تباينت ردود أفعال الخبراء حول برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي أعلن عنه ممتاز السعيد، وزير المالية، منذ أيام قليلة.. فبينما أكد البعض إمكانية توفير مبلغ ال 11 مليار دولار التى يحتاجها تمويل البرنامج خلال العامين الماليين 2011-2012 و 2012-2013، لفت آخرون إلى أن ذلك سيزيد من ديون مصر، وهذه ليست مهمة الحكومة الانتقالية التي سيستمر عملها لأربعة أشهر كما هو مقرر، لأن مهمتها الرئيسية تسيير الأعمال وإعادة النظر فى السياسات الاقتصادية الفاشلة ومحاولة إصلاحها لتلبية احتياجات الثورة. قال الدكتور عبدالمطلب عبدالحميد، عميد البحوث والدراسات بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية: إن برنامج الإصلاح الاقتصادي هو برنامج قصير الأجل، ويمكن تنفيذه وتوفير المبلغ المقرر لذلك ، مضيفاً "وسيأتي ذلك من خلال توفير مزيدا من النقد الأجنبي من خلال بيع الأراضي للمصريين العاملين فى الخارج وقدرت قيمة الأراضي ب 15 مليار دولار، وممكن تحصيل جزء من ذلك المبلغ خلال تلك الفترة" ، مضيفًا أن فلسفة البرنامج إقناع صندوق النقد بقدرة مصر على سداد ديونها وإلتزامتها من خلال إعطائه مؤشرات إيجابية عن الاقتصاد المصري، وهو ما سيجعل باقي الدول تقدم مساعدات لمصر متمثلة فى شكل قروض بعد اطمئنان صندوق النقد بقوة الاقتصاد المصري. وأوضح "عبد الحميد" أنه يمكن توفير مبلغ التمويل "11 مليار دولار" من خلال قرض صندوق النقد وقيمته 3 مليارات و200 مليون دولار ، متابعا "و2 مليار دولار من البنك الدولي نكون وفرنا ما يقرب من 50% من قيمة المبلغ، والباقى عن طريق تنمية موارد النقد الأجنبي خلال هذه الفترة"، مشيرا إلى أن ذلك "البرنامج" مناسب لتلك المرحلة رغم أن القائم على وضعه حكومة انتقالية. وقال "عبد الحميد": إن الحكومة القادمة لا يجوز أن تبدأ من الصفر، ولكن يجب عليها أن تبدأ من محل ما انتهت إليه الحكومة الانتقالية، وتواصل تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي، وإذا رأت إدخال بعض التحسينات عليه أو تطويره عليها أن تفعل ذلك، مضيفا "فالاقتصاد المصري حدثت فيه تنمية بالفعل ولديه قدرات كبيرة على التنمية ، لكن الفساد وعدم تحقيق العدالة الاجتماعية جعله ينحرف عن مساره ، والمطلوب هو تصحيح الوضع الاقتصادي ومحاولة الوصول إلى مرحلة الاستقرار، وتحقيق المزيد من معدلات التنمية من خلال القضاء على الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية". أما رضا عيسى، الخبير الاقتصادي، فأكد أنه ليس من حق الحكومة المؤقتة عمل برنامج إصلاح اقتصادي يحتاج تنفيذه إلى سنوات ويتطلب ضخ أموال كثيرة ، مشيرا إلى أن دورها يقتصر فى البحث فى سبب تدهور الاقتصاد وإيجاد الخلل به من أجل تصحيح المسار، قائلا "السياسة الاقتصادية بها فشل وعجز يتزايد كل عام ، فالعجز الذي قدر ب 134 مليار جنيه فيه 106 مليارات جنيه عبارة عن فوائد لقروض، فالفوائد قدرت حتى عام 2004 ب 36 مليار جنيه، واليوم وصلت 3 أضعافها، فالإقتراض من الخارج سيؤدي لمزيد من العجز والديون ، بالإضافة إلى أن الجميع يتحدث عن القروض الخارجية ولم يتحدث أحد عن الدين الداخلي الذي يقدر ب 900 مليار جنيه". وأضاف "فى حال تطبيق البرنامج والإعتماد على القروض لتمويله لن يؤدي ذلك إلى بيع الجيال القادمة التى ستكون مطالبة بسد القروض والفوائد" ، مشيرا إلى أن الحكومة الإنتقالية مهمتها إعادة النظر فى السياسات الاقتصادية التى أدت إلى الثورة بدلا من السير على نفس نهج الحكومات السابقة، على حد قوله، قائلا "وأقصى حلم ممكن أن تفعله تلك الحكومة هو إعادة ترتيب البيت من الداخل لتلبية مطالب الثورة ، فقانون الضرائب الذي وضعه بطرس غالي مازال يحكمنا، وقانون الاحتكار الخاص بأحمد عز مازال موجودا ، ومازلنا نعتمد على السياحة وبيع الأراضي كما كان يفعل المغربي، باختصار مازلنا نعتمد على النظام الريعي غير المنتج". وأضاف "عيسى" أن الحكومة ستوفر تمويل البرنامج من خلال الاقتراض من الخارج سواء كان صندوق النقد بشروطه والذي سيعطي الضوء الأخضر ويجعل باقى الدول تقدم قروضا لمصر، قائلا "وبالتالي سترتفع فاتورة ديوننا الخارجية وفوائد القروض" ، مضيفا "مع العلم أننا ندفع يوميا 300 مليون جنيه كفاتورة فوائد للديون فقط، إضافة إلى أن القروض التى حصلت عليها مصر من 11 فبراير 2011 يطلق عليها قانونيا قروضا كريهة لأن الحكومة التى تفاوضت على الإقتراض وحصلت عليه ، حكومة غير منتخبة". ومن جانبه، أشار الدكتور شريف دلاور، الخبير الاقتصادي، إلى أنه لم يتم الإعلان حتى الآن عن خطوات ذلك البرنامج، قائلا "الحكومة صرحت بأنه خلال إسبوع سيتم الإعلان عن خطوات البرنامج ولم يعلن عنه حتى الآن، فالبرنامج يحتاج إلى الإعلان عن الخطوات وتقديم الموازنات"، مضيفا "لكن إذا شمل البرنامج بعض الخطوط التى يتفق عليها كل الأحزاب والقوى السياسية فسيكون جيدا". وأضاف "دلاور" أنه من الممكن أن تضع حكومة إنتقالية خطة لبرنامج إصلاح اقتصادي تأخذ منه الحكومة القادمة ما يتفق ورؤيتها الاقتصادية وتترك ما لا يتفق معها، مضيفا "وأعتقد أن ذلك يساعد الحكومة القادمة ويمهد لها الطريق لوضع برنامج أفضل". وأشار إلى أن مبلغ التمويل الذي يقدر ب 11 مليار دولار، هو مبلغ قليل جدا بالنسبة للبرنامج، قائلا "ال11 مليار دولار هو عجز حالي يحتاجه الاقتصاد المصري بشكل ملح وليس مبلغا لبرنامج اقتصادي ينفذ على مدار سنوات" ، مضيفا "وهذا المبلغ إذا استقرت الأوضاع السياسية يمكن تحصيله من السياحة ومن تحويلات المصريين فى الخارج التى تقدر ب 10 مليارات دولار". وأشار "دلاور" إلى أن حكومة الجنزوري وضعت أسس جيدة للاقتصاد المصري، موضحا "الحكومة الانتقالية بدأت تعالج المشاكل الاقتصادية بشكل جدي حتى وإن وضعت برنامج إصلاح اقتصادي ضعيف"، مضيفا "وأعتقد أن الحكومة القادمة التى ستشكل بشكل رئيسي من أعضاء حزب الحرية والعدالة ستكون قادرة على جلب إستثمارات من الخارج والداخل لأن جماعة الإخوان فى العالم العربي والغربي ستساعد الإخوان فى مصر بشكل جدي"، متابعا " وأعتقد أيضا أن كل المؤشرات جيدة بالنسبة لوضع الاقتصاد المصري فى 2012".