ننشر لكم حكاية "الطبقة الأرستقراطية"، مع "رأس البر"، فكانت مصيف دائم لهم. رأس البر هي مدينة ومصيف في محافظة دمياط، شمال شرق مصر. تطل على البحر المتوسط، عند مصب نهر دمياط، أحد روافد نهر النيل، في مقابل عزبة البرج. يسكنها حوالي 25.000 نسمة، وفي موسم الصيف، من يوليو إلى سبتمبر، يزداد عدد سكانها إلى أكثر من 250.000 نسمة. يوجد برأس البر التقاء نهر النيل ومصبه بالبحر المتوسط وهو ما يعرف باللسان. بدأ الاهتمام بها في عام 1828 حينما أعجب بها أمراء من أسرة محمد علي. هو إسم حديث حيث كان العرب في القرون الوسطى يطلقون على هذه المنطقة "جيزة دمياط " والجيزة هي الناحية أوما يجاز إليه .. ولما زارها المقريزي في القرن الخامس عشر دعاها في قصيدته "مرج البحرين" ثم شهدت رأس البر في عصور الحملات الصليبية أحداثاّ رهيبة ففي عام 1169 وكان صلاح الدين الأيوبي لايزال وزيراّ للخليفة الفاطمي العاضد وصلت إلى ساحل دمياط أساطيل الصليبيين في نحو ألف مركب تحمل عشرات الألوف من الفرسان والمشاة ونزلوا إلى البر في منطقة رأس البر ثم حاصروا مدينة دمياط ثلاثة وخمسين يوماّ وقاتلهم صلاح الدين إلى أن أجلاهم عن دمياط بعد أن أغرق لهم معظم المراكب التي كانوا يستقلونها في البحر المتوسط وفى شهر يونيه 1218 وصل أسطول ضخم أمام رأس البر يحمل نحو سبعين ألف مقاتل بقيادة جان دي برين ثم نزلت إلى جزيرة دمياط وعسكروا أمام المدينة 6 أشهر 22 يوماّ ودخلوها في نوفمبر 1219 ثم تنتهي القصة المعروفة بخروج الغزاة من دمياط بعد أن قضوا فيها وعلى شواطئها ثلاثة سنوات وأربعة أشهر . وبعد ثلاثين عامًا في يونيه 1249 وقف أمام رأس البر أسطول كبير يحمل لويس التاسع وجيشه ثم نزلوا إلى رأس البر وزحفوا إلى دمياط وعبروا الجسر واستولوا عليها بلا قتال وتنتهي القصة بهزيمتهم في موقعة فارسكور وأسر لويس التاسع وجلاء الحملة عن سواحل رأس البر ودمياط في مايو 1250 ميلادية . وتدور عجلة الزمن فيبدأ تاريخ المصيف مع مستهل القرن التاسع عشر وقد نسيت أهوال الغزوات والحروب التي اجتاحت نلك الناحية الجميلة .. فمعها الهدوء والاستجمام وغسلت أمواج البحر أثار المعارك والدماء .. وأقبل صيادو الأسماك والسمان بقواربهم وشباكهم وراحوا يترددن على تلك الشواطئ زرافات ووحدانا . وكان مشايخ الطرق الصوفية وأتباعهم بدمياط إذا ما فرغوا من احتفالهم بمولد أبى المعاطى ليلة النصف من شعبان ومولد الشيخ على الصياد على الشاطئ الغربي للنيل واحتفالهم بمولد الشيخ "سديد" بالسنانية _ تسير جموعهم نحو الشمال مع النيل إلى المكان المعروف "الجربى" . وفى القرن التاسع عشر كان بعض الأعيان بمدينة دمياط قد أقاموا برأس البر عام 1823 للصيد والرياضة فراقهم جوها ومناظرها وشيدوا لهم أكواخا من الأكياب والحصير وما لبثوا أن اتخذوا هذا المكان مصيفا لهم وتبعهم غيرهم وأخذ المصيف يتطور عاما بعد عاما ويتدرج من عشش قليلة متفرقة إلى صفوف منظمة بين شاطئ النيل والبحر. وفى عام 1883 جاء رأس البر العالم الألماني "كوخ" الذي انتدبته الحكومة المصرية على أثر انتشار الكوليرا بمصر وزار رأس البر وكتب عنها في تقرير له "إن مصيف رأس البر قد يصبح يوماّ ملك المصايف وأشهرها" إذ يمتاز بموقعه الجميل وهوائه النقي الجاف وشواطئه الذهبية وبعده عن الضوضاء وهو أقل رطوبة من جو الشواطئ المصرية الأخرى وتكثر في هوائه كمية اليود". وكان مصيف رأس البر مفضلاّ لدى الأرستقراطية ثم تدرج إلى مصيف الشعب كله وكان من نتائج قيام الحرب العالمية الأولى (1914_ 1918) إن حرم الكثيرون من الأرستقراطية المصرية من السفر إلى الخارج فاشتد الإقبال على رأس البر كما حدث مثل ذلك في الحرب العالمية الثانية ونجم عن ذلك إدخال الكثير من التحسينات بالمصيف كما زادت حالة المصيف الاقتصادية رواجاّ . وشهد مصيف رأس البر في مستهل القرن العشرين مشروعات مختلفة متفاوتة في الأهمية ترمى إلى تطوير وإصلاح المصيف ، وفى عام 1912 صنعت أبواب العشش ونوافذها من الخشب بعد أن كانت تصنع من الأكياب وتفتح وتقفل بجذب الحبل . وفى الفترة بين 1919 و 1929 عنيت إدارة المصيف بإصلاح الطريق الزراعي الموصل إلى رأس البر من الجهة الشرقية وكان الطريق الوحيد وقبلة هو طريق النيل والمراكب وفى عام 1930 وأفتتح كوبري دمياط فربط بين ضفتي النيل وسهل الاتصال بالمصيف بالسيارات . وفى عام 1938 أقامت مصلحة الموانئ والمنائر رصيفًا من الأسمنت المسلح طوله 350 مترًا داخله في مياه البحر و75 متراّ فوق الرمال على اليابسة وذلك لوقاية الساحل الشمالي من التآكل المستمر عام بعد عام وهو ما يعرف باللسان . مع بداية الحرب العالمية الثانية "1939 – 1945" وبسبب الغارات الجوية الألمانية على القاهرة والإسكندرية؛ ذاعت شهرة مصيف رأس البر كمصيف ومكان آمن بعيدا عن الغارات فتحولت المدينة الصغيرة إلى مصيف للعائلة المالكة وعلية القوم من المصريين والجاليات الأجنبية، فكانت المصيف المفضل لأحفاد الخديوي إسماعيل، وأم المصريين صفية زغلول، وكذلك للعديد من الفنانين على رأسهم أم كلثوم وأسمهان وسليمان نجيب ويوسف وهبي وفريد شوقي ومحمد الموجي والشيخ محمد متولي الشعرواي والكاتب محمد التابعي والكاتب مصطفى أمين، الذين حرصوا جميعا على تسجيل لحظاتهم في رأس البر بالصور. وفى عام 1944 وضع مشروع جديد لتخطيط رأس البر بحيث تكون مدينة ثابتة ورأى المؤيدون لهذه الفكرة أن مصيف الحياة البسيطة الطبيعية الهادئة لم تعد تتمشى مع مقتضيات العصر الحديث ولا مع سنة التقدم العمراني السريع وأن الحياة الفطرية التي كان يعيشها المصطافون القدماء لم تعد تناسب خمسين ألف من رواد المصيف على مختلف طبقاتهم وطباعهم. وزاد الإقبال على المصيف عاما بعد عام بعد التطورات الجديدة التي حدثت به وبلغ عدد المصطافين في صيف 1949 خمسة وأربعين ألف مصطاف .وفى عام 1950 شقت بالمصيف طرق جديدة متسعة طولا وعرضًا وأنشئت عربات خاصة لتيسير الانتقال والمشهورة باسم "الطفطف" ونفذ مشروع الصرف الصحي ومهد الطريق الغربي ومدت شبكة جديدة لمياه الشرب إلى المنطقة الجنوبية بالمصيف وساعد ذلك على توسيع مساحة المصيف .