أختتم اليوم سلسلة من المقالات عن حرية الاعتقاد الديني، وبناء الدولة المزدهرة القوية الديمقراطية المتحضرة المتناغمة الجميلة، في الصين، بإلقاء الضوء على آخر ما وصلت إليه العلاقات الثنائية في بعدها الاقتصادي مع مصر، وكذلك خريطة تنبؤات الخبراء حول أكبر 10 اقتصادات في العالم عام 2050 تتصدرها الصين. وقبل استعراض الأرقام وخريطة التنبؤات، أود الإشارة إلى أن ما جاء في كلمة سعادة سفير الصينبالقاهرة "سونغ آيقوه" من مشاعر طيبة تجاه مصر، خلال حفل الإفطار، الذي أقامه للإعلاميين المصريين، منذ أقل من أسبوعين، ذكرني بكلمة وداعية مؤثرة جدًا، ألقاها- باللغة العربية الفصحى- سلفه، السفير "وو تشونهوا" قبل أن يغادر منهيًا مهمته في القاهرة في 8 أكتوبر عام 2010، لتظل الكلمة عالقة في الذهن من وقتها، وتبقى أبلغ كلمة وداعية استمعت إليها من سفير أجنبي بمصر، وجاء فيها: أود أن أنتهز هذه المناسبة لكي أودعكم أنا وزوجتي.. أشعر الآن بالسرور والحزن في آن واحد.. ما أود أن أقوله أكثر هو أنني أحب هذه الأرض، وأحب الأصدقاء الذين يعيشون عليها. قبل 20 سنة قضيت وقتًا جميلا لا ينسى، ومدته أكثر من سنة في القاهرة. بعد ذلك بعشرين سنة، عدت إلى القاهرة بصفتي سفيرًا، فوجدت كأنني عدت إلى بيتي. على مدى ثلاث سنوات، أخذت انطباعًا عميقًا عن حضارة مصر العريقة وعملية التحديث فيها، وكرم ضيافة وحفاوة شعبها. زرت أماكن كثيرة، لمست عمق وعظمة الحضارة المصرية، وقوة وحيوية مجتمعها الحديث، ومتانة وثبات الصداقة المصرية الصينية في قلوب الناس. التعاون الإستراتيجي بين الصين ومصر حقق ثمارًا وفيرة، وقد ارتفعت العلاقات الثنائية إلى مستوى جيد. شرف كبير لي أن أسهم بجهودي المتواضعة في تطوير العلاقات بين البلدين، سأتابع العلاقات الصينية المصرية وأبذل كل ما في وسعي لتعزيزها أينما كنت. قلبي مليء بالحنين وأنا أغادر مصر، سأشتاق إلى أرض الكنانة، وإلى الأصدقاء فيها، سأتابع مصر مع أطيب الأمنيات لها، وسأبذل جهودي لتطوير التعاون الودي بين البلدين. من صميم قلبي أتمنى أن تبقى الصداقة بين الصين ومصر خالدة كسور الصين العظيم، والأهرامات.. أتمنى أن يتقدم التعاون الودي بينهما مثل المياه الجارية في نهري اليانجستي والنيل. بعد مرور 8 سنوات على هذه الكلمة المؤثرة، ترى أين هو السفير "وو تشونهوا" الآن؟ وهل لا يزال- هذا السفير الصيني العبقري المحب لمصر- يتابع - عن كثب - مسار العلاقات المصرية-الصينية ويبذل كل ما في وسعه لتعزيزها أينما كان؟ ضمن كلمته أمام حفل الإفطار الرمضاني الأخير، قال السفير الصيني الحالي بمصر " سونغ آيقوه": إن مصر دولة كبيرة ومهمة في العالم العربي والقارة الإفريقية، ويمثل التعاون الصيني-المصري جزءًا مهمًا للتعاون بين الصين والدول العربية والإفريقية. كما قال السفير الصيني: الآن تمر العلاقات الصينية-المصرية بأفضل مراحلها في التاريخ، ولقد أصبحت شجرة الصداقة والتعاون بين الجانبين أكثر ازدهارًا، وتفتح مبادرة الحزام والطريق آفاقًا أرحب للتعاون بين الجانبين. وأضاف: على الرغم من الإنجازات التنموية التي أحرزتها الصين في السنوات الأخيرة، ما زالت الصين أكبر دولة نامية في العالم، وأمامها مهمة ثقيلة ومسافة طويلة لتحقيق الإصلاح والتنمية، أيضًا، فإن مصر تنتمي إلى الدول النامية وأمامها مهمة ثقيلة مماثلة لما تواجهه الصين. تقرير صيني رسمي، تلقيته بالبريد الإلكتروني، يوضح أن العلاقات الثنائية بين القاهرة وبكين سوف تشهد- خلال المرحلة المقبلة- المزيد من التطور والنمو، كما سيتعزز التعاون الإستراتيجي بين البلدين على جميع الأصعدة والمستويات. سوف يتجلى هذا التطور والنمو برفع معدلات التبادل الثقافي، وزيادة تدفق السائحين الصينيين لمصر (بلغ عددهم 300 ألف سائح في عام 2017)، ورفع معدلات التبادل التجاري، لتشمل التجارة الإلكترونية وتجارة الخدمات، مع تدفق المزيد من الاستثمارات الصينية المباشرة، في مجالي البنية التحتية والصناعات ذات التقنية العالية. ومن اللافت للنظر، أن واردات مصر من الصين تراجعت في عام 2017، في حين زادت الصادرات المصرية، وبالذات صادرات البرتقال والعنب الطازج، وخلال الفترة من يناير حتى شهر سبتمبر (مثلا) بلغت صادرات مصر من البرتقال للصين ما يوازى 80 مليون دولار، بنسبة زيادة تصل إلى 208%، وقد أصبحت مصر ثالث أكبر مصدر للبرتقال الطازج إلى الصين بعد جنوب إفريقيا وأمريكا. وفى النصف الأول من عام 2017، زادت الصين من استثماراتها المباشرة في مصر بمبلغ 106 ملايين دولار، لتحتل الصين المرتبة السادسة في قائمة الدول الأجنبية التي تستثمر في مصر، كما أصبحت منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري "إيجيبت تيدا" للاستثمار هي أفضل نموذج لإثبات أن العلاقات الثنائية بين مصر والصين تتحد في الأهداف الإستراتيجية وقادرة على مواكبة التحولات الدولية والإقليمية والداخلية، وبلغت الاستثمارات الصينية في هذه المنطقة أكثر من مليار دولار، وتوفر نحو 3000 فرصة عمل، وقام الرئيس الصيني "شي جين بينغ" بزيارتها في شهر يناير من عام 2016. بقى أن أشير إلى تقرير بعنوان "10 مدهشين على القمة" منسوب لشركة "برايس ووتر هاوس كوبر" الأمريكية، وورد فيه ما يوصف بالتنبؤات حول أداء الاقتصاد العالمي في عام 2050. يتوقع التقرير أن يصبح ترتيب أكبر الاقتصادات العالمية في عام 2050 على النحو التالي: الصين-الولاياتالمتحدة-الهند-إندونيسيا- اليابان-البرازيل- ألمانيا- المكسيك- المملكة المتحدة- وأخيرًا روسيا في المرتبة العاشرة. فمن المتوقع أن يبلغ الناتج القومي للصين في عام 2050 نحو 50 تريليون دولار، وسوف يكون الاقتصاد الصيني أكبر بكثير من الاقتصاد الأمريكي الذي سيحتل المرتبة الثانية بنحو 34 تريليون دولار فقط. وإلى أن تتحقق تلك القفزة الصينية في صدارة الاقتصادات العالمية في عام 2050، تصر الصين الرسمية على تأكيد أنها دولة نامية، وهذا- أيضًا- ما أصر السفير "سونغ آيقوة" على تأكيده أمام الإعلاميين المصريين في حفل الإفطار الرمضاني. هو نفسه ما استمعت إليه حين التقيت رئيس صحيفة "الشعب" الرسمية اليومية الصينية "تشانج يا نتونغ" عندما التقيته في مكتبه ببكين في شهر أغسطس من عام 2010، وكان العنوان الرئيسي للصحيفة وقتها: الصين أصبحت ثاني أكبر اقتصاد في العالم، بعد تمكنها من إزاحة اليابان إلى المركز الثالث. بقى الدور على الولاياتالمتحدة أمام الصين لإزاحتها من المركز الأول في عام 2050.. بسيطة.. مسافة السكة. [email protected]