رحل المؤرخ الكبير والسياسي البارز الدكتور رفعت السعيد، اليوم الخميس، عن عمر يناهز ال85 عامًا، بعد أن ترك إرثًا تاريخيًا كبيرًا يُشكل مرجعًا دسمًا للباحثين والأجيال الجديدة الباحثة عن الحقيقة من مصادرها. أبرز أعماله التي صاغها؛ "حسن البنا: متى، وكيف، ولماذا"، و"ضد التأسلم"، تاريخ الحركة الاشتراكية في مصر 1900-1925، صدر بعام 1980، ثورة 1919 القوى الاجتماعية ودورها، محاولة لرؤية جديدة، صدر بعام 2009، عمائم ليبرالية .. في ساحة العقل والحرية، صدر بعام 2002، مجرد ذكريات، صدر بعام 2000، وغيرها. في حديثه ل"بوابة الأهرام"، وصفه الدكتور عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان، ب"المناضل الكبير الذي دخل في صراعات مع الحكم منذ الستينيات وحتى السبعينيات أيام السادات ومبارك"، إذ إن كل كتاباته كانت من أجل العدالة الاجتماعية، فلم يتنازل قيد أنملة عن هذه المبادئ، فكان نموذجًا للمثقف العضوي المتفاعل الذي لا يتناقض فكره مع تصرفاته. انبسقت كتاباته - كما يضيف "الدسوقي" - من واقع مبدئه الاشتراكي، فكتب ضد جماعة الإخوان الإرهابية باعتبارهم أنهم أرداوا أن يشدوا المجتمع إلى الخلف والهاوية،محذرًا القارئ من انحرافات ومغبة الارتباط بهذه الجماعة. وتحدث الدكتور جمال شقرة، أستاذ التاريخ المعاصر بجامعة عين شمس، الذي تربطه علاقة قوية ووثيقة بالراحل د. رفعت السعيد، إذ يقول: "رفعت السعيد قامة علمية وسياسية رفيعة، زاوج بين العلم النظري وممارسة السياسة، فقد تعارفت عليه مبكرًا في سيمنار كلية البنات جامعة عين شمس عندما كنا في مرحلة الإعداد للماجستير، وكانت رسالتي بها جزء مهم عن علاقة ثورة 23 يوليو بمنظمات اليسار المصري، والحقيقة أنه ساعدني في الحصول على بعض وثائق هذه المنظمات بالاضافة إلى أنه أهداني كتبه عن تاريخ الحركة الاشتراكية في مصر". "ورفعت السعيد هو موسوعي المعرفة، وقامة ثقافية رفعية، قام بالكتابة في مجالات عديدة، وإن كان ولعه الأساسي والرئيس كان في اهتمامه بالكتابة التاريخية حيث ألف مجموعة من الدراسات المهمة في المراحل تاريخ مصر الحديث والمعاصر، وكان موقفه من الإسلام السياسي وجماعاتها واضحة".."فهو الذي صك مصطلح الجماعات "المتأسلمة" ودخل في معارك كثيرة، مع أقطاب هذا التيار، وعندما كتب كتاب عن حسن البنا، وعندما كتب أكثر من كتاب عن تاريخ التأسلم في مصر، كان ناقدًا عنيفًا لأفكار هذه الجماعات على المستوى الذي يلعب دورًا مهمًا في معارضة نظام أنور السادات وكانت له مواقفه ضد سياسات الرئيس حسني مبارك". واستعرض "شقرة" لمحة أخرى من حياة المؤرخ الراحل، المتعلقة بثورة 25 يناير، إذ يؤكد: "يُعد السعيد من رموز النخبة التي خرجت في 25 يناير، منتفضة ضد استبداد استمرار مبارك وضد فكرة توريث جمال مبارك والحقيقة هو من النخبة التي دفعت الثمن بسبب نضالها وافكارها، فلم يتخلى عن افكاره، وأدى ذلك إلى دخوله السجن أكثر من مرة، والحقيقة أنه نموذج المثقف الذي قرر ان يظل معارضا ويدفع الثمن". لمحة إنسانية أخيرة يسردها "شقرة"، فيقول "على المستوى الإنساني هو صديق صدوق وهو شخضية محببة لطيفة لكل من تعامل معها، ومتعاون مع الأساتذة من أصدقائه ومتعاون مع الباحثين الصغاز وحلال السنوات الخمس الأخيرة أرسلت له عددا من تلاميذي الذين يدرسون في مرحلتي الماجستير. الدكتوراه وكان يستقبلهم أفضل استقبال ويقدم له المساعدات ويهديهم كتبه ويعيرهم بعض الكتب النادرة، وكان يعطيهم صور من وثائق التي الذين كانوا يحتاجون إليها". واعتبره الدكتور كمال مغيث، واحدًا من أبرز رموز اليسار المصري، ومؤسسي الحركة الماركسية الثانية، التي بدأت في أربعينيات القرن الماضي، وواحد من الذين دفعوا ثمنًا فادحًا لإيمانهم بمجتمع العدالة الاجتماعية، مثل آلاف الماركسيين منذ زمن الملك فاروق حتى زمن عبدالناصر. أخذ على عاتقه التسجيل لتاريخ اليسار المصري، منذ بداياته في عدد من المجلدات، الهامة، كذلك كتاباته في الإسلام السياسي التي جعلته من أهم كُتّاب هذا المجال.