مما لا شك فيه أن مصر وحضارتها القديمة، تدين لعدد من العلماء والرواد الذين كان لهم الباع الأكبر والدور الأبرز فى الكشف عن معالم وأسرار حضارتها الخالدة، والحفاظ على تراثها الأثرى العظيم للأجيال، ومن بين هؤلاء الرواد العظام يأتى عالم الآثار الفرنسى "فرانسوا أوجست فرديناند مارييت". ولد « مارييت » فى بولونى سيرمير بفرنسا فى الحادى عشر من فبراير من عام 1812م ، وقد عمل على تعليم نفسه اللغة المصرية القديمة فى الفترة بين عامى 1842 و1848م من خلال مؤلفات العالم الفرنسى الشهير « شامبوليون » ، كما قام بدراسة القبطية. ثم جاء إلى مصر فى عام 1850م لتسجيل وزيارة بعض الأديرة القبطية ، وشراء بعض المخطوطات القبطية القديمة لكى يكون مجموعة أثرية فى باريس. ولكنه استطاع أن يوجه نشاطه إلى أعمال التنقيب ، وساقته الأقدار إلى عمل حفائر فى منطقة سقارة فكشف عن السيرابيوم ، الذى عثر فيه على التوابيت الحجرية الضخمة التى تحتوى على مومياوات عجل أبيس ، وعثر على مجموعة كبيرة من اللوحات وكمية كبيرة من البرونز. قام « مارييت » بجولات فى العديد من المواقع فى مصر والسودان ، وقد تمكن من الكشف عن العديد من الآثار المهمة ، لعل أبرزها معبد الدير البحرى ونقوش رحلة بونت ، وحلى الملكة « إياح حتب » فى منطقة دراع أبو النجا ، بالإضافة إلى بعض الآثار فى معبدى مدينة هابو والكرنك ، حيث عثر على نقوش أنواع النباتات التى أمر بنقشها الملك « تحتمس الثالث »، كما قام بالكشف عن لوحة الأربعمائة عام فى تانيس. ومن أهم اكتشافاته الأثرية تمثال شيخ البلد ( كا عبر ) والكاتب الجالس فى سقارة ، وتمثال الملك « خفرع » الشهير فى معبد الوادى الخاص بهذا الملك فى الجيزة ، ومصطبة « رع حتب » و« نفرت » فى ميدوم. كما كشف عن لوحات كبرى تخص ملوك كوش فى جبل البرقل بالسودان ، وأرسل مجموعة كبيرة من مكتشفاته ، التى زادت على الخمسة آلاف قطعة إلى متحف اللوفر بباريس. ولعل من أبرز الجهود التى خلدت « مارييت » فى التاريخ أنه كان وراء تنفيذ مشروع إنشاء مصلحة للآثار ومتحف للآثار المصرية ، وكان محمد على باشا قد أصدر قرارا بإنشاء إدارة للآثار ومتحف بالقرب من بركة الأزبكية فى عام 1834م ، وبالفعل تم إنشاء إدارة للآثار المصرية فى عام 1857م .. وفى الرابع من يوليو عام 1858م ، عين « مارييت » مأمورا لأشغال العاديات ، وفى عام 1863م شيد متحفا على النيل فى بولاق، ويذكر له أنه أصر على إرجاع مجموعة التحف النفيسة التى عرضت فى باريس عام 1867م معارضا فى ذلك الملكة الفرنسية « أوجينى » التى أصرت على استبقائها هناك. لم يرى « مارييت » تحقيق أهم أحلامه وهو إنشاء أول متحف للآثار؛ لأنه توفى فى الثامن عشر من يناير من عام 1881م ، حيث إنه فى عام 1891م نقلت مجموعة الآثار المعروضة فى متحف بولاق إلى سراى الجيزة ، حتى بناء المتحف المصرى فى ميدان التحرير فى عام 1902م ، وتكريما ل « مارييت » باعتباره أول من حاول تنفيذ فكرة إنشاء متحف للآثار المصرية ، فقد دفن فى تابوت حجرى فى فناء المتحف ، وأقيم بجواره تمثال نصفى له .. وقبل وفاته نشر جزءا من حفائره وأعماله منها : دليل متحف بولاق ، وبردية بولاق ، وآثار متنوعة ، ومؤلف عن السيرابيوم وأبيدوس ودندرة ومعبد الكرنك ، ومؤلف عن مصاطب الدولة القديمة فى سقارة ، وكل هذه المؤلفات كتبت باللغة الفرنسية ، ولاتزال مرجعا لا غنى عنه لكل علماء المصريات عبر الأجيال. .