يرقد العالم الكبير الدكتور محمود حافظ رئيس مجمع اللغة العربية والمجمع العلمى فى العناية المركزة فى حالة حرجه كأن الله أراد أن يكون رحيمًا به، فلا يرى احتراق المجمع العلمى ومحتوياته النادرة، وشاء القدر أيضا ان يقترب احتفاله بعيد ميلاده المئه فى 10 يناير المقابل وهو على فراش المرض وندعو الله له بالشفاء لكى يحتفل به وسط اسرته ومحبيه من علماء مصر . وقبل أن نحاور زوجته الفاضلة لابد أن نتعرف على سيرة هذا العالم الكبير، فهو من مواليد عام 1912 درس فى كلية العلوم جامعة القاهرة قسم الحشرات حيث تخرج عام 1935 وعين معيدا بالكلية وحصل على الماجستير عام 1938 ثم دكتوراة الفلسفه فى علوم الحشرات عام 1940 وكان أول مصرى يحصل على هذه الدرجة من جامعة القاهرة. واصل بعد ذلك بحوثه الرائدة فى جامعة لندن وجامعة كمبردج بإنجلترا، وعين أستاذا بقسم الحشرات عام 1953 ثم رئيسا للقسم ثم وكيلا للكلية عام 1964 ثم وكيلا للمجلس الأعلى للبحث العلمى فوكيلا لوزارة البحث العلمى حتى عام 1967، ألف وترجم أكثر من 20 كتابًا فى علوم الحشرات والحيوان وتاربخ العلوم وكتب الجزء الخاص بالحشرات فى الموسوعه الميسره فرانكلين، وساهم فى عدة معاجم لعلوم الاحياء والصيدلة والجيولوجيا، وأنشأ وحدة البحوث الحشرية فى هيئة الطاقة الذرية ومحطة البحوث الحقلية بوادى النطرون ومعهد بحوث الحشرات الطبية بوزارة الصحه. وهو أول علمى يشغل كرسى رئاسة مجمع الخالدين، بالإضافه لتقلده مناصب عدة داخل مصر وخارجها منها على سبيل المثال وليس الحصر رئاسة الأكاديمية المصرية للعلوم والاتحاد العلمى المصرى والمجلس القومى للتعليم وجمعية حماة اللغة العربية، وعلى المستوى الدولى هو عضو وزميل بالأكاديمية العسكرية للعلوم بالأردن وكينيا وإيطاليا وعضو فخرى بأكاديمية علوم الحشرات بالصين وعضو الاتحاد الدولى للعلوم فى بلجيكا وفرنسا وإنجلترا وأمريكا وروسيا. حصل على جائزة الدولة التقديرية فى العلوم عام 1977 وجائزة مبارك عام 1999 ووسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى. أما عن حياته الخاصه فقد تزوج من المرحومة إحسان عابد وبعد 14 سنة تزوج من زوجته الحالية السيدة الفاضلة عفاف غانم، التى تتحدث عن مشوارها معه منذ زواجهما، وحتى الآن تقول رغم تقدمه فى السن لكنه شعله من النشاط وحتى قبل تعبه بثلاثة أيام فقط حيث دخل المستشفى يوم الخميس اذكر قبلها مباشرة يوم الاثنين كان عنده لجنة فى المجمع العلمى فى الصباح ومرتبط بشغل فى مجمع الخالدين والجامعة، وظل خارج البيت على مدار اليوم لدرجة أننى أشفقت عليه من التعب ورجوته أن يتناول طعام الغداء لكى يستطيع مواصلة مجهوده. عندما دخل الرعاية المركزة لا أستطيع أن أصف كم الزيارات التى تأتيه طوال الوقت من الجامعات والمراكز العلمية تلاميذه الذين يدينون له بالوفاء ولم ينقطعوا عن السؤال عنه ومنهم من ينحنى ليقبل يده، هناك تلاميذ له وصلوا لمكانة رفيعة ويقدرونه ومنهم الدكاتره أحمد شكرى رئيس جامعة القناة وأحمد أمين حمزة، رئيس جامعة المنصورة، وإبراهيم بدران، وزير الصحة الأسبق لأنه زمان كان طلاب الطب يدرسون تشريح سنتين فى كلية العلوم، جميع علماء مصر يقدرونه ولم لا وهو شيخ علماء مصر وصاحب البرديتين أعطى الكثير للعلم فى مصر. وعن حالته الصحية الآن، تقول السيده عفاف: هى حالة حرجة لقد ضعف كثيرا وهو لا يتكلم لكنى عندما أمسك يده وأكلمه أحس أنه يسمعنى وهو على النفس الصناعى، وبكيت لأنى لا أتصور أن هذا العملاق هرم مصر الرابع الذى كان شعلة نشاط وذاكرة حديدية يرقد أمامى بلا حراك، هو قامة كبيرة أعطى حياته للعلم وله 116 بحثًا أخرهم كان عام 2006، اعتاد كل شهر أن يرأس ندوه لتقديم شخصيه علمية فى المجمع وكان نظره فى الفترة الأخيره قد ضعف، فكنت أقوم بقراءة السيرة الذاتية التى أعدها هو عن الشخصية التى سيقدمها فى الندوة وكان يحفظها بمجرد أن أقرأها له مرة واحدة ويقوم بتقديمه لدرجة تثير إعجاب الشخص المحتفى به فذاكرته قوية رغم تقدم السن وعلى المستوى الشخصى مجامل وخدوم لغيره. الشيء الذى يحزنه رغم أن الدولة كرَّمته لكنه كان ينتظر أن تمنحه قلادة النيل مثلما فعلت مع الدكتور زويل، على الجانب الآخر أسعده تكريم الأهرام له العام الماضى ومنحه مفتاح الأهرام رقم 14. لقد عشت معه 16 سنة كانوا بمثابة ثلاثة أيام من عشرته الجميلة وكأنهم أيضا مائة سنه من السعادة ، إنسان عطوف جدا وحساس ومعتدل فى كل شىء حتى فى طعامه له طقوس لا يغيرها، يستيقظ فى السادسة صباحا صيفًا أو شتاء يأخذ حمامه فى ساعة كاملة يتناول كوب نسكافيه، ثم الإفطار الخفيف قطعة جبن ومربى مع الشاى، وفى الغداء لحم او قطعة دجاج مشوى مع شوربه وسلاطة وخضروات، وفى الفترة الأخيرة نبشر له السلاطة حتى يستطيع أكلها وفى العشاء زبادى بملعقة مربى. وتتذكر السيدة عفاف بداية تعارفها به فتقول: بعد وفاة زوجته لم يرزقه الله بأولاد وعاش وحيدا لمدة 14 سنة، فقد كان يخشى من الزواج بأخرى لا تتفق معه فى الطباع أما أنا فقد كنت متزوجة من الدكتور رضا عزام أستاذ الكيمياء النووية بهيئة الطاقة الذرية، وكان عالما كبيرا توفى وعمرى 52 سنة، وقررت تكريس حياتى لأولادى لكن القدر لعب دوره فزوج اختى المستشار على رجب فى المجمع وتربطه صداقه بالدكتور محمود شفاه الله وعفاه، وكان يشفق عليه من الوحدة وعرض عليه فكرة الزواج والبحث له عن عروس ورغم اننى استبعدت فكرة الزواج لكن بعد فترة وافقت عندما وجدته يعامل أولادى بحب وحنان كأنهم أولاده وارتبط بهم بشكل غير عادى لدرجة أن ابنتى سافرت وتركت حفيدتى وعمرها عامين وكان يرعاها وعندما تسمع جرس الباب تهرع إليه وتسأله عن الشيكولاته وينزل مرة أخرى ليشترى لها ما تريده ولا تنام إلا بين يديه، فقد تربى أولادى وتزوجوا فى رعايته وظل يرعى أحفاده كما يسميهم حتى الآن وعطفه لم يكن على الأقارب فقط، فكان إذا اضطر لأن ينهر عاملا أو فراشا فى المجمع لتقصير أو إهمال يعود للبيت مكدرًا مهمومصا واسأله فيحكى لى ماحدث وندمه رغم أن هذا الشخص يستحق، فأطيب خاطره ونتصل برئيسه المباشر لكى يقوم نيابة عنه بإرضائه وقتها يبتسم ويشعر بالرضا. وعن الفن فهو متذوق للموسيقى الشرقية الأصيله ومتابع للاذاعه يفضلها عن التليفزيون ربما بسبب ضعف نظره مؤخرا ويحتفظ براديو يضعه بجانبه على السرير، يستمع لأغانى أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم حافظ، لا أستطيع أن اقول سوى أن حياتى معه حلم جميل.