د. حاتم عبدالمنعم أحمد يطالب بعض الاقتصاديين بمزيد من التسهيلات لبيع عقارات وأراضي مصر للأجانب، وأن ذلك سيوفر المليارات، ويحل كثيرًا من مشاكلنا الاقتصادية، وقد يكون ذلك جزءًا من الحقيقة المؤقتة؛ لأن الأرض ليست موردًا دائمًا كالزراعة أو الصناعة. وحتى لو تغاضينا عن هذه الحقيقة، فهناك أبعاد أخرى للصورة أكثر خطورة؛ حيث إن معظم دول العالم تمنع بيع أراضيها للأجانب؛ بل إن إنجلترا وهي دولة رأسمالية تمنع بيع أراضيها للإنجليز، وتعتبر الأرض ملكًا للدولة، وللمواطن الإنجليزي حق الانتفاع فقط؛ فهي قضية أمن قومي؛ لأنها مورد غير متجدد، وهذا يتطلب الحرص الشديد في التعامل معها والحفاظ عليها؛ لأنها حق للأجيال المقبلة، ولا يملك أي جيل التفريط في ذلك؛ فهذه هي العدالة البيئية بين الأجيال. وكما حافظ الآباء والأجداد علي حقوقنا بالروح والدم عبر آلاف السنين، فواجب علينا حماية حقوق أبنائنا وأحفادنا، وهنا نتذكر الموقف العبقري لسيدنا عمر ابن الخطاب أمير المؤمنين عندما فتح الله عليه بالشام والعراق ومصر وبلاد فارس، وهي من أجود الأراضي الزراعية، وأكبر ثروة في هذا العصر، وعندما طالب جنود جيشه المنتصر بخمس أراضي هذه الفتوحات - وهو حق لهم كان متبعًا ومعترفًا به، وطبقة الرسول "صلى الله عليه وسلم" وسيدنا أبوبكر الصديق، وسيدنا عمر "رضي الله عنهما" في فتوحات سابقة - رد سيدنا عمر، لو وزعت عليكم كل هذه الأراضي، فماذا نترك لأولادنا وأحفادنا بعدنا، واعتبر هذه الأراضي قطاعًا عامًا ملكًا للدولة كلها. ومع ثورة يوليو صدر قوانين تمنع تملك الأجانب للأراضي المصرية، ولكن للأسف صدرت قوانين عام 1996 تبيح للأجانب تملك الأراضي؛ مما أدى لانتشار ظاهرة تملك الأجانب وانتشارهم - خاصة حول النيل والمناطق المميزة - بشكل واضح، وهنا تختلف التقديرات حول نسبة تملك الأجانب مثلا في مدينة أكتوبر هل 5% أم أكثر أم أقل؛ ولكنها حتى لو2% فهو مؤشر خطير؛ لأنه تم خلال نحو عشرين عامًا فقط من قانون 96، فهل بعد نحو مائة سنة تصل النسبة إلى 50 مثلا، ثم هل من حق المصري شراء متر واحد في الدول الأخرى، ثم إن متوسط الدخل في مصر منخفض جدًا، مقارنة بالدول المحيطة؛ مما يعني دخول المواطن المصري في منافسة غير متكافئة لشراء العقارات مع مواطني الدول المجاورة، ويزيد الطلب على الأراضي والعقارات المصرية مع تزايد الحروب في الدول المجاورة، كما يجب ألا ننسي أن لمصر خصوصيتها؛ سواء من حيث بيئتها الطبيعية الخلابة، ونهر النيل، واعتدال مناخها، أو من حيث موقعها المميز؛ ولذلك تسعى الدول الكبرى لليسطرة عليها منذ فجر التاريخ. وهنا نتذكر تصريح اللواء الشوادفي رئس المركز الوطني لتخطيط الأراضي سابقًا الذي طالب فيه صراحة بمنع تملك الأراضي المصرية للأجانب؛ حتى لا نكرر مأساة فلسطين، وأن تعود مصر لنظام حق الانتفاع المؤقت للأجانب، كما نتذكر قرار الرئيس السيسي؛ حينما كان وزيرًا للدفاع وأصدر قرارًا بمنع تملك الأجانب في سيناء ونتمنى قرارًا مماثلا يشمل كل شبر في مصر؛ لأن كل أراضي مصر مقدسة، ومطمع للعديد من الأعداء. ولكل ما سبق هناك أيضًا فتوى دينية واضحة للشيخ محمد الغزالي نصها؛ "تحريم تملك الأراضي المصرية على الأجنبي تحريمًا مؤبدًا"؛ ويلاحظ أن علماء الدين لا يستخدمون لفظ التحريم إلا عند علم اليقين، وكررها الشيخ مرتين، ولفظ "مؤبدًا"؛ أي أن التحريم لا يتغير بتغير الظروف، وهذا الكلام منشور في كتاب "الإسلام والأوضاع الاقتصادية". خلاصة القول، أن المتاجرة في الأراضي والعقارات للأجانب يرفضها الدين، وموقع مصر وموضعها يجعلها قضية أمن قومي. وهل يعقل بعد ذلك من يطلب صراحة بمزيد من التسهيلات للبيع للأجانب أكثر مما فعل نظام مبارك، وإذا كان المال هو الغرض، فسوف يخرج علينا غدًا من يطالب بتجارة المخدرات أو البغاء كما يفعل أردوغان في تركيا.. اللهم بلغت اللهم فاشهد.