لم يعد العالم يرضى بفكرة سيطرة القطب الواحد اقتصاديًا أو سياسيًا أو عسكريًا، الذي يفرض نفوذه على المنظمات الدولية، وعلى سياسات دول العالم؛ لتصبح تابعة للقرار الأمريكي؛ حتى وإن كان يتعارض مع المصلحة الوطنية لتلك الدول. ولم تعد فكرة منظمة دول عدم الانحياز التي ظهرت للنور فى 1961 بزعامة مصر والهند ودولة يوجوسلافيا السابقة، بهدف التصدي لمحاولات الدولتين العظميين أمريكا والاتحاد السوفيتي المنحل للسيطرة على دول العالم من خلال معسكرين سياسيين غربي وشرقي، لم تعد فكرة مقبولة دوليًا؛ لعدم قدرة المنظمة على الصمود أمام قوة العملاقين الأمريكى والسوفيتي اقتصاديًا وعسكريًا. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتى في 1991 انفردت الولاياتالمتحدة بزعامة العالم، وأسقطت حكومات وأبادت أنظمة وقامت حروب؛ ولأن الاقتصاد الأمريكي يعادل بمفرده نحو 20% من اقتصاد العالم؛ فإن أمريكا وعملتها الدولار كانت لها الهيمنة على كل اقتصادات العالم حتى إن الخبراء الدوليين يقولون "إنه إذا عطست أمريكا أصيب العالم بالإنفلونزا"، ولم يرض العالم بتلك الهيمنة الظالمة، وفي الوقت نفسه احتاطت أمريكا لعدم ظهور تحالفات سياسية عالمية جديدة. ولم يكن أمام الدول الصاعدة في العالم ذات الاقتصادات الواعدة إلا أن تجتمع في تحالف اقتصادي يعطيها القدرة على حرية اتخاذ القرار لتنمية اقتصاداتها، وتحقيق الرفاهية لشعوبها بعيدًا عن التبعية السياسية والاقتصادية للقطب الواحد الأمريكي.. وفي 2001 بدأت مشاورات بين دول ما سمي فيما بعد بدول "بريك الأربعة" البرازيل وروسيا والصين والهند؛ ليظهر التجمع الذي يضم نحو 40% من سكان العالم في 2006، وانضمت دولة جنوب إفريقيا للتجمع في 2010؛ لتتحول "بريك" إلى "بريكس"، ويبلغ حجم الناتج المحلي للدول الخمس نحو 23% من الاقتصاد العالمي. وتصل التجارة البينية بين تلك الدول إلى نحو 17 تريليون دولار سنويًا. ويتميز "بريكس" بأنه تكتل اقتصادى تجاري سياسي يزداد قوة مع الأيام، وأحد أسباب قوته أنه ينفق على البحث العلمي والابتكار والتنمية التكنولوجيا؛ بما يعادل نحو 17% من حجم الاستثمارات الدولية على البحث والتطوير بما يعني مستقبلًا أفضل للاقتصاد الواعد في تلك الدول، ويتميز هذا التجمع أيضًا بأنه يستهدف تحقيق الاستقرار والأمن الدولي؛ من خلال آليات وأدوات للتشاور فيما بين الدول الأعضاء، والتنسيق بينها في المحافل الدولية والمواقف السياسية الإقليمية والدولية منها اجتماعات وزراء الخارجية، ومجلس الأمن الوطني لتلك الدول، والذي يضم مستشارين على مستوى عال من الكفاءة والخبرة. وتأتى أهمية زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للصين؛ للمشاركة في اجتماع القمة لرؤساء تلك الدول، بدعوة من الرئيس الصيني الذي سيرأس القمة، والتي من المقرر أن يلتقي خلالها الرئيس السيسي برؤساء الصين وروسيا والهند. وكما أن مصر تسعى للانضمام إلى هذا التجمع الواعد؛ فإن دول "بريكس" تنظر إلى مصر أيضًا باعتبارها صاحبة أقدم حضارة فى العالم مثل الصين والهند، وأنها الدولة الكبرى بين الدول العربية، ومن أكبر الدول الإفريقية والإسلامية؛ من حيث الإمكانات البشرية والاقتصادية والثقافية والعسكرية، وصاحبة الموقع الجغرافي الأكثر تميزًا في الشرق الأوسط، وفي قلب العالم، ويرشحها موقعها الجغرافي؛ لتصبح نقطة مهمة على طريق الحرير التجاري الذي تخطط الصين لإحيائه من جديد؛ ليربط التجارة بين آسيا وأوروبا وإفريقيا، وكل قارات العالم، خاصة بعد ازدواج قناة السويس والبنية الأساسية، وشبكة الطرق المتميزة التي أنشأتها مصر، والإصلاحات التشريعية، وخطوات الإصلاح؛ لتسهيل الاستثمار وإعادة هيكلة الاقتصاد المصري. ويضيف الاتفاق الذي وقعته مصر مع صندوق النقد الدولي وخطتها التي تسير بثقة وثبات وعزيمة للإصلاح الاجتماعي والاقتصادي نقاط قوة تؤهل مصر للانضمام إلى تكتل "بريكس"، وهو ما يؤكده تقرير "الاتفاق الاقتصادي العالمي" الصادر عن البنك الدولي، ويضع مصر فى المرتبة ال32 بين دول العالم؛ من حيث قدرتها الإنتاجية، بعد أن وصل حجم الناتج القومي إلى 347 مليار دولار، مقابل تراجع دولة جنوب إفريقيا، وهي عضو في "بريكس" إلى المركز ال42 من حيث ناتجها القومي، وبفارق يقترب من ال100 مليار دولار أقل من مصر. إن نجاح مصر في الاقتراب من تجمع ال"بريكس" خطوة مهمة للاندماج في واحد من أهم التكتلات الاقتصادية العالمية الواعدة؛ بما لديها من منظومات بنكية ومالية وقوى بشرية، ومنتديات لرجال أعمال دوليين، وتكنولوجيا متقدمة، ومنظومات تعليمية وصحية، وبحث علمي يمكن أن يحقق لمصر نقلة نوعية هائلة تستحقها مصر وشعبها.