بعد ثورة 25 يناير.. تجدد الأمل لدي أصحاب المعاشات في تحسن أوضاعهم المعيشية، خاصة بعد الزيادة التي قررتها الحكومة وقيمتها 15٪ بعد أن تحملوا الظلم والمعاناة طوال السنوات الماضية ولم يشعروا بأي إصلاح أو تغيير حقيقي تجاههم، وإذا كان عددهم يقدر ب 8.5 مليون مواطن فإن أصحاب المعاشات في مصر يقعون فريسة آلام الشيخوخة والمرض بعد أن قضوا في العمل عشرات الأعوام ادخروا خلالها من رواتبهم آلاف الجنيهات لصالح التأمينات والمعاشات، إلا أنهم لا يحصلون إلا علي الفتات ليواجهوا بها متطلبات الحياة بعد سن ال 60 التي تزداد فيها احتياجاتهم ومتطلباتهم المعيشية، بخلاف مصاريف تعليم وزواج الأبناء، فضلاً عن مصاريف الدواء وتكاليف العلاج بالمستشفيات وهي من الأساسيات، الآن يواجهون الموت دون أن يجدوا خدمة علاجية ودواء مناسب. فهل تكفي مبالغ أحياناً لا تزيد علي 350 جنيهاً لاحتياجات أسرة كاملة لمواجهة متطلبات الحياة الصعبة؟.. وهل آن الأوان لإعادة النظر في احترام آدمية الإنسان المصري وتكريمه في شيخوخته بعد أن قضي عشرات السنوات في خدمة الوطن؟.. وهل تتحسن أوضاعهم، خاصة بعد إنشاء أول نقابة لأصحاب المعاشات؟.. وهل يبدأ مستحقو معاش الضمان الاجتماعي الأول بعد الثورة في حياة كريمة بعد سنوات من الحرمان ذاقوا فيها الجوع ولم يجدوا حتي »العيش الحاف«؟.. طوابير أصحاب المعاشات معاناه ناطقة بمآسي أصحابها من العجائز والأرامل وغيرهم ممن يبحثون عن »حياة آدمية«.. بعد ثورة غيرت وجه الحياة في مصر. علية عبد الواحد:قلبنا نشف من الفول والطعمية في مشهد مؤسف يقف مجموعة من الآباء والأجداد بين رجل وقور وشيخ كبير وسيدة عجوز في طوابير المعاشات أمام مكاتب البريد، الكل يستند علي الآخر في لحظة فارقة لنيل مبالغ لا تعينهم حتي علي »العيش الحاف«، بالإضافة إلي أصحاب المعاشات من الأرامل وغيرهم الذين لا يجدون أدني متطلبات الحياة وما يضمن لهم الشعور بالاطمئنان للستر في آخر أيامهم، حيث لا يستطيعون الإنفاق علي أبنائهم الذين يقاسون نار البطالة ويظلون في طابور الإعالة وأعباء علي آباء مسنين، وكأن جنيهات المعاش القليلة التي يحصلون عليها تمثل لهم قيمة كبيرة، علي الرغم من أنها لا تسد إلا جزءاً بسيطاً للغاية من احتياجاتهم ومتطلباتهم الخاصة، خاصة في ظل تواجد هذا الانفلات الواضح في الأسعار وعدم ضبط الأسواق. وللتعرف علي أحوال أصحاب المعاشات ذهبت »الوفد« لزيارتهم والاطلاع علي أحوالهم بمكتب بريد السيدة زينب بشارع بورسعيد، وقد لوحظ حدوث حالات إغماء لكبار السن في ظل ضيق مساحة المكتب والزحام الشديد الموجود أمام شبابيك صرف المعاشات الذي يمتد لأمتار خارج المكتب. الحاجة »أم صابر« التي تبلغ من العمر 62 عاماً، قالت: نعاني من الذل وعدم احترام لآدمية الإنسان المصري في مكاتب صرف المعاشات سواء بمكاتب البريد أو ببنك ناصر الاجتماعي من الإساءة التي نتلقاها من الموظفين، بالإضافة إلي الزحام الرهيب وامتداده لطوابير طويلة أمام شبابيك صرف المعاشات مما ينتج عن ذلك صرخات وحالات إغماء مستمرة لكبار السن وذوي العاهات أو الاحتياجات الخاصة، والغريب في الأمر أنني تقدمت بطلب لمكتب بريد السيدة زينب المزدحم دائماً الذي أتعامل معه منذ فترة طويلة لكي أنقل معاشي إلي بنك ناصر الموجود بوسط البلد بجانب سكني الجديد بمنطقة العتبة وبعد الانتهاء من الإجراءات اللازمة والمطلوبة ذهبت إلي بنك ناصر لكي أصرف المعاش ففوجئت بأن البنك يرفض إعطائي المعاش وأيضاً لآخرين غيري.. وقال لنا الموظف المختص: أسماؤكم لم تنزل عندي علي الشاشة هذا الشهر بحجة أننا تأخرنا.. ومن هنا بدأنا نسمع صراخ السيدات والرجال المسنين الذين يبكون بسبب الأعباء التي لديهم ولم يكن عندهم أي دخل سوي هذا المرتب الذي يتعايشون به وينفقون معظمه علي أمراضهم. هدي عيسي.. تعول ثلاثة عاطلين وحفيدين وتحلم بقرض يغنيها عن "مد الإيد"! وعندما تحدثنا إلي مدير بنك ناصر وسألناه عما يفعلون مع كبار السن؟.. قال لنا: إن البنك معزور وغير مسئول عن تأخيرهم في صرف المعاش وأن البنك يبدأ في صرف المعاش من اليوم الثاني حتي اليوم السابع من الشهر، ويمنعهم في بعض الأحيان من خروج المنزل لأي سبب أياً كان، لذا فتوجهت مرة أخري إلي مكتب بريد السيدة زينب لكي أعود مرة أخري أن أصرف معاشي من خلالهم بغض النظر عن زحام أو معاملة سيئة من الموظفين بشباك صرف المعاشات وليكن ما يكون. البؤس وقلة الحيلة.. ظهر علي وجه »علية محمد عبدالواحد« وهي سيدة مسنة تجاوزت الستين من عمرها وتقطن بمنطقة عين الصيرة، حالها لم يختلف كثيراً عن ملايين المواطنين من أصحاب المعاشات الذين يأملون زيادة معاشهم وصرف مستحقاتهم والنظر إليهم بعين الرأفة والرحمة.. فهذه السيدة العجوز تتقاضي معاشاً لا يتجاوز 350 جنيهاً عن والدها الذي كان يعمل في شركة وزوجها متوفي منذ 10 سنوات، ليس مؤمناً علي حياته أو لديه معاش بل كان يعمل أرزقياً ولديها ابن شاب تركها وغادر ولم تعرف عنه شيئاً، وهذا المعاش البسيط لا ينقذها ولا يسد إلا جزءاً بسيطاً للغاية من احتياجاتها المعيشية وينتهي في نصف الشهر، وحتي بزيادة هذا المعاش إلي 15٪.. وتقول بمرارة: إننا لا نشعر بهذه الزيادة لأنها تتوه في مصاريف المعيشة الصعبة والارتفاع الجنوني في أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية و»قلبنا نشف من أكل الفول والطعمية والباذنجان« التي لم تفارقنا يوماً إفطاراً أو غداء أو عشاء، ولم أتذوق طعم اللحوم أو الفراخ أو السمك منذ زمن طويل، بخلاف مصاريف الدواء التي تصل إلي 200 جنيه شهرياً لعلاج السكر والضغط.. لذا أطالب الدولة بضرورة النظر في تحسين المعاشات والأجور بما يوازي غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار. الحاجة هدي محمد سعيد - سيدة تجاوزت ال 67 عاماً من عمرها - وجدناها وكأنها تحمل هموم الدنيا فوق رأسها وعبرت عن استيائها لما تتقاضاه من معاش بسيط لا يتجاوز 120 جنيهاً من الشئون الاجتماعية وتعول ثلاثة أولاد منهم شاب عاطل وغير متزوج وفتاة أرملة ولديها طفلان.. تقول بأسي شديد: نقف في طوابير صرف المعاشات لصرف مبالغ لا تعيننا حتي علي العيش الحاف ولكننا في النهاية نقول »نواية تسند الزير«، خاصة أنني أعاني من الضغط والسكر ولا أقدر علي العمل ولا أرضي أن أمد يدي للآخرين، فضلاً عن مصاريف الدواء التي تصل إلي 70 جنيهاً شهرياً، وإعالتي لأولادي، وأتمني أن يوافق بنك ناصر الاجتماعي علي خصم مبلغ 60 جنيهاً باقي المعاش وإعطائي قرضاً بدون خصومات، حيث إن البنك يقوم بخصم 1500 جنيه من إجمالي قرض 18 ألف جنيه.. ويقول: إنها تخصم لصالح قناة السويس وهذا معروف عند كل الناس، لكي أعمل مشروعاً نأكل منه لقمة عيش شريفة ويساعدنا علي توفير الحد الأدني من متطلبات الحياة الكريمة. الحاجة »حكمت عبدالسلام عمر« التي تجاوزت ال 65 من عمرها ولديها بنت متزوجة ولم تسأل عنها.. قالت: 400 جنيه كل شهر بعد 35 سنة خدمة عاملة بمستشفي الجمهورية.. الحمد لله مفيش في إيدي حاجة أعملها وأنا مريضة وأعاني من تضخم في الكبد والطحال وخشونة في ركبتي ومصاريف الدواء 200 جنيه كل شهر.. يعني نصف معاشي رايح بخلاف إيجار سكني وفواتير الكهرباء والمياه ليتبقي في النهاية 50 جنيهاً من المفروض أنها تعيشني طوال الشهر، ولا أعرف ماذا أفعل وزوجي متوفي منذ زمن طويل وابنتي الوحيدة تركتني أصارع المرض والعذاب والفقر، بدون أن تمد يدها لكي تساندني علي مشقة الحياة الصعبة.. وتساءلت عما حدث في الأسواق من انفجار في الأسعار؟.. الحياة تغيرت والعوض علي الله كنا نأكل لحمة وخضار وأرز والعيشة كانت مستورة وتفيض.. ولا نعلم سر ارتفاع الأسعار بهذا الشكل، ألا يوجد رقيب في هذا البلد؟.. لماذا لا يحاسبون التجار الذين يرفعون أسعار كل شيء الطماطم والخضراوات واللحوم؟ حكمت.. بعد 35 سنة عاملة بمستشفي.. المعاش 400 جنيه وعلاج الكبد 200 جنيه! »الدنيا قلت بركتها.. والخير كان زمان« بهذه الكلمات القليلة بدأ حديثه الحاج أحمد عبدالعال »66 عاماً« ولديه 4 أولاد منهم ابن معاق ذهنياً.. يقول بحسرة شديدة: معاشي 180 جنيهاً والزيادة لن تتجاوز 20 جنيهاً في الوقت الذي ترتفع فيه الأسعار بشكل كبير ومضاعف وأصبحت أمشي حالي بهذه الملاليم كل شهر ولم نتذوق طعم اللحمة أنا وأولادي منذ شهور طويلة.. طيب هشتري لحمة إزاي وأسعارها ترتفع إلي 60 و70 جنيهاً؟.. لكننا عايشين علي البقوليات والخضار الذي يطبخ بمياه الحنفية، وكان من الأفضل أن تقوم الحكومة بزيادة هذا المعاش بشكل يتناسب مع متطلبات الحياة والزيادة المستمرة في الأسعار. كانت علامات الحيرة والعجز والحزن تمهد بحكاية شديدة البؤس ل »أم أحمد« التي تجاوزت ال 60 عاماً ولديها 4 أولاد منهم بنت و»3 صبيان« واحد في السجن ويدعي »حسن سعيد« محكوم عليه بثلاث سنوات وقضي مدة تزيد علي سنة ونصف السنة بسجن برج العرب فتقدمت بأربع شكاوي لقطاع مصلحة السجون لكي ينقل إلي سجن المرج أو طرة لكي تقلل من النفقات الباهظة التي يتطلبها المشوار، بخلاف مصاريفه داخل السجن. وتقول: أعاني بسبب طول المشوار ومرضي الشديد فأنا أعاني من إصابات بالغة في العمود الفقري وحساسية في الصدر والألم بيسهرني طوال الليل لاحتياجي لعلاج شهري مرتفع التكاليف وذلك لا يتناسب مع الظروف المعيشية الصعبة، لكن عقلي سريعاً يرجع ويفكر في مستقبل أولادي ويذهب إلي ابني »المحبوس« وإخوته أيضاً الذين مازالوا في سن التعليم وعايزين دروس خصوصية إجبارية ومصاريف دائمة.. منين أجيب كل ده؟.. وأنا عاجزة عن العمل ولم أجد أمامي سوي »معاش مبارك« 350 جنيهاً هو كل ما أحصل عليه وزوجي متوفي.. لذا أطالب الحكومة بأن تنظر إلينا بنظرة عطف وشفقة وتقف بجانبنا وترحم شيخوختنا ومرضنا وتحاول أن تحقق لنا الراحة والستر في آخر أيامنا وتقرب علينا مسافات مع أبنائنا في السجون وأن تنقل ابني إلي سجن المرج أو طرة.. رحمة بي. بعيون تفيض بالدموع ولهفة عارمة ودقات قلب رنانة.. جاء لنا »عم عبدالله خيرت« الذي تجاوز ال 70 عاماً ومقيم بالسيدة زينب وكأن برؤيته لنا تحقق أمل كبير كان بعيداً وحكي لنا عن سنوات مريرة عاشها هذا الشيخ الكبير من فقر وقلة حيلة حيث لديه 6 أولاد وليس له أي مصدر للإنفاق علي نفسه سوي »معاش السادات« الذي لا يتجاوز 160 جنيهاً. عم عبدالله قال: المصاريف كتيرة وأنا أساساً أعاني من جلطة في المخ وعجز كامل بالجانب الأيسر للجسم وأتحرك بصعوبة وأنا في عرض أي قرش يساعدني لكي أواجه مصاريف الدواء، فضلاً عن مصاريف الأولاد، فبينهم ثلاثة في سن متقاربة لبعضهم وعلي وش زواج.. يحتاجون إلي شوار ومصاريف طائلة والباقون مش لاقيين شغل بعد التخرج من الجامعات ومعاهم 4 أولاد وأخري أرملة، فهؤلاء جميعهم في رقبتي ولا يزالون أمامهم صعوبات ليشقوا طريقهم في زمن المستحيل، ومفيش حاجة في إيدي علشان أعملها.. يا ريت كانت صحتي كويسة كنت اشتغلت وجنبت أولادي ذل الحاجة.. لذا أتمني الموت علي الحياة في ظل الغلاء الفاحش الذي طال كل شيء حولنا وعجز كبار السن عن العمل. الحاج موسي محمد - الشهير ب »أبوخير« 67 عاماً - هذا الرجل الوقور الذي ذاق الأمرين في حصوله علي معاشه الذي لا يتجاوز 300 جنيه ثم نظر إلي بضعة الجنيهات في حسرة وقال: »أدينا عايشين بشوية ملاليم« قولوا في الجرايد إن كبار السن مش لاقيين ياكلوا.. والحكومة كانت تتكلم عن زيادة في معاش التضامن تصل إلي ضعفين علي الأقل لكننا لم نر منهم أي شيء علي أرض الواقع، إلا أننا توقعنا بعد ثورة 25 يناير أن تتحقق هذه الوعود الزائفة وفوجئنا بالحديث عن زيادة ضئيلة لا تتناسب مع الارتفاع الجنوني للأسعار، وغلاء المعيشة، بخلاف ما ننعي همه من طوابير انتظار لا تنتهي في كل شيء في حياتنا، وأقسم الرجل إن هذا المعاش البسيط لا يكفيه هو وأولاده الثلاثة طوال الشهر وأنه يكمل باقي الشهر بسلفيات وديون عليه، وكأن الحكومة التي من المفترض أن تحقق لجميع المواطنين الرعاية والراحة والستر والخدمة العلاجية الجيدة، خاصة بالنسبة لكبار السن في آخر أيامهم »ودن من طين وودن من عجين«. مدير مكتب بريد: نواجه الزحام بتحديد مواعيد لكل فئة! محمد كمال - مدير مكتب بريد السيدة زينب - قال: مكتب بريد السيدة زينب يستقبل يومياً أعداداً كبيرة تتراوح ما بين 400 و600 فرد من أصحاب المعاشات بخلاف عملاء دفاتر التوفير والحسابات الجارية. أضاف »كمال« أن المكتب يقدم هذه الخدمة لجهات وأفراد متنوعين مثال المعاشات والعسكريين والتأمينات الاجتماعية »شيخوخة ولم يجد من يعوله وإصابة العمل والمعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة وشباب الخريجين والصحفيين بعد سن الستين«.. ويتم تحديد مواعيد لكل منهم محددة لصرف مستحقاتهم من المعاش، وهناك معاشات زادت بالفعل بنسبة 15٪ وأخري لم تزد.. وفي النهاية زيادة المعاشات تأتي من الحكومة ونحن ما علينا سوي تقديم خدمة صرف المعاش فقط، الكل يقف في انتظار دوره.