تمثل المشروعات الصغيرة المساهم الرئيسي في صناعة منظومة «التنمية الاحتوائية» ويقصد بها أيضا التنمية المعمرة والتي تعني الاستدامة والشمولية، أي أنها هي التي جعلت التنمية معمرة ... لماذا؟ لأنها تتصف بالبساطة وسهولة النقل والانتشار الجغرافي والقدرة علي الوصول إلي المناطق الأكثر احتياجا والأقل نموا، حيث إن طبيعتها تتسم بالديناميكية وتسارع معدلات النمو متي توافرت لها الأسباب. ويقصد بالديناميكية أن المشروع يبدأ متناهي الصغر ثم يكبر وينمو وينتقل إلي مشروع صغير وهكذا إلي مشروع متوسط وأخيرا شركات كبري وفي كل مرحلة من مراحل الانتقال والنمو تتولد منظومة « التنمية المعمرة «. ولعل بعض الاحصائيات تعكس واقع حال المشروعات الصغيرة في مصر وأثرها علي الاقتصاد القومي منها: نسبة مساهمتها بالناتج المحلي الإجمالي 08%، تستوعب نحو 07٪ من حجم التوظيف في الاقتصاد (حجم العمالة)، أكثر من 08٪ من المشروعات الصغيرة تندرج تحت فئة الاقتصاد غير الرسمي مما يضعف قدرتها علي الاستمرارية. وفي ضوء ضعف حجم التمويل المتاح من الجهاز المصرفي وفي إطار توجه الدولة نحو تحقيق التنمية المستدامة وتوفير فرص عمل للشباب وخفض نسبة البطالة، أطلق البنك المركزي المصري برنامجا شاملا لتحفيز البنوك لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة حيث التأكيد علي تيسير فرص إتاحة التمويل المصرفي لهذه الشريحة من المشروعات وبالأسلوب والطرق التي من خلالها يقدم التمويل خلال أربع سنوات لنحو 350 ألف شركة ومنشأة ينتج عنها خلق حوالي أربعة ملايين فرصة عمل جديدة. وتتجلي مساهمة البنك المركزي المصري الجديدة من خلال حزمة من القرارات التي تستهدف تعزيز فرص التمويل لتلك الشركات وإزالة العوائق والعقبات التي قد تواجهها في سبيل تحقيق ذلك. وتجدر الإشارة هنا إلي نموذجية الترتيب الزمني والتدرج المدروس والتي اتصفت به قرارات البنك المركزي المحفزة للبنوك، حيث كانت البداية من نقطة الاتفاق علي تعريف شامل جامع موحد لفئات المشروعات الصغيرة ووفقا لمعايير ومحددات معينة، وهي تمثل خطوة أساسية قبل إطلاق باقي المبادرات. ثم يليها توجيه البنوك نحو زيادة نسبة القروض والتسهيلات المقدمة لتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة لتصل إلي ما لا يقل عن نسبة 20 ٪ من إجمالي محفظة القروض وذلك خلال الأربع سنوات القادمة في إطار خطة توافق محددة. ومن أجل تخفيف أعباء التمويل عن تلك المشروعات تم إطلاق مبادرة دعم المشروعات الصغيرة والصغيرة جدا ( وفقا للتعريف والتوصيف الوارد بالقرار ) حيث تم اعتماد سعر عائد متناقص 5 ٪ سنويا مع إيلاء أولوية في التمويل للقطاعات الاقتصادية الهامة والشركات العمالية مع إعطاء عناية للمشروعات صاحبة الأفكار المبتكرة والمشروعات التي تستهدف التصدير. واستكمالا للجهود المبذولة في هذا الشأن وحرصا علي دعم الشركات تحت فئة تعريف «المتوسطة» في القطاعات المنتجة وبالأخص قطاعي الصناعة والزراعة من أجل تحقيق تنمية مستدامة،فقد أصدر البنك المركزي المصري مبادرة أخري تستهدف إتاحة تمويل متوسط الأجل وطويل الأجل للشركات المتوسطة المنتظمة العاملة في مجالى الصناعة والزراعة بسعر عائد متناقص 7% سنويا وذلك بغرض تمويل آلات أو معدات أو خطوط إنتاج جديدة لمدة حدها الأقصي عشر سنوات. هل إتاحة التمويل للمشروعات الصغيرة المشكلة الوحيدة التي تعوق نمو المشروعات الصغيرة ؟ الإجابة بالطبع «لا» .. حيث إن التمويل ليس هو العائق الوحيد لها ولكنها تحتاج إلي تهيئة البيئة المحيطة بالاستثمار بمعني اتخاذ إجراءات غير مسبوقة في إطار منظومة متكاملة من حيث التشريع والتراخيص والتسويق .... إلخ، تضمن إزالة العقبات المرتبطة ببيئة مزاولة النشاط . المبادرات متعددة وناجحة ولكنها لن تؤتي الأثر الكافي إلا إذا تم تأسيس كيان مؤسسي (جهاز) لتنمية وتنظيم المشروعات الصغيرة والمتوسطة يقوم بتبني تلك المشروعات وإعداد التشريعات التي تدعمها للتغلب علي التحديات والعوائق التي تتحطم عليها كل المبادرات الناجحة.