يعتبر الدكتور عبد العزيز المخلافى من أكبر الخبراء المتخصصين فى العلاقات الاقتصادية العربية ألألمانية ، ومن خلال منصبه الذى يشغله كأمين عام لأكبر تجمع اقتصادى عربى فى العاصمة الألمانية برلين وهو غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية لديه رؤية شاملة عن آفاق وفرص التعاون الاقتصادى العربى الألمانى . ويرصد فى هذا الحوار الذى اختص به "بوابة الأهرام" أهم المتغيرات الاقتصادية فى ألمانيا ومصر والعالم العربى خلال عام 2017 كما يقدم توقعاته لفرص التعاون الاقتصادى العربى الألمانى فى 2018 . - كيف ترون باعتباركم خبيرا في العلاقات العربية الألمانية خاصة الاقتصادية حصاد عام مضى من التعاون الاقتصادي والتجاري العربي.. وماذا تتوقعون في العام المقبل؟ رغم التحديات التي تواجها دول المنطقة العربية وخصوصا في الدول التي تشهد تحديات سياسية وأمنية فإن العلاقات الاقتصادية العربية الألمانية تسير في طريقها الصحيح، إذ تتعزز هذه العلاقات على مختلف الصعد، صحيح أن قيمة التبادل التجاري بين الجانبين قد تراجعت بشكل طفيف نتيجة لعدة عوامل أهمها انخفاض أسعار النفط وعملية إعادة ترتيب الأولويات الاقتصادية والتنموية في أكثر من بلد عربي، إلا أن الشراكة الاقتصادية العربية الألمانية أصبحت أكثر تنوعا، متخذة أبعادا أكثر من مجرد التبادل التجاري للسلع والبضائع. فعلى سبيل المثال أصبح تأهيل وتدريب الكوادر العربية في مختلف المجالات جزءًا مهما في هذه الشراكة، وأتوقع أن تستمر العلاقات الاقتصادية الجيدة بين ألمانيا ودول العالم العربي في النمو مستقبلا انطلاقا من علاقات الثقة المتبادلة التي نشأت بين الجانبين خصوصا السمعة الجيدة التي تتمتع بها ألمانيا في العالم العربي وكذلك انطلاقا من مشاريع تنويع وتحديث الاقتصاد الجارية في أكثر من دولة عربية وبالذات فيما يتعلق بالصناعة التي تلعب فيها ألمانيا دورا مؤثراً في العالم. - ما هي القطاعات والمجالات التي ترشحونها لزيادة التعاون الاقتصادي بين العرب وألمانيا؟ هنالك العديد من مجالات التعاون التي يمكن تطويرها لكن أبرز هذه القطاعات هي تلك المتعلقة بتطوير البنية التحتية الأساسية في دول العالم العربي خصوصا في مجال الطاقة وتنمية قدرت توليد الطاقة الكهربائية وكذلك مشاريع الطاقة المتجددة والتي تتمتع ألمانيا فيها بتكنولوجيا حديثة وبخبرة كبيرة، وهنالك العديد من المشاريع القائمة فعلا في دول العالم العربي والتي تساهم فيها الشركات الألمانية بدور أساسي ودعنا هنا نذكر مشروع تطوير قدرات التوليد الكهربائي الموجود في مصر حاليا والذي نُفذ جزء منه وسيتم الانتهاء من تنفيذ بقية الأجزاء في عام 2018م والهادف إلى رفع القدرة الكهربائية لمصر بحدود 14,400 ألف ميجاوات، والذي تقوم شركة سيمنز الألمانية بتنفيذه. كذلك تمثل قطاعات التدريب والتأهيل ونقل المعرفة والتكنولوجيا أحد أهم القطاعات التي تشهد نموًا في إطار الشراكة العربية الألمانية كما هو الحال أيضا في قطاع المياه والبيئة. - كيف تقيمون أداء الاقتصاد المصرى فى 2017؟ مصر تسير على الطريق الصحيح والإصلاحات الاقتصادية التي أجرتها الحكومة المصرية ساهمت بشكل رئيسي في تحسن الاقتصاد وارتفاع الاحتياطي النقدي في البنك المركزي وكذلك ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي والتي يتوقع البنك الدولي أن تتراوح ما بين 4-6% خلال الأعوام القادمة. وبالنسبة إلى الاستثمار في مصر وبعد إقرار قانون الاستثمار الجديد مع لائحته التنفيذية والتي من أهم مواده حق المستثمرين في تحويل الأرباح إلى الخارج واختصار إجراءات تسجيل المشاريع إلى يوم واحد وعبر نافذة واحدة، اعتقد بأن مناخ الاستثمار في مصر أصبح مواتيا وأكثر جاذبية للشركات والمستثمرين الأجانب، كما لا ننسى المنطقة الاقتصادية لقناة السويس التي تمثل أيضا نقطة جذب للاستثمارات، وهنك الآن العديد من الشركات الألمانية العاملة في مصر والتي تصل إلى 250 شركة توفر فرص عمل لحوالي 35 ألف موظف وعامل مصري ومنها على سبيل المثال شركة سيمنز وشركة تيسن جروب. وتعد قطاعات الطاقة والطاقة المتجددة والطرق وقطاع الاتصالات من القطاعات الواعدة في سياق التعاون الاقتصادي المصري الألماني بالإضافة إلى قطاع التعاليم والتدريب المهني وصناعة السيارات وغيرها من القطاعات التي تعكس أهمية مصر الاقتصادية. - هناك تقارير غير رسمية تتوقع هجرة أو هجمة لرؤوس الأموال القادمة من الخليج العربي خصوصا بحثا عن الاستقرار في ألمانيا ودول أوروبية أخرى.. ما هو رأيكم. ألمانيا تملك بيئة استثمارية مناسبة جدا، فلديها بنية تحتية جيدة جدا ولديها كل الكفاءات والخبرات المؤهلة لإقامة الأعمال والاستثمار بالإضافة إلى القوانين التي تشجع وتحمي الاستثمارات الأجنبية والمحلية، وهنالك بالفعل استثمارات عربية وخليجية كبيرة في ألمانيا وهي ليست جديدة بل تمتد إلى سبعينيات القرن الماضي وتبلغ استثمارات الصناديق السيادية والقطاع الخاص في ألمانيا حدود 100 مليار يورو، كما أن ما يميز الاستثمارات العربية أنها استثمارات لا تستخدم للمضاربة وإنما للاستدامة، وأبرز مثال على ذلك استثمار دولة الكويت في شركة دايملر-بنز والذي يمتد لأكثر من أربعين عاماً، هذا من ناحية، من ناحية أخرى توقع "هجرة" لرؤوس الأموال من المنطقة قد يكون مصطلح مبالغ فيه نوعا ما حيث إن معدلات نمو الأعمال العالية في منطقة الخليج العربي والناتج عن المشاريع القائمة لتنويع الاقتصاد بالإضافة إلى مشاريع تطوير البنية الأساسية الإستراتيجية تمثل فرصا استثمارية لرؤوس الأموال المحلية التي لا أعتقد أنها ستفوتها وهو الحال في دول أخرى كمصر، السودان، الجزائر والمغرب. - كيف ترون أداء الاقتصاد الألماني في 2017.. هل سيتسمر في معدل نمو إيجابي خاصة قطاع الصادرات في 2018. التوقعات تذهب إلى أن يحقق الاقتصاد الألماني نمواً خلال هذا العام 2017م بمعدل 2,3% وبزيادة عما كان الخبراء الاقتصاديون يتوقعونه، كما ستبلغ الزيادة في الصادرات الألمانية في هذا العام، وبحسب توقعات خبراء اتحاد الصناعات الألماني، نسبة 5% وهو ما يعني أن أداء الاقتصاد الألماني كان جيدا بأكثر مما كان متوقعا. - فيما يبدو أن الائتلاف الكبير سيعود مرة أخرى لحكم ألمانيا ولكن هذه المرة بشروط لشولتس زعيم الحزب الديمقراطي الاشتراكي تركز على حزمة تشريعات لمصلحة الطبقة العاملة والأقل دخلا مثل نظام الضرائب وقوانين العمل ورعاية الأسرة ... فهل يمثل هذا أنباء غير سارة لمجتمع الأعمال في ألمانيا؟ عودة الائتلاف الكبير بين أحزاب الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي الديمقراطي وما قد يترتب عليه من تغيرات على نظام الضرائب والنفقات الاجتماعية لا يعد بالضرورة أنباء غير سارة لمجتمع رجال الأعمال بل على العكس من ذلك حيث نعلم جميعا أن الإعفاءات الضريبية وزيادة النفقات الاجتماعية تعني أيضا في نفس الوقت توافر أموال أكثر لدى المواطنين وبالتالي زيادة الميل لديهمإلى الإنفاق والاستهلاك وما يعنيه ذلك من زيادة الطلب على السلع والبضائع والخدمات وهو ما سيمثل دافعا لزيادة الأعمال والنمو الاقتصادي خصوصا إذا علمنا أن الدورة الاقتصادية الداخلية في ألمانيا هي احد المحركات الأساسية لمعدلات النمو. - تتجه ألمانيا إلى أفريقيا من خلال عدد من المبادرات والمشروعات ما هي الأسباب وما هي الأهداف الحقيقية؟ تقوم مبادرة ألمانيا بالنسبة لدول أفريقيا على تقديم الدعم للدول التي تتبع إصلاحات اقتصادية بنحو 300 مليون يورو لدعم الإصلاحات التي تقوم بها بالإضافة إلى ضخ مزيد من الاستثمارات إلى اقتصاديات الدول الأفريقية من أجل رفع نسبة النمو وتوفير فرص عمل جديدة، الهدف الرئيسي من هذه المبادرة هو تحسين الأوضاع الاقتصادية لهذه الدول والحد من الهجرة القادمة منها نحو أوروبا، وهذه المبادرة تعد إضافة جديدة لبرامج التعاون الثنائي الألماني حيث تعد ألمانيا من أهم المانحين لدول إفريقيا، كما أن علينا أن لا ننسى أن إفريقيا تمثل مصدرا مهما من مصادر المواد الأولية بالإضافة إلى كونها تمثل سوقًا كبيراً للصادرات الألمانية. - هل يمكن أن يكون اللاجئون السوريون إضافة للاقتصاد الألماني أم عبئا عليه؟ هذه المسألة تعتمد إلى حد بعيد على مدى النجاح الذي سيتم تحقيقه في عملية دمج اللاجئين وإدخالهم إلى سوق العمل في ألمانيا، فهناك في ألمانيا في الوقت الحالي حوالي 800 ألف وظيفة شاغرة وإذا ما تلقى اللاجئون التدريب والتأهيل المناسب أعتقد أنهم سيسهمون في تغطية جزء مهم من هذا النقص في اليد العاملة وهو ما سينعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد الألماني. وتذهب الدراسات إلى أن استيعاب اللاجئين في الاقتصاد الألماني يتطلب مرحلة تمتد ما بين 5-7 سنوات حتى يتم دمجهم في سوق العمل بشكل كامل، كما أن الأمر لا يتوقف على هذا وحسب ولكن أيضا على التحديات المتعلقة بالاندماج في المجتمع الألماني واستيعاب العائلات والأطفال في نظم التعليم. - هل ألمانيا مستفيدة من استمرار التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة العربية خصوصا سوريا وليبيا؟ قطاع الصناعات الدفاعية في ألمانيا ليس من ضمن القطاعات الصناعية الرئيسية حيث يبلغ عدد المشتغلين فيه بشكل مباشر أو غير مباشر في حدود 93 ألف موظف وبإيرادات تقترب من 25 مليار يورو في العام وبالتالي فإن أثره على الاقتصاد الكلي ليس بتلك الأهمية حتى تندفع ألمانيا لفتح أسواق جديدة أو توسيع أسوقها القائمة، كذلك علينا أن نعلم أن أغلب صادرات ألمانيا من الأسلحة تذهب لدول مثل اليونان وكوريا الجنوبية وتركيا كما أن صادرات السلاح تحظى بمراقبة مشددة من قبل الحكومة الألمانية فبالتالي فإن القول بأنها مستفيدة من استمرار التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة ليس دقيقا. أما بالنسبة إلى ليبيا فأولا : الشركات الألمانية كان لها وجود قبل الأحداث التي حصلت هناك وبالتالي فإن عودتها إلى العمل في ليبيا تأتي في السياق الطبيعي، ثانيا: تمثل ليبيا اليوم ومع الحاجة القائمة إلى إعادة الإعمار سوق مهمة للاستثمار وإقامة الأعمال وأعتقد انه من الطبيعي والمنطقي أن تسعى الشركات الألمانية للفوز بأكبر قدر ممكن من العقود واتفاقات التعاون المشتركة. المخلافى خلال حواره مع محرر بوابة الأهرام