40% ارتفاع فى إجمالى الناتج الإفريقى خلال السنوات العشر الأخيرة على الرغم من التحديات الصعبة التى تواجه القارة السمراء فإن وجود نقاط مضيئة يجذب اليها مزيدا من الاهتمام العالمى، الأمر الذى يعبر عنه ارتفاع حجم استثمارات الصين، ثانى اكبر اقتصاد فى العالم فيما تظل قضية اللاجئين عاملا تحفيزيا لاهتمام أوروبا أكثر بإفريقيا.
وفقا لإحصاءات رسمية ارتفع اجمالى الناتج الإفريقى بنسبة 40% على مدار السنوات العشر الماضية. وتعد نيجيريا من اكبر الاقتصادات فتحتل المركز 33 فى حين تحتل جنوب إفريقيا المركز السابع.
لكن على الرغم من ارتفاع مؤشر الحوكمة الإفريقى العام الى اعلى مستوى له فى عشر سنوات العام الماضى، مع تسجيل 34 دولة من بين 54 دولة إفريقية تحسنا منذ عام 2008، فإن الفرص الاقتصادية المستدامة لم تتغير كثيرا بحسب دراسة لمؤسسة الملياردير السودانى مو ابراهيم.
وفى حين احتلت موريشيوس المركز الاول من حيث تطبيق ممارسات الحوكمة، حلت كل من الصومالوجنوب السودان فى المركز الاخير.
1.8 تريليون دولار.. إجمالى الاستثمارات الصينية فى إفريقيا بين عامى 2005 و2018 ثلثها فى مشروعات البنية التحتية والطاقة توسع صينى
مع صعود الصين عالميا توسع دورها فى إفريقيا خلال العقدين الماضيين. ويُعد انعقاد منتدى التعاون الصينى الإفريقى كل ثلاث سنوات -الاخير فى سبتمبر الماضى- مؤشرا على عمق العلاقات الاقتصادية بين الصين والقارة السمراء.
وبحسب إحصاءات «معهد امريكان انتربرايز» قدر اجمالى حجم الاستثمارات الصينية فى إفريقيا بنحو 1.870 تريليون دولار بين عامى 2005 و2018، كان نصيب إفريقيا جنوب الصحراء منها 298 مليار دولار لتحل المركز الثالث بعد آسيا واوروبا كاكبر الوجهات المتلقية للاستثمارات الصينية.
وهكذا اصبحت الصين اكبر ممول لمشروعات البنية التحتية فى إفريقيا متجاوزة مجموع ما يضخه بنك التنمية الإفريقى والاتحاد الاوروبى ومؤسسة التمويل الدولية والبنك الدولى و"مجموعة الثمانى".
وتصدرت نيجيريا المركز الثانى بحجم استثمارات صينية بقيمة 49.2 مليار، تليها انجولا بنحو 24.5 مليار ثم اثيوبيا 23.6 مليار دولار.
تركز اهتمام الصينيين بالاستثمار فى مشروعات البنية التحتية -الطرق والكبارى والسكك الحديد- والطاقة بواقع الثلث لكل منها، تليها مشروعات التعدين.
على الصعيد التجارى، اصبحت الصين اكبر شريك تجارى لإفريقيا -بدلا من امريكا- منذ عام 2009.
وارتفعت المعاملات التجارية بين الصين وإفريقيا باكثر من 160 مليار دولار الى اكثر من 170 مليارا فى 2017، مقارنة بنحو 6.4 مليار دولار فى عام 2000.وبالمقابل خلال الفترة نفسها، ارتفع حجم التجارة بين الولاياتالمتحدة وإفريقيا بنحو 10 مليارات دولار فقط الى 42.8 مليار دولار. من ناحية اخرى ارتفاع حجم القروض الصينية يثير مخاوف إفريقية حيث تمتلك الصين 20% من الدين الإفريقى.
أبرز التحديات
فى الوقت نفسه تتعالى صيحات التحذير من تداعيات الحرب التجارية العالمية التى اطلق الرئيس الامريكى شرارتها الاولى على اوضاع الاقتصاد الإفريقى.
ومن تلك التحذيرات ما جاء على لسان منظمة التجارة العالمية بخصوص التهديد الذى يمثله تصاعد التوترات التجارية العالمية للاقتصادات الإفريقية، مشيرة الى ان نشوب حرب تجارية شاملة سيخفض التجارة العالمية بنسبة 17% والناتج العالمى 1.9%.
واكدت المنظمة مؤخرا ان الحرب التجارية تؤثر سلبا على استقرار القارة السمراء وتؤدى الى خفض النمو الاقتصادى فى بعض الدول الإفريقية، موضحة ان ارتفاع الدولار نتيجة تلك الحرب يزيد اعباء سداد ديون إفريقيا التى زادت كثيرا فى السنوات الاخيرة. وعلى سبيل المثال، ارتفعت ديون إفريقيا جنوب الصحراء الدولارية بنسبة 80% بين عامى 2013 و2017.
وبحسب المنظمة فإن تعاملات تجارية بقيمة 413 مليار دولار تضررت بسبب حرب الرسوم الجمركية الامريكية.
على صعيد آخر، ما زال معدل نمو نصيب الفرد من الدخل القومى فى الدول الإفريقية ضعيفا، وفى المقابل معدل نمو السكان سريعا بما يشير الى انه بحلول 2035 سيكون عدد السكان فى سن العمل (من15 الى 64) فى الدول الإفريقية منخفضة الدخل اكبر من مجموع تلك الشريحة فى باقى العالم اجمع.
وبحسب دراسات حديثة، تراجعت جودة التعليم فى اكثر من نصف الدول الإفريقية خلال السنوات الخمس الماضية.
والجدير بالذكر انه لا توجد علاقة بين حجم اقتصاد أى دولة إفريقية وبين الفرص الاقتصادية المتاحة فيها.
غير انه قد تحسنت امكانيات النفاذ الى فرص اقتصادية مستدامة فى 27 دولة خلال السنوات العشر الماضية وتدهورت فى 25 دولة.
وعلى الرغم من تحسن مستويات الشفافية وسيادة القانون فى بعض الدول الإفريقية فإن دولا اخرى تعانى من تراجع معايير السلامة -بسبب الحروب والنزاعات الاهلية- وعدم تنفيذ القانون.
نقاط مضيئة
أجمع الخبراء على ان التجارة والاستثمار يمثلان المحور الرئيسى لمواجهة تحديات الصعود الإفريقى -مثل البطالة- وللحد من الهجرة غير الشرعية.
وتشير الاحصاءات الى ارتفاع عدد سكان إفريقيا من 1.2 مليار نسمة حاليا الى مليارى نسمة بحلول 2050 ما يعزز مكانتها كواحدة من اكبر اسواق العالم. وتمتلك القارة السمراء مقومات مهمة للنجاح، منها انها ثانى اكبر قارة فى العالم، ونسبة 12.5% من عدد سكانها فى سن العمل، وتمتلك 60% من الاراضى الخصبة غير المزروعة و50% من الانتاج العالمى للبلاتينيوم، الكوبالت، والماس، وعنصر «التنتالوم» الكيميائى، و11% من الانتاج العالمى للنفط و6% من الانتاج العالمى للغاز الطبيعى و4% من الانتاج العالمى للفحم.
وتوقع محللون ان تصبح موزمبيق«قطر الإفريقية» بعد اكتشافات الغاز الطبيعى الهائلة فى عام 2010، وان تتحول الى واحدة من اكبر منتجى الغاز الطبيعى المسال فى العالم، لكن لم يحدث ذلك الى الآن، ومن المقرر بدء الانتاج الفعلى لمشروعين كبيرين فى 2023 و2024.
كانت موزمبيق واحدة من اسرع عشرة اقتصادات فى العالم قبل تعثرها عن سداد ديونها فى عام 2016، لتجرى حاليا مفاوضات مع صندوق النقد الدولى من اجل الحصول على حزمة مساعدات جديدة، مع انخفاض معدل النمو الى 3.8% بعدما كان يتجاوز 8% سنويا من عام 1995 الى 2015.
وبحسب منظمة الشفافية الدولية تكبدت البلاد 5 مليارات دولار تكلفة الفساد بين عامى 2002 و2014.
حاليا، يعد تفاقم الدين العام من اكبر المشكلات التى تواجه موزمبيق والمقدر بنسبة 112% من الناتج المحلى الاجمالى.
الشراكة الاقتصادية لمجموعة العشرين مع إفريقيا
استضافت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل الاسبوع الماضى قمة «الاستثمار من أجل إفريقيا» بهدف رفع مستوى الاستثمارات الاجنبية فى إفريقيا.
حضر القمة 11 رئيس دولة وحكومة، فخلال رئاسة المانيا لمجموعة العشرين فى العام الماضى، اطلقت ميركل مبادرة لتعزيز النمو الاقتصادى فى قارة إفريقيا، والمؤتمر هو أول استعراض لنجاحها.
وقبل انعقاد القمة فى برلين طالبت وزيرة الزراعة الألمانية يوليا كلوكنر الاقتصاد الألمانى بالمزيد من التعاون والعمل فى إفريقيا لافتة الى ضعف توجه الشركات الالمانية نحو القارة السمراء، وانه سيكون هناك مكسب للجانبين فى حالة التعاون، فالهند والصين موجودتان منذ مدة وتضمنان مواد أولية قيمة مثل الليثيوم الذى يستخدم فى بطاريات السيارات الكهربائية.
وأجرى وزير التعاون التنموى جيرد مولر محادثات مع ثلاث دول هى اثيوبيا والمغرب والسنغال من اجل «توفير مستقبل للشباب الإفريقى داخل إفريقيا نفسها».
لكن كثيرا من الافارقة بناء على تجاربهم بخصوص سياسة الاستعمار الاوروبية متشككون تجاه المبادرات الاوروبية. وهذا اتضح فى مثال المفاوضات من اجل اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الاوروبى وخمس دول إفريقية: تنزانيا وبوروندى وكينيا ورواندا وأوغندا. وفى فبراير من العام الجارى عارض رئيس تنزانيا جون ماجفولى هذا النوع من الاتفاقيات وحتى النواب فى البرلمان التنزانى صوتوا ضد ذلك.
ولكن بخلاف الساسة من الاتحاد الاوروبى لا يعتقد رؤساء الدول والحكومات الإفريقية بأن التجارة الحرة ستأتى بمزيد من الرفاهية فى إفريقيا.