كلنا نتمنى أن ينعم الله علينا؛ فنكون ممن أدركوا ليلة القدر، ونالوا ثوابها العظيم، ونهلوا من بركاتها وخيراتها في الدنيا بالخير والسعادة، وفي الآخرة بالفردوس الأعلى من الجنة؛ والعتق من النار. ولكن قد يتساءل البعض ما سر عظمة هذه الليلة؟ وهذا ما سنعرفه من آيات القرآن وسنة نبينا. ليلة القدر في القرآن والأحاديث النبوية اختص الله هذه الليلة المباركة بسورة في القرآن تبين عظمتها وفضلها هي: "إنا أنزلناهُ في ليلةِ القدر * وما أدراكَ ما ليلةُ القدر * ليلةُ القدرِ خيرٌ من ألفِ شهر * تَنَزلُ الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كلِ أمر * سلامٌ هي حتى مطلع الفجر" (سورة القدر) وعنها قال نبينا "صلى الله عليه وسلم": "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان". وقال أيضًا عنها: "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه". معادلة "خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ" في قول الله عز وجل في سورة القدر: "لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ" فإن الأجر الذي سنناله بإذن الله لو قمنا بعمل أي عمل صالح في هذه الليلة الكريمة يساوي الأجر الذي سنناله على نفس العمل طوال ألف شهر. ولكي نقرب الفكرة، ونتصور معًا ضخامة هذا الأجر لحدود لا يكاد يصدقها عقل، نلجأ إلى لغة الأرقام, ففي مضاعفة الأجر في تلك الليلة معادلة واضحة؛ وهي أن هذه الليلة تساوي ألف شهر؛ بل هي خير من ذلك؛ فإذا سألنا: كم ليلة توجد في ألف شهر؟ فلو اعتبرنا أن الشهر ثلاثين ليلة؛ فيكون لدينا في ألف شهر هنالك ثلاثين ألف ليلة. وبالأرقام تكون المعادلة: ليلة القدر = 1000 شهر = 1000 شهر × 30 ليلة = 30000 ليلة (بل وربما أكثر). ونحن هنا نستخدم الأعداد التقريبية؛ لأن أي عدد للثواب سنصادفه يجب أن نعلم بأن الأجر الحقيقي قد يكون أكبر منه، لأن الله تعالى لم يقل (تعدل ألف شهر)؛ بل قال: (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) فأي عدد تتصوره هو أقل من الثواب الفعلي الذي ستجده يوم القيامة من الرحمن الرحيم. حرف من القرآن ب 300000 حرف ولأن شهر رمضان هو شهر القرآن الكريم؛ فلنحسب معًا كم من الأجر يناله المؤمن في هذه الليلة إذا قرأ حرفًا واحدًا من القرآن الكريم. فبحسب المعادلة السابقة؛ فلكل حسنة أو طاعة أو خير تقوم به في هذه الليلة يساوي ثلاثين ألفًا في غيرها من الليالي, إذن فقراءة حرف واحد من القرآن = 30000 حرف؛ (بل ربما أكثر) في غيرها من الأيام, وبما أن الله تعالي يقول: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) [الأنعام: 161]، فهذا يعني كأنك قد قرأت ثلاث مئة ألف حرف حسنة ب 30000 × 10 أمثال = 300000 حسنة (بل ربما أكثر). وحينما يقول الله تعالى عن ليلة القدر أنها (خيرٌ من) فهذا يعني أن كل حرف تقرأه في هذه الليلة تنال بسببه أجرًا أكبر من ثلاث مئة ألف حرف، وإذا علمنا أن عدد حروف القرآن الكريم هو أكثر من ثلاث مئة ألف حرف بقليل، فهذا يعني أنك قد قرأت القرآن كله. فقد ذكر ابن كثير في تفسيره عن مجاهد رحمه الله أنه قال: هذا ما أحصيناه من القرآن الكريكم؛ وهو: ثلاثمائة وعشرون ألفًا وخمسة عشر حرفًا. وأما كلمات القرآن فهي: سبعة وسبعون ألف كلمة وأربعمائة وتسع وثلاثون كلمة. وأما آياته فهي: ستة آلاف آية واختلف فيما زاد على ذلك على عدة أقوال فمنهم من قال: مائتا آية وأربع آيات، وقيل: أربع عشر آية، وقيل مائتان وتسع عشرة آية، وقيل مائتان وخمس وعشرون آية أو ست وعشرون، وقيل مائتان وست وثلاثون آية. وأما سور القرآن فهي: مائة وأربع عشرة سورة. فلنتخيل معًا كم الخير الذي تحظى به إذا قرأت سورة (قل هو الله أحد) في هذه الليلة؟ إن هذه السورة مع البسملة التي في أولها تتألف من 66 حرفًا، فإذا ما قرأتها فكأنك قد قرأت القرآن 66 مرة. وقد لا تصدق أن الله تعالى ترك باب الأجر مفتوحًا أمامنا، فأي رقم نتصوره هو أقل مما سنناله فعلًا من الأجر فيما لو أدركنا هذه الليلة العظيمة وقدمنا فيها شيئًا لله تعالى؛ سواء من عبادات أو خيرات. كيف ندرك ليلة القدر؟ من محبّة النبي الكريم لأمته وحرصه عليهم لم يحدد لهم هذه الليلة، بل تركها ليجتهدوا في طلبها ولا يهملوا بقية ليالي رمضان، ولكنه اختصها على الأغلب في الليالي العشر الأخيرة من رمضان. ولكي ننال أجر هذه الليلة العظيمة فلنقرأ في كل ليلة شيء من القرآن الكريم مهما كان قليلًا، ولا نترك أي ليلة تمر دون أن نقرأ القرآن، ونحن نأمل ونطلب من الله تعالي أن يعطينا أجر ليلة القدر؛ وسوف ننال الأجر برحمة ومشيئة الله. وكذلك فلو دعوت الله في هذه الليلة أن يرزقك؛ فكأنما دعوت الله ثلاثين ألف مرة, فلنجتهد في الدعاء بصدق وإخلاص. وأيضا فكل ركعة تصليها في هذه الليلة؛ فكأنك صليت أكثر من ثلاثين ألف ركعة. ولو أنك عفوتَ عمَّن أساء إليك في هذه الليلة؛ فكأنما عفوتَ ثلاثين ألف مرة. وإذا تصدقت بجنيه في هذه الليلة؛ فكأنما تصدقت بثلاثين ألف جنيه، والحسنة بعشر أمثالها، أي كأنك تصدقت بثلاث مائة ألف دفعة واحدة. وحين تصل رحمك لدقائق معدودة، كأن تذهب لتطمئن على أمك أو أختك أو خالتك أو من خلال الهاتف اطمأننت على أحد منهم، أو على أخ لك في الله.. فكأنما وصلت الرحم ثلاثين ألف مرة بل وأكثر. فما كل هذا الخير والثواب العظيم في هذه الليلة الرائعة المباركة, وما أعظمك وأرحمك يا ربنا يا الله.... اللهم بلغنا جميعا ليلة القدر.. دعاء معاذ زغبي إخراج غادة بهنسي