أن يعرف الفنان كيف يحترم جمهوره، ويقدر ذوقه ومزاجه العام، بل أن يعرف قيمة الدولة التي يقف على مسرحها، ويعترف بفضلها عليه، أمر قلما يحدث هذه الأيام، وسط حالة التخبط الكبيرة التي تعيشها سوق الغناء العربي بشكل عام، وهو ما نجح من خلاله الفنان رامي عياش ليلة أمس في تحقيقه، في حفل عودته لمهرجان الموسيقى العربية. غياب رامي عياش السنوات الماضية عن مسرح دار الأوبرا المصرية لم يؤثر على حالته الفنية، واللياقة التي يقف بها أمام جمهوره المصري، بعكس آخرين كانت عودتهم لمسرح الأوبرا بعد سنوات غير موفقة، ويبدو أن فترة غياب رامي جعلته يعود محملًا بخبرة كبيرة تمنحه الثقل الفني الذي يستطيع من خلاله إدارة حفله بثقة تمنحه النجاح. "الذكاء" كان هو كلمة السر في حفلة الفنان رامي عياش ليلة أمس بدار الأوبرا المصرية، الذي شهد تفاعلًا جماهيريًا من الجمهور المصري والجاليات العربية التي حضرت الحفل، هذا الذكاء الذي بدأ في افتتاحية حفله بغنائه السلام الجمهوري، وهي سابقة أولى من نوعها يقدمها مطرب عربي في حفله بالمهرجان على الأقل خلال السنوات الأخيرة في عمره، مما دفع الحضور للنهوض تقديرًا وإجلالًا للنشيد الوطني، وسط تصفيق كبير منهم، ليدمج بعدها رامي تحيته لمصر بغناء أغنيته "الله عليكي يا مصر"، ويتخللها في نهايتها تقديم مقطع آخر من النشيد الوطني. منح "عياش" التحية والتقدير لمصر، واعترف بفضلها عليه صراحة، حيث قال: "سعيد بوقوفي على خشبة هذا المسرح العريق، وشكرا لحكومة مصر على اهتمامها بشباب اليوم، ونأمل فى أن يكون هذا المهرجان حلقة تواصل بين مختلف الأجيال العربية، وأشكر مصر على التقدير التى تمنحني إياه منذ عشرين عاما". ولأن رامي عياش بات صديقًا للجمهور المصري، كان موفقا في اختياراته، سواء لأغاني التراث أو أعماله الغنائية الخاصة به، حيث قدم أغاني "يا صلاة الزين" للراحل سيد مكاوي، و"يوم وليلة" للفنانة الراحلة وردة، و"سواح" للعندليب عبدالحليم حافظ، والحقيقة أن اختيار "عياش" تقديم هذه الأعمال التراثية يمثل ذكاءً كبيرًا، لكونها غير متكررة الغناء على مسرح الأوبرا إلا على فترات متباعدة، بالإضافة لتوفيقه في الجمع بين ثلاثة من أهم الفنانين المصريين الذين أثروا في حالتها الفنية، حيث نال اثنان منهم شهرة واسعة، العندليب ووردة، بينما لم ينل سيد مكاوي حقه في التقدير الإعلامي المطلوب. أما أغاني "رامي" الخاصة به، التي قدمها بحفله، فقد وفق أيضًا في اختيارها، حيث جمع بين حالة الفرح والبهجة، مثل: مبروك، والنَّاس الرايقة، وخليني معاك، وقلبي مال، التي قدمها ضمن مجموعة "ميدلي" الخاصة به، وبين الغناء الرومانسي، بجانب اختياره واحدة من أهم أعماله في السنوات الأخيرة "بالعكس"، وهي النسخة المصرية من الأغنية الأجنبية الشهيرة "perhaps". ووفق "عياش" فى اختيار فنانة الأوبرا الشهيرة "أجفان"، لتقديمها معه، لإضفاء ملمح الخصوصية على الأغنية التي شاركته فيه الغناء سابقًا الفنانة عبير نعمة. الأغاني الأخرى التي قدمها "عياش" في حفله كانت ما بين "حبيتك أنا، وطال السهر، وسوا"، وأخرى نجح "عياش" خلالها في الجمع بين ثقافة المستمع المصري، من خلال تجويده للعُرب الغنائية في بعض المقاطع، والغناء الأوبرالي الذي منح فيه الفخامة في بعض المقاطع أيضًا بالشكل المعروف به من فوة الحنجرة وصلابتها. ويستكمل "رامي" حفله بمداعبات الجمهور والمايسترو بين الحين والآخر، بالإضافة إلى تحدثه مع زوجته التي كانت ضمن الحضور بالحفل، تأكيدًا لصداقته مع الجمهور المصري. حفل رامي عياش أمس خطوة وإضافة جديدة لقصة نجاحه مع الجمهور المصري، الذي بدا عليه الاشتياق لنجمه المفضل، وتأكيد لمشوار نجاح حققه الفنان على أرض مصر، التي بات يعترف بفضلها خلال غنائه أغنية وأخرى.