تنشر "بوابة الأهرام" علي مدار أيام شهر رمضان المبارك، سطورا مختصرة، عن أئمة ومشايخ الأزهر الشريف.. ونتناول اليوم السيرة الذاتية للشيخ محمد مصطفى المراغي. الشيخ المراغي أصغر أئمة الأزهر الشريف: فقد ولد الشيخ المراغي فى 7 ربيع الآخر 1298ه - 9 مارس1881م بالمراغة مركز سوهاج بصعيد مصر، من أسرة عريقة في خدمة العلم والقضاء، حفظ القرآن الكريم في كتاب القرية وهو في سن العاشرة من عمره، ثم لقنه والده قسطاً من المعارف الدينية، ثم انتقل إلى مدينة طهطا بمحافظة سوهاج حيث تزود من مشايخها ببعض المعارف الإسلامية، ولنجابته بعث به والده إلى القاهرة لطلب العلم فى الجامع الأزهر الشريف. كما التحق بالأزهر في سن الحادية عشرة من عمره، وتلقى العلوم على أيدي كبار علماء عصره ، وفي مقدمتهم الشيوخ علي الصالحي، ودرس عليه علوم العربية وتأثر بأسلوبه في التوضيح والبيان، ودسوقي عربي، ومحمد حسنين العدوي، ومحمد بخيت المطيعي، وأبي الفضل الجيزاوي، كما اتصل بالشيخ محمد عبده فتفتحت على يديه مواهبه العقلية وظل وثيق الصلة به سائرا على نهجه في التجديد والإصلاح . وفي 12 ربيع الأول 1322ه/27 مايو1904م تقدم المراغي لامتحان الشهادة العالية فكان ترتيبه الأول على دفعته، وكان الشيخ محمد عبده ضمن لجنة الممتحنين. وعقب تخرجه عمل بالتدريس في الأزهر لفترة ستة أشهر، ثم تولى قضاء دنقلة في السودان في عام 1322ه - 1904 م، وتتلمذ على يديه الكثير من أبناء الجنوب، ثم نقل قاضياً لمديرية الخرطوم في عام1325ه - 1907 م، إلا أنه اختلف والسكرتير القضائي البريطاني، حين أصر على مساواة رواتب القضاة المصريين بأمثالهم من البريطانيين، فآثر المراغي أن يستقيل ويعود إلى مصر في العام ذاته. أما في الثاني من شعبان سنة 1325ه - التاسع من سبتمبر 1907م، فقد تم اختيار الشيخ المراغي مفتشا للدروس الدينية بديوان وزارة الأوقاف بمصر، وقد تولى التدريس بالأزهر مرة أخرى في تلك الفترة، فذاع صيته بين الطلبة الذين أقبلوا حول حلقته، حيث اتسمت دروسه بالبحث عن الحقيقة والوصول بعقلية السامع إلى فنون الأدب ونواحي الفلسفة. وفي عام 1326ه - 1908م طلب سلاطين باشا ( وكيل حكومة السودان ) إلى الشيخ المراغي أن يعود قاضياً للقضاة، فاشترط المراغي أن يكون تعيينه بمرسوم يصدر من خديوي مصر وليس من الإنجليز، واستجابت له الحكومة الإنجليزية. وقد صدر قرار تعيينه قاضياً لقضاة السودان في 4 رجب 1326ه - أول أغسطس 1908م، وفي السودان أصر المراغي على أن يختار المذاهب والآراء والاجتهادات الفقهية التي يحكم بموجبها القضاة، فكان المؤسس الحقيقي للقضاء الشرعي بالسودان. وعلى أثر قيام ثورة 1338ه/1919م، وقف المراغي مساندا للثورة الوطنية في مصر سنة 1919، وأرسل نداء بالاكتتاب للمصريين في السودان؛ لمساندة ضحايا الثورة في مصر، واستطاع جمع ستة آلاف من الجنيهات، ولم تفلح جهود الإنجليز في إثنائه عن مساندة تلك الثورة، ومن ثم سعوا لنقله من السودان، عاد المراغي إلى مصر. وتدرج الشيخ في مناصب القضاء ففي عام 1338ه - 1919م تم تعيينه رئيساً للتفتيش الشرعي بمحاكم مصر الشرعية ، وفي العام التالي عين رئيساً لمحكمة مصر الكلية، وفي العام الذي يليه عين عضواً بالمحكمة الشرعية العليا. وفي جمادى الأولى 1342ه - ديسمبر 1923م عين رئيساً للمحكمة الشرعية العليا، وقام بعدَّة إصلاحات مهمَّة في مقدمتها تشكيل لجنة لتنظيم الأحوال الشخصية برئاسته، ووجه اللجنة إلى عدم التقيد بمذهب الإمام أبى حنيفة إذا وجدت فى غيره ما يناسب المصلحة العامة للمجتمع. وقد نال الشيخ المراغي عضوية هيئة كبار العلماء فى 7 ربيع الأول 1343 ه - 16 أكتوبر 1924م. وفي عام1346ه - 1928 م تم تعيينه شيخًاً للأزهر وهو في السابعة والأربعين من عمره، وبذلك يكون أصغر من تولى المشيخة، وكان مهتماً بإصلاح الأزهر، وعندما حالت العقبات بينه وبين ما أراده من إصلاح استقال من منصبه في عام 1347ه - 1929م. - في شهر محرم 1354ه - أبريل 1935م أعيد تعيين المراغي شيخاً للأزهر على أثر المظاهرات الكبيرة التي قام بها طلاب الأزهر وعلماؤه، للمطالبة بعودته لمشيخة الأزهر لتحقيق ما نادى به من إصلاح. كما حرص على أن يضم فقرة إلى قانون الأزهر نصها "أن خريجي كلية اللغة العربية وكلية الشريعة صالحون للتدريس في المدارس الحكومية"، كما حدد منهجاً علمياً دقيقاً لدراسة المنطق والفلسفة وآداب البحث والمناظرة وعلم النفس وعلم الأخلاق في كليات الأزهر، وكانت كلية أصول الدين منبعاً لهذه الدراسات، وبذلك لبى الأزهر روح العصر واتصل بالعلوم الأخرى. وأسهم الشيخ المراغي، في إنشاء العديد من الهيئات الجديدة بالأزهر، ومنها: قسم الوعظ والإرشاد، ولجنة الفتوى، كما أدخل تعديلات على جماعة كبار العلماء، واشترط لعضويتها أن يكون العضو من العلماء الذين لهم إسهام في الثقافة الدينية، وأن يقدم رسالة علمية تتسم بالجرأة والابتكار. و دعا المراغي إلي التقريب بين المذاهب الإسلامية والتقريب بين طوائف المسلمين، وبذل في سبيل ذلك الكثير، وتلخصت آراؤه للتقريب بين المذاهب والأديان من خلال بحث بعنوان( الزمالة الإنسانية والأخوة العالمية ) ألقاه أخوه عبد العزيز المراغي في مؤتمر لحوار الأديان بلندن عام 1936. وفي الهند، أهدي له المسلمون هناك، وساماً لما قام به من أعمال جليلة هناك، وأذاعت الجمعيات الإسلامية في الهند الأعمال التي قام بها لنشر الإسلام . وقد توفي الشيخ المراغي في 14 رمضان 1364ه - 22 أغسطس 1945م وفي الأزهر الشريف أقيمت صلاة الجنازة على جثمانه في مشهد مهيب، كما صلى عليه المسلمون في الكثير من دول العالم صلاة الغائب.