من أبرز الأخبار المهمة التي تابعناها هذا الأسبوع المنصرم، تكليف الرئيس عبدالفتاح السيسي، الحكومة بتبني مشروع الهوية المصرية بكل محافظات الجمهورية، ووضع خطة مشتركة بين مؤسسات الدولة لضرورة تنفيذها خلال 3 أشهر، من خلال مؤتمر الشباب المنعقد بجامعة القاهرة، جنبًا لما قالته الحكومة إن محور بناء الإنسان يتضمن مجموعة برامج رئيسية تتمثل في ترسيخ الهوية الثقافية والحضارية، وتأكيد الهوية العلمية، وتدعيم الرياضة البدنية للشباب، وتوفير الرعاية الصحية الشاملة، وأن ترسيخ الهوية الثقافية والحضارية، يتمثل في تفعيل دور المؤسسات الثقافية، التوعية الإعلامية بمنظومة القيم والموروث الحضاري، نشر ثقافة العلوم والابتكار، مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، وأن مشروع الحفاظ على الهوية المصرية يتوافق مع إستراتيجية بناء الإنسان المصري. كان من آراء المتحدث الرسمي لتنسيقية شباب الأحزاب أن القوام الرئيسي لمحور الحفاظ على الهوية المصرية، إعادة الثقافة المصرية إلى سابق عهدها، من خلال إحياء دور الثقافة والأوبرا، وعودة دور السينما والمسرح والفن الهادف، الذي يسهم في غلق الأبواب أمام طيور الظلام التي حاولت جاهدة طمس الهوية المصرية، ومحاربتها منذ عشرات السنين. ومع اتفاقي نسبيا لما قالته، واختلافي كلية معها، فإن اعتراضي على أن القوام الرئيسي لمحور الحفاظ على الهوية المصرية إنما يتمثل في عودة منظومة الأخلاق الحميدة المفقودة لدينا ولدى أجيالنا الناشئة، بدلا من الاعتماد على دور السينما والمسرح الذي كان عاملا أساسيًا ورئيسيًا في هدم منظومة الأخلاق، ونسف قيم بناء الهوية الوطنية والمجتمعية لدى نشئنا الطالع، ولا أدل على ما أقوله من أفلام ومسرحيات وكتابات كثيرة تتهكم وتستهزئ وتسخر برموزنا الدينية والوطنية والتربوية، وبمعتقداتنا وبلغتنا العربية. في مقال سابق لي وتحت عنوان "تدشين ثورة أخلاق" طالبت وناديت بأننا نريد ثورة أخلاق تعم وتطهر مصرنا كلها من سلوكيات قبيحة استفحلت وتفشت في معاملات الكثير منا، في لامبالاة غريبة، وأن المسئولية هنا جماعية، تبدأ من الفرد نفسه، مرورًا بأسرته وبمن يعرف ويحيط، مشددًا على أن المسئولية الكبرى تقع على عاتق الأسرة، وعلمائنا، دعاتنا وأئمتنا، ورجال الإعلام ووسائله المختلفة. لذا لا عجب أن يكون هناك فرع رئيسي من الإعلام يسمى الإعلام التنموي، يتناول بناء المجتمع وأهله، إعلاميًا وتنمويًا هادفًا، وعنه يقول الدكتور خالد إبراهيم المحجوبي في دراسته (الإعلام والتنمية.. نظرة في الترابطية والتفاعلية): "لقد صار من الفروق الظاهرة بين المجتمعات المتخلفة، والمجتمعات المتقدمة، مدى توغل وشيوع وسائل الإعلام ونجاحها التأثيري في الرأي العام للمواطنين المتواصلين بوعي مع تلك الوسائل، إن شيوع الوسائل الإعلامية متناسب طرديًا مع ازدياد التنمية، وبتعبير آخر إن انتشارها وتأثيرها متناسب عكسيًا مع التخلف والبعد عن الحالة التنموية، والتنمية في حاجة لوعي جماهيري شعبي، وهذا الوعي هو من صنع الإعلام، فالإعلام هو من وسائل تحقيق التنمية، فهو آلية ضمن آليات الانتشار التنموي على المستوى الاقتصادي والبشري بعامة، إنه بلا ريب آلية تنموية فاعلة، علاقتهما ارتباطية متفاعلة ليست علاقة صورية، ولا وهمية، ولا معطلة "، ومن ثمة ندرك إدراكًا مؤكدًا أن من عوامل بناء هوية الفرد والمجتمع الإعلام التنموي، العارض لكل النماذج الناجحة المختلفة، الفاعلة تفاعلا بناء، صعودًا بالمجتمع إلى مراتب الرقي الأخلاقي، والسلوكي، والاجتماعي، والاقتصادي، والبيئي.. إلخ. ولعل ما جاء بمواثيق الشرف الإعلامي العربي والإسلامي والمصري لخير دليل على ما يحمله إعلامنا من هموم التنمية المجتمعية للمواطن العربي، ففي باب المسئوليات بالمادة الثالثة من ميثاق الشرف الإعلامي العربي: "تتحمل وسائل الإعلام العربية مسئولية خاصة تجاه الإنسان العربي، وهي تلتزم بأن تقدم له الحقيقة الخالصة الهادفة إلى خدمة قضاياه، وأن تعمل على تكامل شخصيته القومية، وإنمائها فكريًا وثقافيًا واجتماعيًا وسياسيًا وإظهار حقوقه وحرياته الأساسية، وترسيخ إيمانه بالقيم الروحية والمبادئ الخلقية الأصلية، وعلى تربية الشباب على احترام حقوق الإنسان، والاعتداد بشخصيته القومية، وتنمية حس الإنسان بواجباته تجاه مجتمعه ووطنه وأمته العربية". ما أراه يقينًا، ولا أمل من الترويج له أيضًا في عوامل بناء هويتنا المصرية، والإنسان المصري، ضرورة وحتمية ووجوب غرس وتمكين خلق العزة في نفوسنا ونفوس أبنائنا، تجاه ديننا، ووطننا، ولغتنا؛ لذا رأينا ابن القيِّم في مؤلفه إغاثة اللهفان يقول: (العِزَّة والعُلُوُّ إنَّما هما لأهل الإيمان الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، وهو علمٌ وعملٌ وحالٌ، قال تعالى: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. "آل عمران: 139" ، فللعبد من العُلُوِّ بحسب ما معه من الإيمان، وقال تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ "المنافقون: 8"، فله من العِزَّة بحسب ما معه من الإيمان وحقائقه، فإذا فاته حظٌّ من العُلُوِّ والعِزَّة، ففي مقابلة ما فاته من حقائق الإيمان، علما وعملًا، ظاهرًا وباطنًا)، و يقول ابن باديس في مؤلفه "تفسير ابن باديس في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير": (الجاهل يمكن أن تعلمه، والجافي يمكن أن تهذبه، ولكن الذليل الذي نشأ على الذل، يعسر أو يتعذر أن تغرس في نفسه الذليلة المهينة عزة وإباء وشهامة تلحقه بالرجال). فلنزرع أولادنا ونشئنا ومجتمعنا زرعًا طيبًا حميدًا، إيمانًا وصدقًا بما جاء بالمثل الصيني: "إذا أردت أن تزرع لسنة فازرع قمحًا، وإذا أردت أن تزرع لعشر سنوات فازرع شجرة، أما إذا أردت أن تزرع لمائة سنة فازرع إنسانًا".