اشتهر مصيف رأس البر، التابع لمحافظة دمياط، بأنه كان مصيف الطبقة الوسطى من المصريين، نتيجة لأسعار الإقامة به، والتي كانت متاحة لهذه الطبقة، بجانب وجود عدد من المزارات الهامة في المدينة، من أهمها منطقة اللسان، وفنار رأس البر التي شيدت عند شاطئ البحر المتوسط لترشد السفن ليلاً، بخاصة بعد أن شهدت المنطقة المحيطة باللسان تطويرا جذريا، جعلها مزارًا مهمًا، وأيضا منطقة الجربي التي كانت تشهد قديمًا الاحتفالات بمولد سيدي الجربي، وكورنيش النيل. يقول محمد عبد المنعم، رئيس إقليم شرق الدلتا الثقافي، ووكيل وزارة الثقافة الأسبق بدمياط: في القرن التاسع عشر: كان بعض الأعيان بمدينة دمياط قد أقاموا برأس البر عام 1823 للصيد والرياضة، فراق لهم جوها ومناظرها، وشيدوا لهم أكواخا من " الأكياب " المصنوعة من البردي، وأطلقوا عليها فيما بعد اسم " العشش"، وما لبثوا أن اتخذوا المكان مصيفا لهم، وتبعهم غيرهم وأخذ المصيف يتطور عاما بعد عام ويتدرج من عشش قليلة متفرقة إلى صفوف منظمة بين شاطئ النيل والبحر . ويضيف " عبد المنعم": في عام 1883 جاء إلى رأس البر العالم الألماني "كوخ" الذي انتدبته الحكومة المصرية على إثر انتشار الكوليرا بمصر، وزار رأس البر، وكتب عنها في تقرير له "مصيف رأس البر قد يصبح يوما ملك المصايف، وأشهرها، إذ يمتاز بموقعه المتميز وهوائه النقي الجاف وشواطئه الذهبية، وبعده عن " الضوضاء" وهو أقل رطوبة من الشواطئ المصرية الأخرى وتكثر في هوائه نسبة "الي".". وكان مصيف رأس البر مفضلا لدى الطبقة الأرستقراطية ثم تدرج إلى مصيف الشعب كله، وكان من نتائج الحرب العالمية الأولى 1914 -1918 أن حُرم الكثيرون من الأرستقراطية المصرية من السفر إلى الخارج، فاشتد الإقبال على رأس البر، كما حدث بعد ذلك في الحرب العالمية الثانية، ونجم على ذلك إدخال الكثير من التحسينات بالمصيف كما زادت حالة المصيف الاقتصادية رواجا. ويؤكد " عبد المنعم" أن التطور في هذا الوقت بدأ ببناء " العشش" واشتق من اسمها كل المباني الجديدة من بيوت سكنية جديدة، تمثلت في أفخم الفيلات، ومازال يطلق عليها اسم" العشة " مهما بلغت من روعة وجمال حتى أرقام هذه العشش "الفيلات " والتي يحددها مجلس مدينة رأس البر مكتوب عليها "عشه رقم..". ولا يجد أصحاب هذه العشش غضاضة من نطقها هكذا، بحكم العادة والتعود، حتى السماسرة والمصيفون، وهنا يبرز شيء هام وهو التجارة في هذه العشش فمعظم مدخرات واستثمارات التجار الدمايطة في هذه العشش، وهى مكتسبات من صناعة الموبيليات وتجارتها، فثمن العشة يزيد مع الأيام، بالإضافة لتقضية المصيف فيها، وأيضا يتم تأجير هذه العشش في الشتاء لعائلات أو لعرسان بشكل مؤقت أقصى مدة 6 أشهر، ورغم ذلك مازال أصل رأس البر موجودا بطبيعته القديمة جدا وتكوينه، ولكن مع التغيير الاجتماعي على مدى خمسين عاما، ظل هؤلاء السكان كما هم على شاطئ النيل برأس البر. محمد أبو قمر، الباحث في تاريخ دمياط، يؤكد أن تركيبة المصيفين والمقيمين في رأس البر تغيرت منذ 30 عاما تقريبا، فمثلا كان المصيفون يأتون إلى رأس البر ويبحثون عن العشش القديمة المصنوعة من " أكياب البردي " للإقامة فيها، لتميزها بمناخ صحي طوال الليل والنهار، ومع التطور تمت إزالتها وبناء عشش من الطوب والمسلح لخطورتها على الأمن العام، بعد أن كثرت الحرائق في هذه العشش، وسهولة تعرض أي "عشة" للحريق وبالتالي تمتد النيران لعدد كبير إلى العشش المجاورة، وتحولت هذه العشش إلى مبان فخمة فاقت الحدود والتصورات، وأصبحت الحياة فيها باستخدام التكييف. وتساءل " أبو قمر" عن الفائدة في السكن في عشة داخل مصيف كلها أسمنت ويستخدم القاطنون فيها "التكييف" مثلما كانوا يعيشون في بيوتهم، ما فائدة الانتقال من أي مدينة عادية إلى مصيف السكن فيه مشابه، بل وغالي الثمن بشكل لا يوصف، فاليوم يبدأ من 300 جنيه ويصل أحيانا – بحسب المنطقة- إلى ألف جنيه، ما المتعة في هذه العشش الأسمنتية؟ أما محمد عبد الغنى صاحب أحد محلات المثلجات، فيقول: تركت رأس البر وانتقلت إلى مكان آخر، بسبب الضوضاء الصادرة من مراكب النزهة النيلية، فأنا كنت امتلك أشهر كازينو على النيل، وفجأة تم بناء مراكب نيلية ضخمة للنزهة، ورست هذه المراكب على طول النيل، واستخدمت مكبرات صوت كبيرة وضخمة لجذب الزبائن، وهرب زبائن الكازينو إلى أماكن أخرى أكثر هدوء، الغريب أيضا أن نوعية الأغاني ليست جاذبة لراغبي المتعة، بل هي أغان مسفة، غير مفهومة، وحاول مجلس المدينة في العام الماضي تقنين الوضع، بمصادرة " الديجية " من المركب، ولكن أفلت الزمام، وأصبح شارع النيل ليس مكانا للمتعة، ولكن مكانا للعذاب، أقول هذا ليس منعا لرزق أحد، ولكن حفاظا على تاريخ رأس البر، التي كانت مكانا للهدوء والمتعة والذوق الرفيع في كل شيء، بدءا من الفن والمأكولات والتنزه وأماكن الترفيه المتنوعة، أيضا وجذب عائلات راقية كما كان في السابق، الآن ومع هذه الضوضاء تغير الوضع تماما، وتغيرت نوعية الراغبين في الحضور والاستمتاع برأس البر. وتحسر "عبد الغنى" على الزمن الجميل لرواد مشاهير كانوا يرتادون رأس البر، مثل أم المصريين صفية زغلول، وأم كلثوم وأسمهان وسليمان نجيب، ويوسف وهبي وفريد شوقي ومحمد الموجي والشيخ محمد متولي الشعرواي، والكاتب محمد التابعي والكاتب مصطفى أمين، كذلك غنى في رأس البر إسماعيل ياسين، وثريا حلمي، وعبد الحليم حافظ، وصباح ولبلبة ومحمود شكوكو، ومحمد عبد المطلب، وكل هؤلاء غنوا على مسرح " البيومي" في الخمسينات، كما زارها الرئيس جمال عبد الناصر ومجلس قيادة الثورة في الستينيات. أما محمود سالم صاحب عشة ومقيم في رأس البر، فيقول: رغم كل ما يقال عن رأس البر، فهي مازالت المصيف الأول الذي يهتم بالخدمات الرئيسية بشكل جيد ومستمر، مثل المياه والكهرباء والمواد الغذائية والخبز، صيفا وشتاء، أيضا هناك تأمين للشواطئ ومراعاة للأطفال، وهناك عربات إسعاف منتشرة على جميع الشواطئ، ورجال إنقاذ، يعملون من أول ضوء حتى آخر ضوء، وهذا يشعرنا بالأمان. وأضاف " سالم " أنه كمواطن يعيش في رأس البر صيفا وشتاء، فانه يستمتع برأس البر في الشتاء، لأن الهدوء يكون هو المسيطر على رأس البر. رآس البر بين الماضي والحاضر رآس البر بين الماضي والحاضر رآس البر بين الماضي والحاضر رآس البر بين الماضي والحاضر رآس البر بين الماضي والحاضر رآس البر بين الماضي والحاضر رآس البر بين الماضي والحاضر رآس البر بين الماضي والحاضر رآس البر بين الماضي والحاضر رآس البر بين الماضي والحاضر رآس البر بين الماضي والحاضر رآس البر بين الماضي والحاضر رآس البر بين الماضي والحاضر رآس البر بين الماضي والحاضر