يُمكن اختزال البيان الصادر مؤخرًا عن اجتماع أعضاء الهيئة الوطنية للصحافة مع رؤساء مجالس الإدارة ورؤساء التحرير بالمؤسسات الصحفية القومية، في مضمون عنوانه "رؤية حول دور الصحافة القومية في إيقاظ القوة الناعمة المصرية"، إذ ركّز على دور القوة الناعمة في مصر، ومجهود المثقفين الذين وصفهم بأنهم "احتياطي الذات المصرية"، مؤكدًا على عدد من المبادئ الراسخة مثل الوحدة الوطنية، ورفض الصراع المذهبي، والتعايش السلمي، وغيرها. جاء في البيان؛ "القوة الناعمة هى مفهوم صاغه جوزيف ناي من جامعة هارفارد لوصف القدرة على الجذب والضم، دون إكراه أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع، في الآونة الأخيرة، تم استخدام المصطلح للتأثير على الرأي الاجتماعي والعام وتغييره، من خلال قنوات أقل شفافية نسبيًا والضغط من خلال المنظمات السياسية وغير السياسية، ومع القوة الناعمة "أفضل الدعايات ليست دعاية"، وإنما "المصداقية أندر الموارد"، والجبناء يهربون من الخطر، والخطر يفر من الشجعان، ومصر لم تكن يومًا إلا ميدانًا للشجعان، والشجعان هم من يحملون السلاح، وبجوارهم حملة مشاعل الوعي والتنوير، والكل يؤدي دوره في تناغم وانسجام". تحدثت "بوابة الأهرام" مع بعض المثقفين، للوقوف على هذا البيان وقراءته، ومنهم الأديب يوسف القعيد، و صلاح عيسى، وصلاح فضل، وأحمد فضل شبلول. في البداية أبدى البرلماني والأديب يوسف القعيد استحسانه من البيان، وموافقته مع مضمونه، إلا أنه رأى أن وزارة الثقافة والهيئة الوطنية للصحافة عليهما أن تقدما برنامجًا وخطة محكمة لتحويل هذه التوصيات والأمنيات إلى واقع. الإعلامي والشاعر أحمد فضل شبلول، قرأ البيان الصادر عن اجتماع أعضاء الهيئة الوطنية للصحافة مع رؤساء مجالس الإدارة ورؤساء التحرير بالمؤسسات الصحفية القومية، بأنه لا يحمل جديدا، فكل ما ذُكر في البيان بحد قوله، هو توصيف لما هو كائن فعلا، أو توضيح لما هو معروف لدى معظم الناس، لم أر رؤية مستقبلية حول كيفية توظيف القوة الناعمة لمصر والمصريين، ألا وهي الثقافة والفنون. فلم ير في البيان مثلا ما يشكو منه معظم المثقفين والكتاب بشأن تردي الأوضاع الثقافية في جرائدنا ومجلاتنا وقنوات إعلامنا. والدليل على ذلك تلك المساحة الضئيلة والصغيرة جدا التي تمنحها صحفنا اليومية للثقافة والفنون والتي هي القوى الناعمة التي ذكرها البيان. ويلاحظ "شبلول" أن أول شيء يلغي في حالة عدم وجود مساحة إعلانية كافية هو صفحات الأدب والثقافة والفنون، بدلًا من إلغاء صفحات الكرة أو الصفحات الرياضية عامة. فبدلًا من التشجيع على زيادة صفحات وجرعات الثقافة والفن في صحفنا الكبرى نجد العكس هو ما يحدث، ولم يشر البيان إلى ذلك من قريب أو بعيد. أيضا لم نجد في البيان أية إشارة إلى ضرورة إنتاج برامج ثقافية كبرى مثل برنامج "أمسية ثقافية" الذي كان يعده ويقدمه الشاعر الراحل فاروق شوشة. وقد يقول قائل إن توجد الآن قناة ثقافية كاملة هي قناة النيل الثقافية قد يكون بها تعويض عن برنامج فاروق شوشة مثلا، لكن هذه القناة لا تكافئ أبدا المتحدثين فيها من كتاب وأدباء ومثقفين وفنانين بأي مكافآت مالية – ولو رمزية - تعوضهم عن الحضور إلى مبنى ماسبيرو العملاق، أو الاستوديو الكائن في المقطم. ويتساءل "شبلول": "كيف يؤدي المثقف دوره المنوط به في ترس القوى الناعمة دون أن يحصل على ما يستحقه وما يعوض به وقته في الحضور والمشاركة، في حين أن جميع الأطراف الأخرى تتقاضى أجرها عن عملها من مخرج ومعد ومصور ومهندس صوت وإضاءة، وعامل استوديو .. الخ .. لماذا نأتي عند المتحدث الرئيسي وهو الكاتب أو المثقف أو الفنان ولا نمنحه حقه في المشاركة؟ هل بعد ذلك نسأل أين القوى الناعمة المصرية ولماذا تهاجر إلى أماكن أخرى؟". لكن الناقد الدكتور صلاح فضل، قال ورد في تعريف القوة الناعمة: هي "الرصيد الذهبي لمصر"، "شرعية مصر في شعبها وجيشها"، وفي "العلن والنشيد"، و"أقسم الطرفان على يمين الولاء"، فلا يعرف القارئ من الطرفان اللذان يقسمان؟ هل أقسم الشعب والجيش كلاهما على يمين الولاء؟ ومتى كان ذلك؟ ثم يقول إن البلاد قد ابتدعت احتياطي الذات المصرية، ولا يعرف أحد ما هو احتياطي الذات أصلًا. الأمر الثاني الذي يستعرضه "فضل" هو أن الصياغة تقع في التكرار الممل، والحشو الزائد للأفكار ذاتها، فلا تزيد على ترديد بعض المبادئ البديهية، والأفكار الأولية التي يعرفها الناس جميعًا عن التاريخ المصري، وعظمته، ولم يكن البيان في حاجة إلى الاستشهاد بفقرة مطولة من ديباجة الدستور لأنها محفوظة ومؤلفة ولا تضيف أي جديد. النقطة الثالثة التي يركز عليها البيان؛ هي تعداد بعض مظاهر القوة الناعمة، دون أن يشير من قريب أو بعيد إلى كيفية ضعفها، وتنميتها، وإحيائها في المستقبل، فهو لا يتناول على الإطلاق، المشكلات الجوهرية، التي أدت إلى ضعف القوة الناعمة المصرية، وخفوت تضاؤل إعجاب الناس بها وانبهارهم بقيمتها، التي أدت إلى ضعف الآداب والفنون والثقافة والعلوم والمعرفة والنماذج العليا للشخصية المصري. اعتبر الإعلامي والمؤرخ صلاح عيسى، أن الثقافة والإعلام في عراك مستمر، يحتاج إلى نوع من التناغم ما بين الوزارتين، فلا دمجهما مفيد ولا الفصل بينهما مجدٍ، فلابد أن يكون هناك نوع من التعاون، فالثقافة عندما تدخل في الإعلام تفسد، وتتحول إلى ثقافة إعلامية. ورأى "عيسى" أن قوة مصر الناعمة تتمثل في امتلاكها لإعلام حر يتحرك في كافة الاتجاهات، يلتزم بميثاق شرف المهنة، والقيم المهنية الأصيلة المتأصلة، فالأزمة أن البعض يعتقد أن مهمة الإعلاميين والمثقفين أن يقوموا بدعاية للدولة تعبر عن اتجاهات النظام فحسب وتتجاهل التيارات الأخرى، وهو ما يعيد إحياء مدرسة إعلام التعبئة، أي أن الحكومة تضع سياسة ومهمة الإعلام أن يعبر عنها وقال "عيسى" في ختام رؤيته: إن الإعلام يجب أن يكون مستقلاً.