تواصل "بوابة الأهرام" في الحلقة الثانية والأخيرة، في إطار الموضوعية واستعراض جميع الآراء المؤيدة والمعارضة، إذ تواصل رصد قراءات المثقفين والإعلاميين للبيان الصادر عن اجتماع أعضاء الهيئة الوطنية للصحافة مع رؤساء مجالس الإدارة ورؤساء التحرير بالمؤسسات الصحفية القومية، المعنون ب"رؤية حول دور الصحافة القومية في إيقاظ القوة الناعمة المصرية"، الصادر السبت الماضي، إذ أنه ركّز على دور القوة الناعمة في مصر، ومجهود المثقفين الذين وصفهم بأنهم "احتياطي الذات المصرية"، مؤكدًا عددًا من المبادئ الراسخة مثل الوحدة الوطنية، ورفض الصراع المذهبي، والتعايش السلمي، وغيرها من المبادئ. وجاء في البيان؛ "القوة الناعمة هي مفهوم صاغه "جوزيف ناي" من جامعة "هارفارد" لوصف القدرة على الجذب والضم، دون إكراه أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع، في الآونة الأخيرة، تم استخدام المصطلح للتأثير في الرأي الاجتماعي والعام وتغييره، من خلال قنوات أقل شفافية نسبيًا والضغط من خلال المنظمات السياسية وغير السياسية، ومع القوة الناعمة "أفضل الدعايات ليست دعاية"، وإنما "المصداقية أندر الموارد"، وأن الجبناء يهربون من الخطر، والخطر يفر من الشجعان، ومصر لم تكن يومًا إلا ميدانًا للشجعان، والشجعان هم من يحملون السلاح، وبجوارهم حملة مشاعل الوعي والتنوير، والكل يؤدي دوره في تناغم وانسجام". بداية، قال عبدالله حسن، وكيل الهيئة الوطنية للصحافة، إن كل الأطراف لهم الحق في أن يعبروا عن وجهة نظرهم حول بيان الهيئة عن "القوة الناعمة"، مشيرًا إلى أن البيان يستهدف تأكيد دور "القوة الناعمة" في مصر لاستعادة التراث الثقافي والأدبي، من خلال وسائل الإعلام والصحافة والإذاعة التليفزيون، الذين يقومون بدور مهم جدًا. ويرى "حسن" خلال حديثه ل"بوابة الأهرام"، أن القوة الناعمة في مصر تراجعت في السنوات الأخيرة بسبب الظروف السياسية، وفي الوقت نفسه المناخ لم يكن ملائمًا للإبداع الفني والأدبي، لذلك فإن البيان يستهدف ويسهم في إبراز المواهب، والشباب المبدع في كافة المجالات، كما يؤكد ضرورة تشجيع الشعراء والفنانين الشبان والأدباء في مختلف المجالات، باعتبار أن الفن والثقافة والسينما ضمن "القوة الناعمة". وأكد وكيل الهيئة أن مصر لها ثقل في أنحاء الوطن العربي من خلال اللهجة المصرية والثقافة والتراث المصري، وفنانيها ومبدعيها خير سفراء لمصر في الخارج من خلال أعمالهم الفنية، وقال: "نأمل كهيئة وطنية للصحافة، ونهيب بوسائل الإعلام أن يقوموا بدورهم في تبني المواهب؛ حتى تظهر "أم كلثوم"، "وحافظ إبراهيم" و"أحمد شوقي" وغيرهم مرة أخرى، وتستعيد مصر مكانتها، كما ندعو المعنيين أن يشاركوا في هذه المبادرة من أجل استعادة القوة الناعمة المصرية وتأثيرها". ورأت الكاتبة والإعلامية سكينة فؤاد، إن إيقاظ القوة الناعمة المصرية، هي مهمة كل المؤسسات الشريكة؛ فالقضية ليست قضية إعلام وحده - على أهمية دوره - ولكن مؤسسات الإعلام عليها أن تهتم في تكاملية مع المؤسسات الثقافية، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة الشباب والمؤسسات الشبابية؛ لأن - كما سبق وأشارت - "القضية قضية مجتمع بأكمله، التي يجب أن تتكامل في إحياء هذا الدور العظيم للثقافة الناعمة كرؤوس حربة لمواجهة كل ما دُس من أفكار مغلوطة ومحاولات محو الحضارة المصرية والاستنارة والعقل المصري والإبداع". تتفق "فؤاد" ضمنيًا مع بيان الهيئة الوطنية للصحافة، الذي ركّز على مبادئ إنسانية واجتماعية، إذ تقول: "إن الإبداع المتمثل في السينما والمسرح، يجب أن يصل عبر التقنيات الحديثة، ويكون أيضًا للمؤسسات القومية دور في إيصال أصوات "القوة الناعمة"، وهو ما أشار إليه البيان". ومع ذلك لا تتصور "فؤاد" أن الفكر المستنير وإعمال العقل ورفض التلقين، وإدراك قيمة العقل، وأن التفكير فريضة إيمانية، الذي يتمثل في القوة الناعمة، يُمكن أن يكون مهمة الإعلام فقط، فهو جزء من كل، إذ يجب أن تتحد جميع المؤسسات؛ سواء مؤسسات الدولة أو مدنية، وكذلك وزارة الثقافة، واتحاد الكتاب، والمؤسسات التربوية والشبابية وغيرها، إيمانًا منها بأن حدوث نهضة ثقافية يقتضي أن نعيد الثقافة كرغيف خبز ساخن للشخصية المصرية التي بتكوينها وبتراكم الحضارات هي عاشقة للفنون ومهد الإنسانية والثقافة. وفي ختام كلمتها، أكدت "فؤاد" خلال حديثها ل"بوابة الأهرام"، أن هذه القوة يجب أن تُفتح لها قنوات للاتصال، وإشراكها في مؤسسات صناعة الوعي، فلا يمكن لهذه القوة أن تطرق الأبواب دون طلب، فهي بحاجة إلى استثمار حقيقي، وهناك أيضًا محور مهم جدًا وهو إحياء التاريخ والجغرافيا، والتأكيد على الهوية ومعرفة الذات، ومواجهة محاولات التشكيك، وإيصال المبدعين والاهتمام بهم وبالأجيال الجديدة، والاهتمام بالجامعات والمعاهد والمدارس، ومعرفة ماذا يقدم للأجيال التي تتبع معاهد خاصة وجمعيات شرعية، ومعرفة كل ما يقدم للعقل المصري، مدى جودته واستنارته وارتباطه. واعتبر حاتم زكريا، الأمين العام لنقابة الصحفيين، أن تلاحم القوة الناعمة جزء لا يتجزأ من الصحافة، وتأكيد عمق التواصل بينهما مطلب عام، إذ إنه لا صراع بينهما، كما يشيع البعض، باعتبار أن القوة الناعمة المصرية على مختلف أشكالها، ثروة قومية يجب أن تُستثمر، كذلك تعد عصب المجتمع المصري. وأضاف "زكريا" لا تنحصر "القوة الناعمة" في المثقفين أو الكُتّاب أو الشعراء، إنما تبني رؤية ذات سعة أفق، إذ أنه يطلق تعريف "القوة الناعمة" على كل فكر مستنير، كمؤسسة الأزهر الشريف المؤسسة الدينية الوسطية، ويوضح "زكريا" أن تحقيق مبادئ بيان الهيئة الوطنية للصحافة يبدأ من أن كل فرد ومؤسسة تقوم بدورها في إطار مجالها، مع الالتزام بميثاق شرف المهنة. في السياق نفسه، اعتبر الروائي "ناصر عراق" أن مصر ستظل منارة هادية لكل ما هو جميل في الحياة، والمصريون القدماء عرفوا الطريق إلى وحدة الوجود، ووحدانية الإله بالتأمل والإبداع، واكتشفوا أن العدالة ضرورة قصوى لإقامة مجتمع عفي ومتطور، فقدسوا إله العدالة (ماعت)، لذا، فإن مصر الحديثة هي ابنة شرعية لمصر القديمة، وقد استقبل المصريون الدين السماوي بتنويعاته كلها بترحاب ومودة.. واحترموا الأنبياء أجمعين، إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم أفضل الصلاة والسلام.. لكن تدين المصريين وتوقهم إلى السماء لم يكن أبدًا حائلًا دون اهتمامهم بالحياة في الأرض.. فعملوا وأبدعوا ورسموا وغنوا وقدموا أجمل الإبداعات في المسرح والسينما والتليفزيون... الأمر الذي أسهم في انتشار الثقافة والإبداع والفنون المصرية في الدول العربية بيسر وسهولة. وختم "ناصر عراق" ل"بوابة الأهرام"، "وكان الأزهر في فترات ازدهار الإبداع المصري نموذجًا للفكر المستنير الخلاق، ورأينا كيف شجع الإمام محمد عبده الناس على ممارسة الرسم والنحت، ولم ير فيهما ما يبعد المسلم عن دينه.. ومن هنا وجب العمل على تعزيز هذه القوة من خلال تشجيع الآداب والفنون وتخصيص ميزانيات ضخمة، وإطلاق جوائز سخية تغري الشباب بالعودة إلى ممارسة الإبداع.. كذلك يجب الاهتمام إعلاميًا أكثر بالثقافة والإبداع، فمن أسف لا توجد قنوات فضائية تقدم برامج ثقافية جذابة.. ولا صحف كافية متميزة ولا مواقع مهمة.. وكل هذه الأمور في حاجة إلى تغيير السياسات في التعامل مع الشأن الثقافي... والاهتمام به بشكل أكبر من قبل الحكومة... كما ينبغي تطوير مناهج التعليم الديني؛ لتتواكب مع التطور الفكري، واسترداد الدور البهي للأزهر الشريف".