سعر صرف الجنيه المصرى يتصدع ، ولم تعد اجراءات الترميم وحدها تكفى لرأب الصدع، فقد شهد الجنيه المصرى انخفاضا سريعا وبشكل غير مسبوق من 6.1 جنيه مقابل الدولار الامريكى الى 6.45 جنيه خلال أيام معدودات. أصبحنا نتساءل . . ماذا يحدث؟! وكيف تحدث التقلبات فى سعر صرف العملة على المدى القصير؟! سعر الصرف هو سعر العملة الوطنية مقاسا بوحدات من عملة أخرى، ويتحدد هذا السعر بعوامل تتعلق بعرض العملة، والطلب عليها، وهى ترتبط بشكل أساسى بما للدولة من مستحقات ومتحصلات من العملات الاجنبية لدى الدول الأخرى، وبعبارة أخرى، التدفقات الداخلة للدولة من العملات الاجنبية والتدفقات الخارجة منها من هذه العملات. إذا تجاوزت التدفقات الداخلة التدفقات الخارجة يزيد عرض العملات الاجنبية ، ويتجه سعرها فى هذه الدولة نحو الانخفاض النسبى . أما اذا تجاوزت التدفقات الخارجة من العملات الاجنبية التدفقات الداخلة منها ، يقل عرض هذه العملات ، ويتجه سعرها نحو الارتفاع النسبى. هذه الاختلالات فى عرض العملات الاجنبية والطلب عليها ، قد تكون وقتية طارئة، يمكن للدولة أن تتدخل لتعديل ظروف عرضها والطلب عليها فى المدى القصير، أما فى حالة ما اذا كانت هذه الاختلالات هيكلية مزمنة فإن تدخل الدولة فى هذه الحالة يتطلب تطبيق حزمة من السياسات النقدية والمالية والتجارية والاستثمارية فى الأجلين القصير والطويل. وتأتى المشكلة الراهنة لسعر صرف الجنيه المصرى انعكاسا لأداء الاقتصاد المصرى فى السنوات الاخيرة، والذى تتلخص أهم مؤشراته فى الآتى:عجز كلى فى ميزان المدفوعات لعام 2012/2011بلغ نحو 11.3مليار دولار، بارتفاع قدره 16% عن العجز الكلى المحقق خلال العام 2011/2010والذى بلغ نحو 9.8 مليار دولار. 2- عجز الميزان التجارى فى ذات العام 2012/2011بلغ نحو 31.7مليار دولار محققا بذلك ارتفاعا قدره 17% عن العجز المحقق خلال العام المالى السابق 2011/2010والذى بلغ نحو 27.1مليار دولار. -3عجز ميزان المعاملات الجارية بنحو 30.2% ليحقق 7.9مليار دولار ، وصافى تدفقات للخارج فى الميزان المالى والرأسمالى بنحو 1.4 مليار دولار. 4 - تراجع الاستثمار الاجنبى المباشر، وانكماش الايرادات السياحية. وبالرغم من التزايد النسبى لتحويلات العاملين فى الخارج، وحصيلة ايرادات قناة السويس، فقد ظل عرض العملات الاجنبية يتناقص، فى الوقت الذى ينمو فيه الطلب المحلى عليها سواء بغرض الاستيراد حيث بلغت الواردات نحو 58.7 مليار دولار، أو بغرض المضاربة. ومع ضغط الطلب على العملات الاجنبية اندفعت أسعارها للارتفاع ، الامر الذى يهدد بدخول مصر فى مرحلة من الركود التضخمى تبدأ بتضخم مدفوع بأزمة فى العملات الاجنبية، وانخفاض فى قيمة العملة المحلية، الذى يأتى مقترنا بارتفاع أسعار الفائدة لتمويل عجز الموازنة العامة، ومقترنا فى الوقت ذاته بارتفاع تكلفة الانتاج. لقد ظلت السياسة النقدية فى مصر تستهدف الحفاظ على قيمة الجنية المصرى من التدهور، واستمر سعر الصرف المثبت عنوة هو وسيلة الدولة للتحكم فى معدل التضخم، وهو ما أدى الى التضحية بالمزيد من احتياطيات النقد الاجنبى. ولأن مشكلة سعر الصرف فى مصر ليست حالة عرضية طارئة، ولكنها نتيجة اختلال هيكلى يعتور الاقتصاد المصرى فلم يكن من الصائب الاستمرار فى التضحية بالمزيد من احتياطيات النقد الاجنبى، فقد يؤدى ذلك الى نفاذها بدون تحقيق الغرض الاصلى وهو استقرار سعر الصرف. الامر يحتاج الى اتخاذ بعض الاجراءات الفورية، بالتوازى مع مجموعة من السياسات فى الآجال القصيرة والمتوسطة والطويلة. وتتمثل الاجراءات الفورية أساسا فى استعادة الاستقرار السياسى ، واشاعة جو الثقة فى الادارة الاقتصادية ويتسنى ذلك باختيار القيادات ذات الخبرة والكفاءة العالية بغض النظر عن انتماءاتها السياسية، مع مراعاة واقعية التصريحات ومصداقيتها واتخاذ اجراءات صارمة لترشيد الاستيراد ، وأن تقتصر المشتريات الحكومية بكافة قطاعاتها على المنتجات الوطنية ولو كانت أعلى سعرا . الأمر أيضا يتطلب وضع قيود على تحويل العملة المحلية الى عملات أجنبية لتحجيم الدولرة ، ووضع ضوابط حاسمة على تحركات رؤوس الاموال قصيرة الاجل، والنظر فى فرض ضريبة عليها عند خروجها قبل مضى فترة معينة، وهو أحد الاجراءات التى اتخذتها ماليزيا فى علاج أزمتها المالية فى 1998/1997 . يأتى ذلك كله فى إطار استراتيجية متكاملة للتوسع الاستثمارى وجذب الاستثمار الاجنبى وتنشيط حركة الصادرات. [email protected]