على الرغم من أننى لا أعلم على وجه الدقة لماذا أطلق الانسان المصرى البسيط تعبيره العبقرى.. الفقر الدكر ، فإننى مع ذلك، أراه تعبيرا شديد الدلالة على حالة الفقراء المدقع التى يعانى منها عدد كبير من المصريين من أسوان إلى رأس التين! وإذا كان المصرى البسيط يرى أن هناك فقرا دكر أى ذكورى فإن ذلك يعنى بالمقابل ان هناك فقرانتاية أو أنثوى باللغة العربية الفصحى، وأن النوع الأول أشد وأقصى من النوع الثانى..! فمثلا إذا كان الفقر الدكر يعنى ان ينام البنى آدم من غير عشا، فإن النتاية يعنى أن يكمل البنى آدم عشاءه نوما، بمعنى أنه اتعشى نعم، لكن دون أن يشبع، فاضطر إلى النوم..! والمأزق الذى تعيشه كل الحكومات فى مصر، قبل ثورة 25 يناير وبعدها، هو انها لا تعرف أحوال الشعب الذى تحكمه..! فإذا كان د. هشام قنديل رئيس الحكومة قد أكد أن 25 من المصريين يعنى ربع الشعب، فقراء فإننى على يقين من أنه لا يعرف أى نوع من الفقر يعانيه هؤلاء.. فقر دكر.. أم نتاية يعنى كم منهم بينام من غير عشا، وكم منهم بيكمل عشاه نوم..! لكن مع ذلك فإننى اعتقد ان وزير التخطيط فى حكومة قنديل هو أفضل بكثير من وزير التخطيط فى حكومة د. أحمد نظيف، فالأخير كان يجاهر بالتصريح دون أن يهتز له جفن، أن من يصل دخله الى 5 جنيه ونص هو فوق حد الفقر !! وكانت تلك التصريحات مادة دسمة لأصحاب الأقلام الساخرة، من عينة العبد لله، والذين انتهزوها فرصة للتريقة والسخرية من الوزير الذى مازال يعيش فى عصر الجنيه الجبس وال 12 بيضة اللى بمليم ! لكن وزير التخطيط فى حكومة قنديل، ربنا يستره حدد خط الفقر بمبلغ 1270 جنيها شهريا للاسرة المكونة من 5 أفراد أى بما يعادل 256 جنيها للفرد شهريا بمعدل 8.5 جنيه يوميا.. وأنا شخصيا مصدق الوزير، لأنه فى الأول وفى الآخر حكومة والحكومة عمرها ما بتكدب أبدا، ولكننى أريد أن أسأل الوزير، بل والحكومة كلها، ما هو تعريفكم المحدد للفقير.. ؟! هل هو الذى لا يجد قوت يومه أم هو الذى لا يجد ما يعالج به نفسه هو وأسرته، أو ما يستر به جسده هو وكوم العيال الذين فى رقبته.. ؟! أنا شخصيا أعتقد أن عدد الفقراء فى مصر أكبر بكثير من كل الأرقام التى أعلنتها وتعلنها الحكومات السابقة واللاحقة، لأنه فى كل يوم ينضم فقراء جدد بسبب القرارات التى تصدرها هذه الحكومة او تلك.. وهو ما يمكن أن نطلق عليهم فقراء بختم النسر..! ويكفى أن أشير الى فئة واحدة من المجتمع تنضم يوميا لطابور الفقراء وهى أصحاب المعاشات.. فإذا كان وزير التخطيط قد حدد خط الفقر ب 1270 جنيها شهريا، فإن معظم إن لم يكن كل أصحاب المعاشات تحت خط الفقر لأنهم لا يتقاضون أكثر من 1200 جنيه شهريا بعد 40 سنة خدمة فى ثانوى على رأى عمنا عادل إمام..!! فالموظف من دول كان ملء السمع والبصر وهو فى سن ما قبل الستين وفجأة ينهار كل شىء فى اليوم الذى يصل فيه الى سن الستين، حيث يتراجع دخله الى أقل من ربع الدخل، وتنقطع عنه الخدمات التى كان يحصل عليها فى الجهة التابع لها وينتقل بقدرة قادر من فئة المستورين بأمر الله الى فئة العريانين الجعانين بأمر الحكومة..!! وأذكر أنه منذ ثلاث سنوات ثار موظفو فرنسا على حكومتهم لأنها تصر على زيادة سن المعاش الى 63 سنة فى حين يريدون ان يحالوا الى التقاعد فى سن الستين..! والمعنى أن الموظف فى فرنسا يحترق شوقا الى اليوم الذى يصل فيه الى سن الستين لأنه سيعيش ملكا متوجا بما سيحصل عليه من دخل كبير من الحكومة، أما عندنا فإن ذلك اليوم هو يوم غم وهم وكرب عظيم ..! ولنترك أصحاب المعاشات قليلا والذين ينضمون يوميا لطابور الفقراء الطويل فى هذا البلد ونتحدث عن فئات أخرى تنضم لهذا الطابور بختم النسر وهى فئة أصحاب الدخول المؤلفة قلوبهم والذين يقفون على حافة خط الفقر.. فيأتى إعصار تسونامى رفع الأسعار، سواء للكهرباء أو الغاز أو المياه أو أسعار الوقود او الضرائب بمختلف أنواعها، فيقلب عاليهم واطيهم ويحولهم ما بين عشية أو ضحاها الى فقراء بختم النسر..! إن هناك العديد من الأمثلة على الذين تحولوا الى فقراء تحت بصر وسمع الدولة، لكننى سأكتفى بهذا القدر، ولى كلمة أخيرة الى الحكومة وهى أننى أتمنى ألا تنسى كل هؤلاء وهى تدير حوارها المجتمعى حول الاصلاح الاقتصادى، عليها ألا تنسى الذين تحولوا فى لحظات من خانة مستورى الدخل الى خانة محدودى الدخل بسبب البيروقراطية الحكومية العتيقة والعقيمة وبسبب إجراءات الاصلاح الاقتصادى التى تعتزم الحكومة تطبيقها لأن تفاقم اوضاع هذه الفئات يمثل خطرا شديدا على استقرار المجتمع وتماسكه، وهو ما قد يمثل قنبلة موقوتة قد تنفجر فى وجوهنا جميعا بل وفى وجه الحكومة نفسها.. قبلنا..!!