حدائق ومتنزهات أسوان والجزر النيلية تستقبل المواطنين في أعياد الربيع    التعليم العالي: تحديث النظام الإلكتروني لترقية أعضاء هيئة التدريس    التموين: فتح نقاط استلام وتخزين القمح لاستقبال المحصول المحلي من خلال 450 موقعًا    غدًا.. بدء تلقي طلبات التصالح في مخلفات البناء بشمال سيناء    تعرف على تفاصيل شقق الإسكان المتميز قبل موعد الاعلان    «التهجير خط أحمر».. موقف مصر تجاه القضية الفلسطينية    جامعة كولومبيا تلغي حفل التخرج بسبب التظاهرات المنددة بحرب غزة    موقف نجم برشلونة من العودة في الموسم القادم    «مش قادر وواقع ومقضيها سوشيال ميديا».. إبراهيم سعيد يهاجم زيزو الزمالك    اغانى مهرجانات ومراجيح، 20 صورة ترصد احتفالات المواطنين ب شم النسيم في الشرقية    موعد غرة ذي الحجة فلكيًا.. خلال أيام وهذا موعد عيد الأضحى 2024    تزامنا مع احتفالا شم النسيم.. "النقل": الوزير يتابع إجراءات تقديم الخدمات المميزة للمواطنين    بدءا من الأربعاء.. 6 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بروض الفرج    أبرزهم «السندريلا» وفريد الأطرش .. كيف احتفل نجوم الزمن الجميل بعيد الربيع؟ (تقرير)    بعد إعلانه نوع السرطان.. تركي آل الشيخ يوجه رسالة لفنان العرب محمد عبده (فيديو)    نجاح فعاليات حملة التوعية ضد مرض قصور عضلة القلب في الإسماعيلية (صور)    خلال عام واحد.. معهد أمراض العيون يستقبل 31459 مريضًا وإجراء 7955 عملية    محافظ مطروح يلتقي شباب المحافظات الحدودية ضمن برنامج "أهل مصر"    بالصور - تتويج زياد السيسي بالذهبية التاريخية في بطولة الجائزة الكبرى للسلاح    المستشار حامد شعبان سليم يكتب :الرسالة رقم [16]بنى 000 إن كنت تريدها فاطلبها 00!    مصرع شخصين وإصابة 3 في حادث سيارة ملاكي ودراجة نارية بالوادي الجديد    محافظ المنيا يوجه بتنظيم حملات لتطهير الترع والمجاري المائية    وزير الأوقاف يجتمع بمديري المديريات ويوجه بمتابعة جميع الأنشطة الدعوية والقرآنية    الري تفتح الحدائق والمزارات أمام المواطنين في احتفالات شم النسيم    نزوح أكثر من ألف أسرة بسبب الفيضانات في أفغانستان    باحث فلسطيني: صواريخ حماس على كرم أبو سالم عجّلت بعملية رفح الفلسطينية    التعليم تعلن تعليمات عقد الامتحانات الإلكترونية للصفين الأول والثاني الثانوي    مصرع شخصين وإصابة 3 آخرين في حادث بالوادي الجديد    6 مشروبات مهمة يجب تناولها عقب وجبة الرنجة والفسيخ في شم النسيم    مصر تحقق الميدالية الذهبية فى بطولة الجائزة الكبرى للسيف بكوريا    الجارديان: إسرائيل قتلت عمال رعاية في لبنان بقنبلة أمريكية تزن 500 رطل    «الصحة»: إجراء 4095 عملية رمد متنوعة ضمن مبادرة إنهاء قوائم الانتظار    جامعة أسيوط تنظيم أول مسابقة للتحكيم الصوري باللغة الإنجليزية على مستوى جامعات الصعيد (AUMT) 2024    غدا.. إطلاق المنظومة الإلكترونية لطلبات التصالح في مخالفات البناء    إيرادات علي ربيع تتراجع في دور العرض.. تعرف على إيرادات فيلم ع الماشي    "كبير عائلة ياسين مع السلامة".. رانيا محمود ياسين تنعى شقيق والدها    في ذكرى ميلادها.. محطات فنية بحياة ماجدة الصباحي (فيديو)    مفاجأة.. فيلم نادر للفنان عمر الشريف في مهرجان الغردقة لسينما الشباب    وسيم السيسي: قصة انشقاق البحر الأحمر المنسوبة لسيدنا موسى غير صحيحة    "دور المرأة في بناء الوعي".. موعد ومحاور المؤتمر الدول الأول للواعظات    ماكرون يطالب نتنياهو بعدم اقتحام رفح الفلسطينية وإدخال المساعدات إلى غزة    طارق العشرى يُخطط لمفاجأة الأهلي في مواجهة الثلاثاء    متروكة ومتهالكة في الشوارع.. رفع 37 سيارة ودراجة نارية بالقاهرة والجيزة    على مائدة إفطار.. البابا تواضروس يلتقي أحبار الكنيسة في دير السريان (صور)    هل أنت مدمن سكريات؟- 7 مشروبات تساعدك على التعافي    ضبط 156 كيلو لحوم وأسماك غير صالحة للاستهلاك الآدمي بالمنيا    التعليم تختتم بطولة الجمهورية للمدارس للألعاب الجماعية    الشرطة الأمريكية تقتل مريضًا نفسيًا بالرصاص    فشل في حمايتنا.. متظاهر يطالب باستقالة نتنياهو خلال مراسم إكليل المحرقة| فيديو    مفاجأة عاجلة.. الأهلي يتفق مع النجم التونسي على الرحيل بنهاية الموسم الجاري    إزالة 9 حالات تعد على الأراضي الزراعية بمركز سمسطا في بني سويف    ولو بكلمة أو نظرة.. الإفتاء: السخرية من الغير والإيذاء محرّم شرعًا    بالصور.. الأمطار تتساقط على كفر الشيخ في ليلة شم النسيم    أول تعليق من الأزهر على تشكيل مؤسسة تكوين الفكر العربي    "احنا مش بتوع كونفدرالية".. ميدو يفتح النار على جوميز ويطالبه بارتداء قناع السويسري    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 6-5-2024    قصر في الجنة لمن واظب على النوافل.. اعرف شروط الحصول على هذا الجزاء العظيم    البحوث الفلكية تكشف موعد غرة شهر ذي القعدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المواجهة في قصص "حارة اليهود" لمحمد جبريل
نشر في بوابة الأهرام يوم 01 - 08 - 2017

كان اليهود قبائل ضعيفة فقيرة بلا أصول حضارية، تعيش وسط شعوب قوية زاهية الحضارة كالمصريين والفينيقيين. فأشعرهم هذا بالضعف والضآلة، وبأنه يمكن القضاء عليهم في أية لحظة. ولم يكونوا على استعداد للوقوف وجهًا لوجه أمام الآخرين فاختاروا الانسحاب والانزواء حتى لا يشعر الآخرون بوجودهم فيقضوا عليهم.
وكان هذا بداية ما يسمى ب"الجيتو اليهودي"، لقد عزلوا أنفسهم في مناطق جغرافية محددة في المجتمعات التي عاشوا فيها، كما عزلوا أنفسهم في مهن محددة بحيث لا يستطيع المجتمع الاستغناء عنهم، وبالتالي لا يفكر في القضاء عليهم. وتركت لهم مجتمعات كثيرة مهنًا معينة يأنف أصحاب المجتمع من ممارستها كالربا والبغاء وجمع الضرائب.
هذا الجيتو الذي بدأ نفسيًّا؛ كانت له آثار نفسية أيضًا. فقد تأصلت سمة السلبية في اليهود، ثم تحورت لتصبح نوعًا من التآمرية أو تحقيق الأهداف بطرق ملتوية دون مواجهة قد يكون ثمنها غاليًا.
وحتى لا نستطرد في هذه النقطة أقول: إنه لم يكن عبثًا اختيار الأديب المصري محمد جبريل اسم "حارة اليهود" لمجموعته القصصية الجديدة. فهذا الاسم ليس فقط عنوانًا لإحدى قصص المجموعة، وليس فقط دليلاً إشاريًّا إلى مكان كان ولا يزال بصور مختلفة موجودًا في معظم المجتمعات العربية، ولكن أيضًا لأن هذا الاسم ودلالاته المتعددة هو الرابط الأساسي بين كل قصص المجموعة.
صدرت مجموعة "حارة اليهود" في سبتمبر 1999م عن مطبوعات الهيئة العامة لقصور الثقافة، وهي الكتاب رقم (32) في سلسلة إبداعات المؤلف التي شملت القصة والرواية والنقد الأدبي (حصل على جائزة الدولة التشجيعية في هذا المجال بكتابه "مصر في قصص كتابها المعاصرين" الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1973م).
تضم مجموعة حارة اليهود (12) قصة قصيرة نشر معظمها في صحف ومجلات مصرية وعربية، ويدل تاريخ نشر بعضها إلى أن قصص المجموعة كتبت خلال فترة زمنية لا تقل عن ربع قرن، ولهذا دلالته؛ لأن الفكرة الرئيسية الرابطة لقصص المجموعة تلح إلحاحًا كبيرًا على المؤلف ليس في هذه المجموعة فقط ولكن في أكثر من عمل روائي وقصصي له.
فكل قصص المجموعة - باستثناء قصة واحدة - يتخذ أبطالها موقفًا سلبيًّا أو ضعيفًا أو غير سليم في مواجهة أمر ما. وتنتهي بهم المسألة إلى الخضوع التام الذي يصل إلى درجة المهانة.
أما المفارقة فهى أن القصة الوحيدة في المجموعة التي تتناول فعلاً إيجابيًّا هي قصة "حارة اليهود". ولا أجد هذا عجيبًا، فإذا كانت الدلالة السلبية لحارة اليهود هي التي تحكم قصص المجموعة، فإن الوجه المقابل يجب أن يكون داخل حارة اليهود نفسها، هنا لا بد أن تكون المواجهة التي تقضي على تلك الدلالة السلبية.
تبدأ المجموعة بقصة "حدث استثنائي في أيام الأنفوشي"، حيث نرى سمانة آتية من الغرب، يعجبها حي الأنفوشي بالإسكندرية. فتجلب كل شعبها ليستوطن الحي. ويرحب الناس بذلك. ثم يكتشفون مع مر الوقت أن السِّمَّان امتلك كل الحي. ولم تعد للناس خصوصية. ولم يعودوا قادرين على ممارسة حياتهم بحرية.
يمكن أن تكون السمانة هي الغرب الاستعماري. أو إسرائيل المحتلة. أو الدول البوليسية والمخابراتية التي تقضي على ذاتية شعوبها. أو تكون للسمانة دلالات أخرى - والقصة تتحملها كلها!
وفي قصة "الطوفان" يفاجئنا كائن غريب ضخم لا يؤثر فيه شيء. ولا يستطيع الناس زحزحته من المكان الذي اختاره لنفسه. فيكفوا عن مواجهته. ويتأقلموا معه حتى يصبح وجوده من الثوابت المقررة في حياتهم. عندئذ ينتفض ويغرقهم جميعًا. إنه الفساد في أبشع صور وجوده وتأصله. وأبشع صور السلبية في التعامل معه وتقبله. الفساد ليس فقط على مستوى الأفراد، بل على مستوى الدول وما يسمى بالقرية الكونية!
وفي "المستحيل" يهرب بطل القصة من "صوت" يطارده. صوت لا يعرف ماهيته. لكنه يرعبه ويدمر حياته.
وتصور قصة "هل" الأفكار الدائرة في "ذهن ميت" يحاول البعض سرقة كفنه، ويتمنى هو أن يستطيع القيام بأي حركة ترعبهم ليهربوا ويظل هو "مستورًا"!
أما "حكايات وهوامش من حياة المبتلى" فهي قصة الحلم بالذهاب إلى الحج. وعدم تحقق الحلم؛ لأن "الأشرار" يقطعون الطريق ولا أحد يستطيع مواجهتهم وإيقافهم عن شرورهم. ويمرض بطل القصة لعدم تحقق حلمه. وتدور زوجته في البلاد باحثة عن حلٍّ أو دواء للداء. وتنتهي القصة ولم يُشْفَ المريض. وما زالت الزوجة في البلاد تدور.
أما التردد فهو النغمة المسيطرة على جو قصة "حكاية فات أوان روايتها". فالطائر الأسطوري يضع بيضته الضخمة في الحديقة. ويتردد أصحاب الحديقة ويختلفون في أسلوب التعامل مع البيضة. ويعود الطائر. وتفقس البيضة. وتنتهي سطور القصة المكتوبة على الورق. وما زال أصحاب الحديقة – في الواقع - في ترددهم واختلافهم. وقد امتلك الطائر وأفراخه الحديقة.
وتُلَخِّص قصة "نبوءة عرَّاف مجنون" حكاية نصف قرن عربي أضاع فيه الساسة كل شيء. وباعوا كل شيء. وتحطمت فيه الشعوب دون بارقة أمل في صحوة حقيقية ما دامت نفس الأوضاع مستمرة.
و"أحمس يلقي السلاح" ويتعاون مع الأعداء. فيموت في نفس اللحظة التي يقرر فيها أن يتعاون معهم. إنه الموت المعنوي للخونة. والإدانة الصارخة التي يَدْمغ بها الكاتب من طُبِع على بصيرتهم فطبعوا مع العدو.
"فلما صحونا" وجدنا كل شيء أصبح ملكًا للرجل الغريب حتى نحن وأحلامنا. لقد آواه أبطال القصة في بيتهم لمدة ليلة. لكنه لم يبرح البيت بعدها. ولم يستطيعوا طرده. ليس فقط لأنه قوي. لكن لأن كلاًّ منهم خائف جبان متردد لا يفكر إلا في نفسه. ولا يعنيه ما يحدث لأخيه. فملك حياتهم رغم أنه واحد وهم سبعة.
وفي قصة "العَوْدة" تطارد "اللغة الغريبة" بطل القصة. يهرب منها ومن غربته. ويعود إلى بلده. فيجد أن نفس اللغة تطارده. وهو لا يفهم. ولا يعرف كيف يتصرف - وفي القصة إشارات إلى اللغة العبرية وإلى القهر والفساد.ي آخر قصص المجموعة "تكوينات رمادية" التي تدور أحداثها في الأربعينيات يشعر البطل بأن اليهود الذين يعمل لديهم يطاردونه لأنه قرر الاستقالة. ويريدون موته حتى لا يُفْشي أسرار أعمالهم. فيهرب مرعوبًا. ويحبس نفسه في حجرته. ثم يقتله الهروب والرعب.
كل قصص المجموعة كما ترى تعزف لحنًا واحدًا. وتعبر عن موقف محدد. ولكنها – وبحرفية بارعة - تعطي إمكانيات متعددة لقراءات متعددة. وإن كنت أعتقد أن القراءات المختلفة لن تصل إلى حد التنافر؛ لأن الخيط الرابط – أو الروح السارية - بين قصص المجموعة من الوضوح بحيث لا يمكن تجاهلها.
فها نحن نرى قصص المجموعة تمتلئ بالغرب الغازي بسلاحه وثقافته. وباليهود. والفساد المستشري. والسلبية والتردد والاختلاف.. فما الحل؟
هذا ما تطرحه قصة "حارة اليهود". لا حل إلا الاتفاق والاتحاد والثقة بالنفس ثم المواجهة. ف"جعلص" بطل القصة تاجر ذهب يتآمر عليه اليهود ويفلسونه. ثم يتعرضون لابنه بالضرب. فيجمع أبناء بلدته. ويغلقون مداخل حارة اليهود. ثم يؤدبون الحارة كلها –وأظن أن هذه إشارة إلى حرب أكتوبر 1973م، رغم أن أحداث القصة تدور في عشرينيات القرن العشرين.
لكن المؤلف لا يبدو متفائلاً تمامًا. فمساحة التمزق والتشتت أكبر مما نعتقد. والمصاب أفدح مما نظن. اتسع الخرق على الراقع. وحتى "الراقع" لم يعد موجودًا - فلنطلب من الله اللطف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.