإنسان مع ذاته وحواره مع الآخر، أيا كان هذا الآخر، وقلم الكاتب الروائى والشاعر اللبنانى رشيد الضعيف يعمل بإصرار على كشف الحقيقة وكلماته تبحث عن الصدق وفى أى حوار تتأكد التناقضات أو تتضافر وجهات النظر ويتأكد الواقع أو نتجاوزه. هوكاتب ينتمى إلى جيل أدباء ما بعد الحرب الأهلية نجده دائماً يتآمر على واقعه، وعلى تاريخه من أجل كتاباته، لكنه لا يتآمر على شخوص أعماله.. وفى زيارته الأخيرة للقاهرة التقيناه وكان الحوار : - لماذا قلت إنك كاتب متآمر على الواقع من أجل رواياتك؟ هذا صحيح.. وأعتقد أن الرواية فن وصولى يتآمر على الواقع من أجل الوصول، فأنا لا أبشر بمدرسة فى كتابة الرواية.. لأننى أكتب ما أشعر به وأحس به.. وليس دعوة ليفعل مثلى الآخرون، فالكاتب حر فى كتاباته الروائية. - وهذا التآمر هل انعكس على شخوص كتاباتك؟ ربما أتآمر على شخصياتى ولكن ليس بشكل رسمي.. ربما يجعلنى أقول أنه لا تآمر بل أدفع بعضهم فى لحظات محدودة إلى مواجهة اللحظة الفاصلة ولا أتعمد أن أقدم للقارئ حلولاً جاهزة لأغلق مساحة مشاركته فنجد فى "تصطفل ميريل شريب" نجد فيها الفتاة التى تعمل فى تركيب الستائر عندما لمح "رشود" ذلك الألق فى عينيها وأصبح ليس هناك علامات طريق يستدل فيها القارئ ولا أقصد فى نفس الوقت أن أضعه فى متاهة ولكن أشير له عند بداية المنحنى إشارة عابرة ربما تفيده فى قراءاته وتأملاته. - هل هذا مدلولك الخاص للتآمر أيضاً على التاريخ؟ كما قلت فإننى متآمر على الواقع ومنها تآمرت على التاريخ وكل تآمرى كان من أجل كتابتى الروائية وهذا ما أكتسبه فيما بعد.. لأن فى بداية كتابتى كانت الرواية لخدمة الواقع وكان الواقع هو الشيء المقدس الذى علينا أن نخدمه.. وتحولت بعد ذلك حتى أصبحت الرواية عندى فناً وصولياً.. وأصبح بعد ذلك كل شيء يلوى عنقه ويتحول إلى خدمة الرواية من حيث مبتدأ الرواية ودائماً أطرح على نفسى سؤالاً: لماذا لا يتواجد قارئ للرواية العربية مثلما عند الأجانب؟، فأصبحت الإجابة تتمحور حول الأمية والصدور والرقابة والمستوى الثقافي. ولكن أليس من مسؤولية على الكاتب فى ذلك؟ فكانت إجابتى أن معظم الكتاب العرب شديدون بشكل ديني، فالكتابة أصبحت نوعاً من الممارسة الدينية والنظر إلى الرواية كفن إمتاعى له حيثما يثار ضمنياً يرى أن له قراء معجبين بروايتين أو كتابين. - هل ترى أن هناك علاقة مضمرة بين العمل الروائى والقبح الواقعي؟ أكيد .. قد تكون هناك علاقة مباشرة من خلال أن الأدب يصور الواقع كما هو بقبحه وقد يصور هذا القبح بشكل آخر مزين ومختلف أحياناً الواقع الصعب نجد فيه الأدب يعبر عنه بشكل من الحلم.. ورواياتى خارجة عن هذه الجدلية وهناك قسم من رواياتى أحاول فيه تصوير الواقع بكافة قساوته.. وصعوبته وآلامه.. وكثير من رواياتى فيها نوع من الصراع والآلام والبوح مثل "عزيزى السيد كوباشه" و"فسحة مستهدفة بين النعاس والنوم" وهذه الروايات تتكلم عن مأساة الواقع بكل مفاجآته. - لماذا دائماً نجد شخوص رواياتك تحمل اسم رشيد هل هذا نوع من السيرة الذاتية؟ أنا أرتاح عندما أكتب بصيغة المتكلم وهذا ليس بسبب فلسفى أو أيديولوجى وإنما بكل بساطة لأننى أرتاح عندما أكتب بصيغة المفرد وخاصة إذا أردت أن أجد تفسيرات لذلك فبلا شك أوجدها ربما لسقوط الأيديولوجية أو سقوط الأنظمة التى حولى وسقوط الرواية الشمولية للإنسان والمجتمع، وربما هذا مرتبط كله بصيغة المفرد فى استعمالى "الأنا" والتركيز على الفرد والذات وهذا هو تفسيرى لتواجد رشيد دائماً هذا. ومن حيث الإجراء العملي.. أكتب بصيغة المفرد لأننى أرتاح لذلك. هل ذلك فى صالح القارئ المفرد لأننى أرتاح لذلك. - - هل ذلك فى صالح القارئ العربي..من خلال تفسيره لشخوص رواياتك؟ لما لا؟ لأن فى حالة كتاباتى بصيغة رشيد هى محاولة منى لأراقب وأجمع إلى لذة الرواية وهم أن هذا الكلام هو كلام شخصى وسيرة عن الذات، أكتب الرواية وفى نفس الوقت أوهم القارئ أننى أكتب عن نفسى هذا ما يفسر كلمة رشيد وهذا دافع للقارئ أثير لديه الحوارية.. وفى رأيى أن الرواية فن مبنى على الحشورية وأوهم القارئ بأشياء شكية وظنية، والعمل الأساسى الروائى لم يتأثر بأى شيء سوى دائماً الأبواب المفتوحة للقارئ، وفى ظنى أن كل واحد فى المجتمع مسؤول مسؤولية محدودة، ولا أريد أن القى بمسؤولياتى على الآخرين، لذلك اقسو على الذات فى رواياتي، وكتبت كثيراً عن الذات فى "عزيز السيد كوباشه". - - لماذا دائما تستخدم صيغة الرحلة فى أعمالك الروائية؟ فن الرحلة يتيح للكاتب الحرية للانتقال من موضوع إلى آخر .. لأن الرحلة فيها التصرف أيضاً لدى أطروحاتى قد استعمل الشعر وأغير الأسلوب من آن إلى آخر.. ولهذا استخدمته كثيراً.. - - هل استطعت أن تجسد المشهد اللبنانى والحرب داخله من خلال أعمالك؟ تركت ذلك للقارئ العربى أن يلخص هذا، ولا شك أردت أن أقول هذا وأردت أن أجسد هذا المشهد بقساوته ومرارته وسر قلة التهذيب أن أقول إننى نجحت فى ذلك.. العقلانية المقيدة . - - ما تفسيرك للعقلانية الصارمة التى غالباً ما يتصف بها فن الرواية.. هل أنت قريب منها أم؟ هذا صحيح.. فى الراوية دائماً الكتاب يبحثون عن إيجاد مصوغات للواقع والعقل معاً ولكل حدث ولكن أريد أن أتحرر من هذه العقلانية فلا أريد أن أجد هذه المصوغات فوجدت الحل فى طريقة الأصفهاني.. فى رواية "معبد ينجح فى بغداد" ومنها كيف أجد الأشياء وأطلق عنانها فى رواياتي، ولا أريد أن أقول للكتاب الآخرين أن يتخلوا عن العقلانية. - - فى آخر رواياتك "معبد ينجح فى بغداد" اتجهت وأخذت نفس منهج الأصفهانى فى كتابه الشهير "الأغاني" ما مقصدك من ذلك؟ لقد استلهمت "معبد" من المغنين المشهورين فى العصر الأموي، وأطلقت اسمه على بطل الرواية وهو من المغنين الذن ترجم لهم الأصفهانى ورسمته من الصفات المشتركة ما بينهم جميعاً، وكان هؤلاء من الموالى بشكل عام ويشتركون جمعاً فى أنهم يفاجئون المستمع من حيث لا يتوقع وفى أنهم يطربون مستمعيهم حتى تزلزل بهم الأرض ويأتوا بأفعال غير جديرة بمقامهم.. ولان جميعهم يشتركون فى مشاعر الحسد والغيرة وجميعهم أيضا رفعتهم موهبتهم فى الغناء إلى الدرجات العليا من المجتمع، وأوصلتهم إلى تصور الأمراء والقواد ورجالات الدولة الكبار، كما أن جميعهم ينجحون فى أن يطربوا الخليفة وينالوا عطاياه وجوائزه. ولقد بنيت "معبد" من هذه الصفات وأضفت وانقصت ما تقتضيه الرواية وما تقتضيه فرادة "معبد" أيضاً كما نسبت إليه أشياء كثيرة معروف أنها حدثت لمغنين آخرين وهذا ما نجده فى كتاب "الأغاني" للأصفهاني، وهذا موقف استلهمته من الأصفهانى بالذات وخاصة لأنه لم يبد لى كثير الاهتمام بالحقيقة فإذا كان الخبر الذى يرويه مؤكداً فلا بأس وأما إذا كان غير مؤكد فلا بأس أيضاً.. فهو لا يهمه أن تكون الأخبار التى يرويها قد حدثت فعلاً إنما همه كان من دون شك أن تكون هذه الأخبار ممتعة ومؤنسة. - - وما واقع الفروق بينك وبينك الأصفهانى فى طريقتك لبناء الرواية؟ الأصفهانى جعل الحدث فى خدمة الحيز وجعل الحيز فى خدمة المتعة والمؤانسة.. أما أنا فقد استلهمت طريقته هذه فى روايتى الأخيرة وجعلت الحقائق فى خدمة الرواية والرواية فى خدمة المتعة والمؤانسة.. ولقد أخذت أغلب أحداث روايتى هذه من كتاب "الأغاني" لكننى كثيراً ما حذفت منها وأضفت إليها حتى تناسب المكان الذى أدرجتها فيه من السياق. - - لماذا تصر دائماً أن تكون روايتك فى خدمة الواقع؟ لأننى أضع الواقع نصب عينى وفى المحل الأعلى وألزم نفسى بخدمته وأعنى بخدمة الواقع، أى وصفه من أجل فهمه وتغيره، ولقد أعتقدت طويلاً أننى على صواب فى فهمى للواقع وإذ تبين لى أن الأمور فى الواقع. - - لم تتأثر بالأصفهانى فقط وإنما بالمسعودى أيضاً فى آخر روايتك وخاصة العلاقة الجدلية بين الواقع والحقيقة التاريخية.. لماذا؟ من يقرأ وصف المسعودى لمعركة بغداد فى كتابه "مروج الذهب" يكتشف مدى السعادة التى كان يشعر بها المسعودى وهو يكتب هذا الحيز.. فلقدأراد أن يمتع ويؤنس القارئ. وقد جعلت "معبد" يسعى فى بغداد أثناء الحرب بين الأمين والمأمون كما وصفها المسعودى بعد أن عدلت فيها ما رأيت تعديله مناسباً لروايتى وكذلك رويت مقتل الأمين كما رواها المسعودى الذى اعترف هو شخصياً بأن هذه الرواية هى واحدة من بين روايات متعددة عن مقتله، وكذلك عدلت هذه الرواية حتى ناسبت عملي، كان كل شيء عند هؤلاء فى خدمة آدبهم هكذا قرأت الأصفهانى والمسعودى وآخرين كابن قتيبة فى السفر والشعراء وقد استلهمتهم وحاولت أن أكتب رواية تتسم بهذا النوع من الخفة بدون ألم قومى أو اجتماعى أو ميتافزيقى فإن الواقع و الحقيقة التاريخية وغيرها من الحقائق موجودة بشكل ما لمن يبحث عنها فى فنية الخبر عند الأصفهانى والمسعودى وأمثالهما، وأظن أن الحقيقة يجب أن تكون موجودة فى فنية الرواية لا فى مكان آخر ففى الرواية كفن يجب أن يجد ما يسعى إليه الباحث عن أمر آخر غير المتعة الفنية.. ولهذا لقد أردت أن أضيف مغنياً إلى كتاب "الأغاني" وأرجو أن أكون نجحت فى روايتى الأخيرة