ألقى الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، أمام مجلس النواب أمس السبت، كلمة بليغة بمناسبة أداء اليمين الدستورية، حرص خلالها على إبراز قيمة الثقافة والهوية المصرية الجديدة، ووضعها على أبرز أولوياته، إذ قال "كنز أمتنا الحقيقة هو الإنسان الذي يجب أن يتم بنائه على أساس شامل ومتكامل بدنيًا وعقليًا وثقافيًا، بحيث يعد تعريف الهوية المصرية من جديد بعد محاولات العبث به، وستكون ملفات وقضايا التعليم والصحة والثقافة في مقدمة اهتماماتي، من خلال إطلاق حزمة من المشروعات والبرامج الكبرى على المستوى القومي". حديث الرئيس السيسي حول الثقافة وإدخالها ضمن حزمة المشروعات القومية والبرامج الكبرى، يعيد للمثقفين حلمهم الذي باتوا يحلمون بعودة اهتمام الدولة المصرية بالثقافة والمثقفين وأصحاب الكلمة والفكر والرأي، يتساوى فيها الكتاب مع كسرة الخبز، وكانت هذه قراءة بعض المثقفين المصريين لكلمة الرئيس حول الثقافة في حديثهم ل"بوابة الأهرام". قال الكاتب حلمي النمنم، وزير الثقافة السابق، إن كلمة الرئيس التي ألقاها أمس السبت بمجلس النواب، تنبني على مشروعه التي تبناه في خلال السنوات الأربع الماضية، حيث شهدت تلك السنوات إصلاحات كاملة على مستويات عدة وبخاصة الإصلاح الثقافي، مشيرًا إلى أن بناء إنسان مصري شامل – بحسب قول الرئيس السيسي – لن يتحقق إلا بالجانب الصحي/ الطبي (العقل السليم في الجسم السليم)، والتعليمي وكذلك بالثقافة والوعي وقبول الآخر. ورأى وزير الثقافة السابق، أن الرئيس السيسي أشار إلى معنى مهم أيضًا حينما قال "مصر تتسع للجميع، للمؤيد والمعارض"، لكنه استثنى هؤلاء الذين يمارسون العنف ويعبثون في أرض الوطن، وقال "النمنم": "معنى حديث الرئيس أنه يؤمن بالتعددية والتنوع والاختلاف، ولكي نصل إلى هذه الحالة الرفيعة من قبول الآخر واستيعابه، لابد من نظام تعليمي وثقافي قائم على الإبداع لا الحفظ والتلقين والتكرار". ورأى الكاتب يوسف القعيد، عضو مجلس النواب، إنه لأول مرة يعتبر الرئيس السيسي الثقافة من المشروعات القومية التي لها أولولية مطلقة باعتبار أنها ذات أهمية في مواجهة التطرف والإرهاب، وأشار "القعيد" إلى ربط التعليم بالثقافة، ينم عن وعيه الشديد بأهمية الثقافة وربطها بالتعليم، لأن وجود أفراد متعلمين يسهل عملية استيعاب المنتج الثقافي، لذلك تبرز أهمية وجود مشروع قومي لمحو الأمية بشكل حقيقي وأكثر انتشارًا. فيما قال الدكتور علاء عبدالهادي، رئيس اتحاد كتاب مصر، "أنصت بانتباه شديد إلي كلمة الرئيس السيسي، وقد سعدت باهتمامه باستعادة تأسيس البنية التحتية للثقافة لأنه لا يمكن لمشروع اقتصادي أن ينجح دون وعيًا ثقافيًا، وظهر هذا الوعي بجلاء في تأكيده حول بناء الهوية المصرية الجديدة وهو موضوع ثقافي دون منازع، ويطرح رؤية عميقة للهوية بناءة، لا يقوم على المعطى التاريخي فحسب أي أنه لا يستهدف بناء حضاريًا بقدر ما يستهدف خلقًا فاعلًا لهوية مصرية تستطيع أن تتحدى ظرفها الحضاري المعيشي ومن هنا كانت ايمانه بان يذكر التعليم". وأعتبر رئيس اتحاد كتاب مصر، أن هناك ثلاثة مفاتيح في الخطاب، أولًا؛ بناء بنية تحتية للثقافة، ثانيًا الاهتمام الخاص بالتعليم، وثالثًا دمج التعليم بالثقافة لبناء هوية مصرية جديدة. كما أشار "عبدالهادي" إلى حديث الرئيس عبدالفتاح السيسي حين قال "إنني رئيس لكل المصريين، من يتفق معي ومن يختلف"، وهو بذلك يمنح مساحة حرية واحترام النقد البناء، كما يؤكد على ما نص عليه باب الحريات في دستور مصر في حق المواطن، وحريته في الكتابة والنشر. وقال "خطاب الرئيس كان واعيًا على نحو كبير بالفرق بين الاختلاف في الرأي والانتماء إلى تنظيم يهدد الوطن". وأكدت الكاتبة فريدة النقاش، في حديثها ل"بوابة الأهرام"، أن الاهتمام بالثقافة يقتضي أن نتوافق على مفهوم ثقافى في بادئ الأمر، كما لا يمكن أن تتقدم الثقافة إلا بالتعليم الجيد والمتوازن الذي يساوي بين كل المصريين، فواقعيًا التعليم في مصر ينقسم بين ديني ووطني ودولي وأمريكي وألماني وفرنسي وياباني، وكل هذه الأشكال من التعليم الأجنبي مخصصة للأغنياء. المسألة الثانية – كما تضيف "النقاش - هي ميزانية الثقافة والبحث العلمي واللتان قد خصص الدستور لهما نسبة محددة ولكن الميزانية الأخيرة لمصر لم تلتزم بهذه النسب المتواضعة، وقالت "نحن مثلًا في وزارة الثقافة نعرف أن 80 % من الميزانية تذهب إلى الأجور، وبالتالي تتبقي أموال ضئيلة جدًا، والمفروض أن تكون الأجوار من اختصاص وزارة المالية. أما القضية الثالثة؛ هي الحريات العامة في مصر، فهناك ضرورة لأن يتخذ الرئيس قرارًا حاسمًا بتعديل قانون العقوبات وإلغاء كل القوانين المقيدة للحريات في مصر. وفيما يتعلق بحديث الرئيس السيسي عن الهوية، قالت "الرئيس ركز على موضوع الهوية المصرية التي من المفروض أن نعيد تعريفها، ونؤكد عليها وهذا توجه جميل لكن ليس له أساس واقعي بدليل أن أول عنصر لتشكيل هوية الشباب والصغار، يبدأ من التعليم الذي هو أصلًا منقسم بين مدني وديني ووطني وأجنبي". وختم الشاعر فاروق جويدة، حديثه ل"بوابة الأهرام"، وقال" لا شك أن خطاب الرئيس السيسي تعرض لثلاث قضايا لها أهمية خاصة، أولًا؛ بناء الإنسان في المرحلة المقبلة، وهذا يعني بناء الفكر والشخصية وإعادة الانضباط للإنسان المصري في سلوكياته، ويدخل في ذلك قضايا التعليم، والثقافة، وهذه الجوانب الثلاثة تتطلب مسئوليات جديدة على مؤسسات الدولة. ومطلوب ثورة حقيقية في النهوض بالتعليم في مصر، ومطلوب مرحلة جديدة لإعلام أكثر وعيًا ومسئولية، ومطلوب ثقافة جادة تشكل إنسانا جديدًا، أكثر وعيًا، وأكثر تفاعلًا، فالتركيز على الإنسان في المرحلة المقبلة إنجاز ضرري، وقضية لا بد أن تحتل مكانة خاصة في أولويات مؤسسات الدولة". فريدة النقاش