جني الثمار لمن يعمل حتى لا نعطى المواطن آمالا وهمية أعرب الدكتور حسين عيسى رئيس لجنة الخطة والموازنة، عن تفاؤله الحذر بوضع الاقتصاد الحالى نتيجة النجاح فى تطبيق الإصلاحات المالية والنقدية، لكنه يرى أنه لا بديل عن إجراء الإصلاحات التشغيلية الناتجة عن جلب استثمار أجنبى مباشر بما لا يقل عن 15 مليار دولار سنويا مع تشجيع الاستثمار المحلى بتحسين بيئة الاستثمار الذى من أهم أركانه البدء فى إصلاح إدارى وتشريعى جذرى بالإضافة إلى تشجيع المواطنين على استثمار أموالهم بشراء أسهم وسندات بدلا من ادخارها فى البنوك على أن تقتصر مهمة البنوك على تقديم الخدمات المالية فقط كما هو حاصل فى أغلب دول العالم. وقال فى حوار ل"الاقتصادى": إن الاستثمار الأجنبى المباشر هو البديل الآمن للقروض الخارجية التى يعتقد أنها لم تصل إلى مرحلة الخطر نتيجة قدرة مصر على السداد.. هنا التفاصيل. أنجزنا إصلاحات مالية ونقدية وعلينا أن نبدأ إصلاحا تشغيليا وإنتاجيا
• كيف ترى الموازنة العامة للدولة 2019-2018؟ هى أول موازنة بعد مضى عام تقريبا على تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى، كما أنها أول موازنة يناقشها البرلمان فى ظل وجود بعض المؤشرات الإيجابية للاقتصاد الكلى مثل زيادة الاحتياطى الدولارى إلى مستويات غير مسبوقة ليصل إلى 44 مليار دولار. بالإضافة إلى ارتفاع معدل النمو الاقتصادى وانخفاض نسبة البطالة لتصل إلى 10% وكذلك انخفاض معدلات التضخم من 34% لتصل إلى 13%. كما أن نسبة عجز الموازنة إلى الناتج المحلى الإجمالى شهدت انخفاضا من 12% إلى 10%. أيضا حققنا زيادة فى الصادرات غير البترولية وانخفاضا فى الواردات. وتم تحقيق فائض أولى وهو الفرق بين الإيرادات والمصروفات باستثناء الفوائد لأول مرة. كل هذا أعطى رسالة أننا نمتلك القدرة على تعظيم الإيرادات وترشيد النفقات بحيث نحقق فائضا أوليا يسهم فى تغطية الفوائد فى السنوات المقبلة. • هل تتوقع نجاح الحكومة فى تحقيق معدل النمو المستهدف 5.8%؟ نأمل فى هذا، لكن يجب الوضع فى الاعتبار أن المنوط بتحقيق هذا النمو ليس وزارة المالية وحدها، بل يجب أن يكون نتاج جهد جاد وشاق لوزارات الصناعة والاستثمار والزراعة وقطاع الأعمال العام والسياحة، لذلك كنت أتمنى تعيين نواب لرئيس الوزراء بحيث يكون لكل نائب ملف يعمل عليه. وأنا مشفق على وزير المالية من الإثقال عليه بمهمة تعظيم موارد الدولة، وهذا ليس دوره إلا فى إطار الضرائب والجمارك فقط. • أطلقت على كلتا الموازنتين السابقتين وصف "موازنة مخنوقة"، هل سيشمل هذا الوصف الموازنة الحالية أيضا؟ لا يمكن مقارنة موازنة 2018-2019 بالموازنتين السابقتين، وقد صارحت رئيس الوزراء السابق المهندس شريف إسماعيل بأن موازنة 2016-2017 لا يمكن تحملها أكثر من عامين، لأن بها مشاكل ضخمة، لذلك كنا فى أمس الحاجة إلى إحداث إصلاح اقتصادى حقيقى، وهو ما حدث بالفعل فى نوفمبر 2016 والذى من أركانه تعويم الجنيه وإصدار تشريعات اقتصادية مثل قانون القيمة المضافة، وما كنا لنصل إلى ما وصلنا إليه اليوم من تحسن فى مؤشرات الاقتصاد الكلى لولا تطبيقه. وبالتالى الموازنة الحالية التى يبلغ حجم استخداماتها تريليونا و420 مليار جنيه وتقترب مواردها من 989.188 مليار وعجز كلى 438.594 مليار جنيه يمول بأذون خزانة ودين محلى ما زالت مختنقة ولكن هناك مجالات للتنفس. • ما تلك المجالات على وجه التحديد؟ بواعث الأمل متعددة مثل الاكتشافات البترولية والغاز الطبيعى وزيادة الصادرات وانتعاش السياحة وزيادة تحويلات المصريين فى الخارج. لكن تظل النقطة الفارقة فى وجود ملفات اقتصادية تحتاج إلى رؤية خلاقة غير تقليدية فى التعامل معها، على رأس تلك الملفات ملف السياحة كصناعة متكاملة من نقل وفنادق وطرق ومطاعم ومحال وطيران بالإضافة إلى الخدمات السياحية الأخرى، لهذا أكذب من صنفها نشاطا ريعيا، لأنها ليست كذلك، بل هى صناعة ضخمة. • ما تعليقك على مراجعة الصندوق الثالثة؟ المراجعة الأخيرة كانت إيجابية، فقد أشاد التقرير بالتحسن فى مؤشرات الاقتصاد الكلى وفى الوقت نفسه حذر من التخلى عن تطبيق البرنامج وعدم استكماله، كما نادى بالاهتمام ببرامج الحماية الاجتماعية لأنه يعلم أن الإجراءات الإصلاحية صعبة نتيجة أننا قمنا لسنوات طويلة بالاستهلاك على حساب الأجيال القادمة واستمتعنا باستهلاك سلع مدعمة تباع بأقل من تكلفة إنتاجها الحقيقية غير مدركين أن هذا الوضع ما كان له أن يستمر إلى ما لا نهاية. كما أن المراجعة تعكس أننا ماضون فى طريق الإصلاح الاقتصادى على الرغم من كونه برنامجا صعبا ومعقدا، وكما كرر الرئيس عبد الفتاح السيسى أكثر من مرة أن الطبقات محدودة الدخل والطبقة المتوسطة هى من تتحمل تكلفته إلا أنه أمر لا مفر منه. • كيف استفاد الاقتصاد المصرى من قرض الصندوق؟ الفكرة ليست فى مبلغ قرض صندوق النقد الدولى البالغ 12 مليار دولار تُحَصل على 6 دفعات، فقد أخذنا بترولا من الدول العربية بمبالغ تصل إلى 16 مليار دولار. لكن قبل الشروع فى تنفيذ إجراءات الإصلاح الاقتصادى وقبل وجود تدفقات دولارية كما هو حاصل الآن كنا نشهد نقصا شديدا فى هذه التدفقات، وكنا نحتاج إلى دعم الصندوق. وبعد أزمة مهاتير محمد فى ماليزيا توقف الصندوق عن إعطاء الدول تلك الروشتة الإصلاحية الصماء التى كان يعطيها لكل الدول دون استثناء بغض النظر عن ظروفها، واستبدلوا بها فكرا جديدا، وقد قابلت بعثة الصندوق أكثر من مرة، وما لمسته منهم هو حرص الصندوق على تحسن المؤشرات الاقتصادية قدر حرصهم على أن يشهد مستوى معيشة المواطنين ارتفاعا. وانعكاسا لرغبة الصندوق من التأكد من قدرة مصر على سداد الدين نص الاتفاق على قيام الصندوق بعمل برنامج مراجعة للمؤشرات الاقتصادية كل 6 أشهر وبناء عليه يتم عمل توصية بصرف الشريحة أم لا، وهو أسلوب رائع بالمقارنة بأسلوب عمل الصندوق القديم الذى كان يعطى الأموال دفعة واحدة. وقد قلت لأعضاء بعثة الصندوق على سبيل الدعابة ماذا لو افترضنا أن الأداء الاقتصادى المصرى شهد تحسنا شديدا؟ قالوا إن هذا سيسعدهم وإن مصر ستصبح فى غنى عن صرف الشريحة القادمة. وأقول لكل من شكك فى بنود الاتفاق مع الصندوق إنها ليست سرية بل معلنة على موقع الصندوق منذ 3 سنوات وقد كنت من القلائل الذين قاموا بترجمتها بنفسى. • لماذا لم تستجب الصادرات بالصورة المأمولة لتخفيض قيمة الجنيه؟ يستجيب لتخفيض الجنيه 3 أشياء، أولا انخفاض الواردات، وهو ما حدث بالفعل، ثانيا زيادة الصادرات لكنها لم تزد بالنسبة المأمولة، ثالثا قطاع السياحة، وحتى أكون أمينا كل ما شهدته مصر من إصلاحات حتى الآن هو إصلاحات مالية ونقدية لتهيئة بيئة الأعمال لجذب استثمارات مباشرة وليست إصلاحات تشغيلية، بمعنى أنه لا مفر من أن تقوم مصر بجلب استثمارات أجنبية مباشرة لا تقل عن 12 إلى 15 مليار دولار سنويا، وهو لم يحدث. • ما الذى يعوق قدوم الاستثمارات الأجنبية المباشرة؟ علينا أن نعرف الأسباب بالأخص بعد إصدار قانون الاستثمار ولائحته التنفيذية وتغيير قانون سوق المال، لأن هذا يشير إلى أن هناك أمورا مهمة أخرى لم تحدث بعد مثل تهيئة بيئة الاستثمار، فحقا أصبح المستثمر يذهب إلى مركز خدمة المستثمرين ويقوم بالانتهاء من إجراءاته فى يومين بدلا من 6 أشهر لكن فى النهاية استمر وجوب الحصول على نفس عدد 20 موافقة من الجهات المختلفة التى لم ترفع يدها عن المستثمر. وهو ما يضعنا أمام حقيقة ملحة لا مفر منها وهى ضرورة إصلاح الجهاز الإدارى للدولة وإعادة هيكلة إجراءاته وقوانينه وعمالته. فتعامل المستثمر مع شركتى الكهرباء والمياه ومصلحة الضرائب وبقية أجهزة الدولة العميقة به تكرار وتعارض هائل ويشهد ظاهرة الحفاظ على النفوذ. وهذا كان معلوما بالنسبة لى كمواطن لكن لمسته وعايشته عن قرب بعد أن أصبحت رئيسا للجنة الخطة والموازنة، لأن كل أرقام الدولة عندى. لذلك أرى أن هناك أجهزة يجب أن تندمج وأخرى يجب أن تصفى من الأساس. وإذا كانت الدولة تدار حاليا ب7.5 مليون موظف و80 ألف تشريع تقريبا فهذا وضع شديد التعقيد لا نتحمله ونحن لا نحتاج سوى نصف مليون موظف على أقصى تقدير، كما يجب تبسيط واختصار عدد القوانين إلى ألفين بهدف التيسير والبعد عن التعقيدات المعوقة للعمل. وقد نادى الرئيس عبد الفتاح السيسى بضرورة إصلاح عدد من الملفات ومنها الصحة والتعليم وإصلاح الجهاز الإدارى، لأنه ملف شديد الخطورة لما شابه من ترهل وبيروقراطية تشكل عائقا كبيرا نحو الانطلاق والتقدم. • كيف يمكن جذب الاستثمار الأجنبى المباشر؟ وجود خريطة استثمارية واضحة لمصر أمر أساسى ولكن نفترض أننا عرضنا 100 فرصة استثمارية فى الخارج مرفقة بدراسات الجدوى الخاصة بها ونتخيل أنها لم ترق للمستثمر الأجنبى فبالتالى نحن لا نملك إجباره على القدوم لهذا يجب أن نخلق معه قنوات اتصال وحوار للوصول إلى توافق فى الآراء وإلى حل يرضى جميع الأطراف ونحن نفتقر إلى وجود مثل هذا الحراك. النقطة الأخرى المهمة لجذب الاستثمار هى افتتاح عدد من مشروعات الكهرباء مؤخرا وذلك من أبرز الأعمال التى تشجع على الاستثمار فى مصر لانها رسالة مهمة بجاهزية مصر وقدرتها على استيعاب الاستثمار. ومن أهم العوامل التى يجب أن نضعها فى اعتبارنا أن الاستثمار لا يعنى مستثمرا أجنبيا فقط بل محليا فالاقتصاد القومى سيستفيد عند قيام المستثمر المحلى بسحب وديعة من البنك وتشغيلها فى مشروع, ولهذا نجد أن سعر الفائدة فى اغلب بنوك العالم صفر لان هذه الدول تريد حث المواطنين وتشجيعهم على الاستثمار وليس الادخار، بينما نحن فى مصر نعمل بعقلية المدخر وليس المستثمر بدليل أن فوائد البنوك حتى يومنا هذا معفاة من الضرائب لان الادخار هو سقف طموحنا، لذلك يجب حث المواطنين على شراء الأسهم والسندات على أن يعمل البنك كبائع للخدمات المالية مثل إصدار خطابات الضمان والاعتمادات المستندية إلى آخره. حقيقى أن أموال الاستثمار المحلى ليست أموالا جديدة تضخ فى شريان الاقتصاد لكن عائد استغلالها أعلى من الادخار بالإضافة إلى أن احد أهم أساليب جذب المستثمر الأجنبى هو أن يجد نظيره المحلى يعمل بسلاسة ولا توجد لديه مشاكل مع الجهات الحكومية المختلفة. • هل وضع الدين الداخلى والخارجى حرج؟ الدين الخارجى يقترب من 88 مليار دولار أى ضعف الاحتياطى الدولارى وهو حتى الآن آمن لأننا لم نتخلف مرة واحدة عن سداد أى قسط أو فوائد للدين. المطمئن أن الديون الخارجية لا توجه إلى استيراد مواد غذائية بل توجهه إلى مشروعات استثمارية أو بنية أساسية وسيتم تسديد فوائد الدين من عوائد تلك المشروعات ولكن يفضل العمل على الاعتماد على الاستثمارات المباشرة والمنح وتقليل الاعتماد على الدين الخارجى فى المستقبل. الدين المحلى هو المقلق لكن ما يطمئن أن نسب الزيادة فى الناتج المحلى الإجمالى أعلى من نسب الزيادة فى الدين المحلى وهذا أمر جيد جدا. • كيف يمكن تعظيم إيرادات الدولة؟ على الرغم من زيادة الحصيلة الضريبية لكننا نحتاج إلى رفع كفاءة الإدارة الضريبية وتوسيع قاعدة المجتمع الضريبى ليشمل المهنيين والاقتصاد غير الرسمى مع الاحتفاظ بسعر الضرائب الحالى دون أى تعديل. فلا يعقل اننا فى القرن 21 ولا نستطيع محاسبة المهنيين ضريبيا فى حين أنهم يصرخون وينادون بحقهم فى الدعم خصوصا فى المحروقات والكهرباء والغاز. لكن فى المقابل يجب على الدولة أن تسهل على المواطن دفع الضريبة وما يحدث فى تحصيل الضريبة العقارية مهزلة وقد ناقشت وزير المالية الدكتور محمد معيط وهو يحاول تصحيح الوضع. وقد آن الأوان أن ندرس بعمق وعن فهم تعظيم إيرادات الدولة غير الضريبية عن طريق تقديم الخدمات نفسها بأسعار متدرجة للفئات المختلفة وهذا ممكن خصوصا فى ظل الرقمنة وتحويل المجتمع للمعلوماتية بمعنى أن يتم النظر فى دخل الفرد وما يمتلكه من أصول وبناء عليه تحدد قيمة الخدمة المقدمة له وفق إمكاناته على سبيل المثال تتحمل الدولة نسبا مختلفة من تعليم الأبناء بدءا من صفر وصولا إلى 100% وفقا لما يقدمه ولى الأمر من مستندات تثبت دخله ويطبق هذا فى جميع الخدمات من تعليم إلى صحة للحفاظ على مستوى الخدمة المقدمة، نحن نحتاج إلى حلول جذرية للمشاكل وليست حلولا استعراضية دعائية. أيضا ما يحدث طفرة موارد سريعة هو ازدهار صناعة السياحة وقطاع الصناعة التحويلية بشكل عام وقطاع المقاولات والاستثمار العقارى والقطاع الزراعى. • تعطى أهمية خاصة لقطاع السياحة فما رؤيتك لتطويره؟ للأسف من أضعف الملفات تناولا فى برنامج الحكومة الذى عرض مؤخرا على مجلس النواب، كان ملف السياحة. هذا الملف يخص عددا من الوزارات مثل السياحة والطيران والثقافة والتعليم. فنجد الطفل فى دول جاذبة للسياحة كلبنان وفرنسا أو اسبانيا على سبيل المثال يتعلم كيف يستقبل السائحين. ومصر تحتاج إلى مجال يكون لها فيه قدرة تنافسية وهذا شىء صعب يحتاج إلى مجهود من صانعى ومنفذى السياسات. فمثلا هل يعقل أن تُدر السياحة العلاجية فى الأردن مع كامل احترامى للدولة الشقيقة دخلا أكثر من مصر؟! وأيضا منذ خمسين عاما مضت مصر كانت تأتى فى المرتبة الثالثة بالنسبة لأفضلية أبناء الخليج فى التعليم الجامعى وما قبله بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية وانجلترا ومعظم قادة الرأى بدول الخليج اليوم يفتخرون أنهم من خريجى الجامعات المصرية لكن بكل أسف تغير هذا الوضع الآن. أيضا سياحة المؤتمرات وسياحة الأفراح والمناسبات الاجتماعية يجب أن تعطى مزيدا من الاهتمام وتوجد فى مصر أماكن لا يعرف عنها احد خارج الخريطة السياحية. وقد كنت سعيدا جدا عندما استجاب الرئيس لدعوات المثقفين بعدم افتتاح المتحف المصرى الكبير افتتاح جزئيا والانتظار حتى يتم افتتاحه بالكامل بالشكل اللائق بمصر بما يتوقع أن يعظم موارد مصر السياحية بشكل كبير حيث إن كل متاحف العالم تباهى بقسم المصريات لديها. • ما معوقات السياحة من وجهة نظرك؟ سوف أتكلم بصفتى مواطنا لذلك أنا فى حل من أى قيود نحن نحتاج إلى أن نسال أنفسنا ونجيب بصراحة عن التساؤلات التالية. أولا: هل مصر تمتلك مقومات دولة سياحية كبرى؟ الإجابة نعم. ثانيا: هل مصر تطبق سياسات وإجراءات دولة سياحية كبرى؟ الإجابة لا وألف لا. ثالثا: هل التفكير والإجراءات الحكومية فى مجال السياحة مفيدة فى تنشيط السياحة؟ الإجابة لا، بل على العكس تبتعد تماما عما ينادى به الخبراء المصريون الناجحون العاملون فى هذا المجال وهو ما يثير جنونى فكل ما تفعله الحكومة وهيئة تنشيط السياحة جهود عقيمة تقليدية تفتقر إلى مواكبة العصر فعلى سبيل المثال هل انعدم الفكر الابداعى لنختزل الدعاية السياحية لمصر فى برلين برقصة التنورة وبعض الرقص الفلكلورى فى المهرجانات ونتقولب على هذا الشكل الدعائى لعشرات السنوات. يجب أن نرقى إلى منافسة الدول السياحية الأخرى ونتفوق عليها.
• لماذا تأخر تنفيذ اللامركزية المالية بين المحافظات؟ فيما يخص هذا الشأن أدعو المواطنين إلى الاطلاع على نسخة قانون الإدارة المحلية الجديد المكون من 145 مادة الذى يعد خطوة أولى نحو اللامركزية الاقتصادية فى المحافظات. وقد اشتركت مع لجنة الإدارة المحلية فى مناقشة هذا القانون لوضع أفكار جديدة فى توفير واستغلال الموارد المالية. القانون مقسم إلى جزأين الأول يعالج قضايا الانتخابات والنواحى السياسية والثانى خاص بالمسائل المالية والاقتصادية والإدارية. والجديد أن القانون أعطى استقلالية ضخمة للمحافظات وهناك مواد أعطت الحق للمحافظات فى الاستفادة من حصيلتها الضريبية دون أن تذهب للخزانة العامة للدولة كما هو حادث فى كثير من دول العالم المتقدم وهذه خطوة مهمة لخلق ما يسمى بالأقاليم الاقتصادية المستقلة المكونة من عدد من المحافظات بما يخفف العبء من على كاهل الموازنة العامة للدولة. واللامركزية فى مصر عملية ليست سهلة لاننا دولة مركزية بالأساس ودائما نخشى أن توضع الأموال فى أيدى غير المتخصصين وعديمى الكفاءات حال تطبيق اللامركزية وهذا هو ما خلق صراعا بين اللجوء إلى اللامركزية التى أثبتت نجاحها فى العالم وبين التريث فى تطبيقها. وأنا شخصيا مع تطبيق اللامركزية لإيمانى بوجود العديد من الكفاءات المهدرة فى المحافظات بالأخص فى الجامعات المنتشرة فى أنحاء مصر لكنها تحتاج إلى من يكتشفها وهذا ما لمسته بالتجربة العملية من خلال التعامل مع الموظفين الشباب الذين يقومون بتنفيذ موازنة البرامج والأداء فى الوزارات المختلفة حيث تحول أداؤهم 180 درجة من عمل روتينى تقليدى إلى عمل خلاق مبدع. • إلى أى مدى نجحنا فى تطبيق الشمول المالى؟ قطعنا خطوات فى هذا الطريق لكن نحتاج إلى إصدار قانون ينظمه. كما يجب أن نضع حوافز لجذب الناس للمنظومة المالية الرسمية وتغيير العملة احد الوسائل لكن ليس فى الوقت الحالى ربما فى مرحلة لاحقة ، فالأهم هو إقناع الناس بأنهم سيكنون هم الرابحين بالانتقال إلى الاقتصاد الرسمى. ومن وسائل تحقيقه أيضا إعطاء رقم قومى أو ما شابهه لا يمكن إجراء التعاملات النقدية إلا من خلاله بما يضع التعاملات كافة فى النور. • هل تتوقع حدوث فقاعة عقارية؟ لا أنا ضد هذه الأفكار فالقطاع العقارى بخير، لكن زيادة الأسعار ناتجة عن أن الطلب أكثر من العرض ليس إلا. • كيف يمكن أن تشهد مصر انطلاقا اقتصاديا؟ نحن الآن أكثر حظا من الماضى حين كانت تجارب الانطلاق الاقتصادى لا تنتقل بسهولة بين الدول، بينما الآن فى عصر المعلوماتية أصبح لا توجد أسرار ونستطيع إرسال مبعوثين لدراسة أسباب تفوق الدول الأخرى فى جلب الاستثمارات مثلا. فما زالت الأموال تبحث عن مجالات آمنة للاستثمار ونمتلك فرصا استثمارية واسعة جدا باستثناء الاستثمارات التى نأمل أن نحصل عليها من خلال المشروعات القومية العملاقة مثل مشروع تنمية إقليم قناة السويس ومشروع الضبعة إلى آخره. أنا أتحدث عن الاستثمار الحقيقى فى مصانع وشركات وهيئات متوسطة الأجل وهو ما لا يمكن فصله عن التعليم وتدريب العامل المصرى الذى أصبح مكلفا ولديه الكثير من المتطلبات ويتسم بمستوى فنى بعيد عن القدر المأمول هذا إذا ما نجح المستثمر فى العثور عليه من الأساس وفى حال وجد وامتلك المهارة الكافية وقام بتأسيس عمل خاص به نجده يغالى فى ثمن خدمته ويدخل تحت منظومة الاقتصاد غير الرسمى الذى يحصل على دعم تموينى أو تكافل وكرامة ولا يقوم بسداد ضرائب على الرغم من تحقيقه مكاسب هائلة وهذا هو الواقع بكل اسف. وبالتالى مشروع مثل رقمنة محافظات مصر الذى أطلق مؤخرا فى منتهى الخطورة لأنه سيظهر إلى العلن جميع الأنشطة الاقتصادية بكل وضوح أمام صناع السياسات. كما أن أموال السياحة لحظية تختلف عن بقية مجالات الصناعة الأخرى لذلك فهى كنز مهدر وأهم الأصول غير المستغلة فى مصر ويجب التركيز على السياحة الوافدة من دول شهدت ارتفاعا فى مستوى الدخل مثل الصين ودول أمريكا الجنوبية وماليزيا وجنوب شرق آسيا. • هل أنت متفائل بمستقبل الاقتصاد؟ لا نملك سوى التفاؤل الحذر المبنى على العمل وتغيير العقليات وفكرة مفهوم جنى الثمار الذى أسمعه على لسان المسئولين ليل نهار لكسب الرأى العام يجب أن نعدله فى المرحلة القادمة وتغييره بجنى الثمار لمن يعمل والعملية ليست جنى ثمار بل زيادة حجم الاقتصاد ليشمل الجميع ويفتح المجال للنمو لمن يعمل حتى لا نعطى المواطن آمالا وهمية فى ظل بيئة اقتصادية متأزمة. ونشرح للمواطن أن جهده الذى كان يكسب منه 100 جنيه مع تحسن الاقتصاد واستمراره فى العمل الجاد سوف يكسبه 300 جنيه. الحكومة امتلكت الشجاعة لمواجهة المواطن بأن مستوى معيشته سيتأثر قليلا فى سبيل إجراء الإصلاحات المالية والنقدية لكن إذا لم ندخل فى الإصلاحات التشغيلية فسنجد أنفسنا بعد سنوات محلك سر لم نتطور لذلك نحن فى صراع مع الزمن.
• كيف ترى الموازنة العامة للدولة 2019-2018؟ هى أول موازنة بعد مضى عام تقريبا على تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى، كما أنها أول موازنة يناقشها البرلمان فى ظل وجود بعض المؤشرات الإيجابية للاقتصاد الكلى مثل زيادة الاحتياطى الدولارى إلى مستويات غير مسبوقة ليصل إلى 44 مليار دولار. بالإضافة إلى ارتفاع معدل النمو الاقتصادى وانخفاض نسبة البطالة لتصل إلى 10% وكذلك انخفاض معدلات التضخم من 34% لتصل إلى 13%. كما أن نسبة عجز الموازنة إلى الناتج المحلى الإجمالى شهدت انخفاضا من 12% إلى 10%. أيضا حققنا زيادة فى الصادرات غير البترولية وانخفاضا فى الواردات. وتم تحقيق فائض أولى وهو الفرق بين الإيرادات والمصروفات باستثناء الفوائد لأول مرة. كل هذا أعطى رسالة أننا نمتلك القدرة على تعظيم الإيرادات وترشيد النفقات بحيث نحقق فائضا أوليا يسهم فى تغطية الفوائد فى السنوات المقبلة. • هل تتوقع نجاح الحكومة فى تحقيق معدل النمو المستهدف 5.8%؟ نأمل فى هذا، لكن يجب الوضع فى الاعتبار أن المنوط بتحقيق هذا النمو ليس وزارة المالية وحدها، بل يجب أن يكون نتاج جهد جاد وشاق لوزارات الصناعة والاستثمار والزراعة وقطاع الأعمال العام والسياحة، لذلك كنت أتمنى تعيين نواب لرئيس الوزراء بحيث يكون لكل نائب ملف يعمل عليه. وأنا مشفق على وزير المالية من الإثقال عليه بمهمة تعظيم موارد الدولة، وهذا ليس دوره إلا فى إطار الضرائب والجمارك فقط. • أطلقت على كلتا الموازنتين السابقتين وصف "موازنة مخنوقة"، هل سيشمل هذا الوصف الموازنة الحالية أيضا؟ لا يمكن مقارنة موازنة 2018-2019 بالموازنتين السابقتين، وقد صارحت رئيس الوزراء السابق المهندس شريف إسماعيل بأن موازنة 2016-2017 لا يمكن تحملها أكثر من عامين، لأن بها مشاكل ضخمة، لذلك كنا فى أمس الحاجة إلى إحداث إصلاح اقتصادى حقيقى، وهو ما حدث بالفعل فى نوفمبر 2016 والذى من أركانه تعويم الجنيه وإصدار تشريعات اقتصادية مثل قانون القيمة المضافة، وما كنا لنصل إلى ما وصلنا إليه اليوم من تحسن فى مؤشرات الاقتصاد الكلى لولا تطبيقه. وبالتالى الموازنة الحالية التى يبلغ حجم استخداماتها تريليونا و420 مليار جنيه وتقترب مواردها من 989.188 مليار وعجز كلى 438.594 مليار جنيه يمول بأذون خزانة ودين محلى ما زالت مختنقة ولكن هناك مجالات للتنفس. • ما تلك المجالات على وجه التحديد؟ بواعث الأمل متعددة مثل الاكتشافات البترولية والغاز الطبيعى وزيادة الصادرات وانتعاش السياحة وزيادة تحويلات المصريين فى الخارج. لكن تظل النقطة الفارقة فى وجود ملفات اقتصادية تحتاج إلى رؤية خلاقة غير تقليدية فى التعامل معها، على رأس تلك الملفات ملف السياحة كصناعة متكاملة من نقل وفنادق وطرق ومطاعم ومحال وطيران بالإضافة إلى الخدمات السياحية الأخرى، لهذا أكذب من صنفها نشاطا ريعيا، لأنها ليست كذلك، بل هى صناعة ضخمة. • ما تعليقك على مراجعة الصندوق الثالثة؟ المراجعة الأخيرة كانت إيجابية، فقد أشاد التقرير بالتحسن فى مؤشرات الاقتصاد الكلى وفى الوقت نفسه حذر من التخلى عن تطبيق البرنامج وعدم استكماله، كما نادى بالاهتمام ببرامج الحماية الاجتماعية لأنه يعلم أن الإجراءات الإصلاحية صعبة نتيجة أننا قمنا لسنوات طويلة بالاستهلاك على حساب الأجيال القادمة واستمتعنا باستهلاك سلع مدعمة تباع بأقل من تكلفة إنتاجها الحقيقية غير مدركين أن هذا الوضع ما كان له أن يستمر إلى ما لا نهاية. كما أن المراجعة تعكس أننا ماضون فى طريق الإصلاح الاقتصادى على الرغم من كونه برنامجا صعبا ومعقدا، وكما كرر الرئيس عبد الفتاح السيسى أكثر من مرة أن الطبقات محدودة الدخل والطبقة المتوسطة هى من تتحمل تكلفته إلا أنه أمر لا مفر منه. • كيف استفاد الاقتصاد المصرى من قرض الصندوق؟ الفكرة ليست فى مبلغ قرض صندوق النقد الدولى البالغ 12 مليار دولار تُحَصل على 6 دفعات، فقد أخذنا بترولا من الدول العربية بمبالغ تصل إلى 16 مليار دولار. لكن قبل الشروع فى تنفيذ إجراءات الإصلاح الاقتصادى وقبل وجود تدفقات دولارية كما هو حاصل الآن كنا نشهد نقصا شديدا فى هذه التدفقات، وكنا نحتاج إلى دعم الصندوق. وبعد أزمة مهاتير محمد فى ماليزيا توقف الصندوق عن إعطاء الدول تلك الروشتة الإصلاحية الصماء التى كان يعطيها لكل الدول دون استثناء بغض النظر عن ظروفها، واستبدلوا بها فكرا جديدا، وقد قابلت بعثة الصندوق أكثر من مرة، وما لمسته منهم هو حرص الصندوق على تحسن المؤشرات الاقتصادية قدر حرصهم على أن يشهد مستوى معيشة المواطنين ارتفاعا. وانعكاسا لرغبة الصندوق من التأكد من قدرة مصر على سداد الدين نص الاتفاق على قيام الصندوق بعمل برنامج مراجعة للمؤشرات الاقتصادية كل 6 أشهر وبناء عليه يتم عمل توصية بصرف الشريحة أم لا، وهو أسلوب رائع بالمقارنة بأسلوب عمل الصندوق القديم الذى كان يعطى الأموال دفعة واحدة. وقد قلت لأعضاء بعثة الصندوق على سبيل الدعابة ماذا لو افترضنا أن الأداء الاقتصادى المصرى شهد تحسنا شديدا؟ قالوا إن هذا سيسعدهم وإن مصر ستصبح فى غنى عن صرف الشريحة القادمة. وأقول لكل من شكك فى بنود الاتفاق مع الصندوق إنها ليست سرية بل معلنة على موقع الصندوق منذ 3 سنوات وقد كنت من القلائل الذين قاموا بترجمتها بنفسى. • لماذا لم تستجب الصادرات بالصورة المأمولة لتخفيض قيمة الجنيه؟ يستجيب لتخفيض الجنيه 3 أشياء، أولا انخفاض الواردات، وهو ما حدث بالفعل، ثانيا زيادة الصادرات لكنها لم تزد بالنسبة المأمولة، ثالثا قطاع السياحة، وحتى أكون أمينا كل ما شهدته مصر من إصلاحات حتى الآن هو إصلاحات مالية ونقدية لتهيئة بيئة الأعمال لجذب استثمارات مباشرة وليست إصلاحات تشغيلية، بمعنى أنه لا مفر من أن تقوم مصر بجلب استثمارات أجنبية مباشرة لا تقل عن 12 إلى 15 مليار دولار سنويا، وهو لم يحدث. • ما الذى يعوق قدوم الاستثمارات الأجنبية المباشرة؟ علينا أن نعرف الأسباب بالأخص بعد إصدار قانون الاستثمار ولائحته التنفيذية وتغيير قانون سوق المال، لأن هذا يشير إلى أن هناك أمورا مهمة أخرى لم تحدث بعد مثل تهيئة بيئة الاستثمار، فحقا أصبح المستثمر يذهب إلى مركز خدمة المستثمرين ويقوم بالانتهاء من إجراءاته فى يومين بدلا من 6 أشهر لكن فى النهاية استمر وجوب الحصول على نفس عدد 20 موافقة من الجهات المختلفة التى لم ترفع يدها عن المستثمر. وهو ما يضعنا أمام حقيقة ملحة لا مفر منها وهى ضرورة إصلاح الجهاز الإدارى للدولة وإعادة هيكلة إجراءاته وقوانينه وعمالته. فتعامل المستثمر مع شركتى الكهرباء والمياه ومصلحة الضرائب وبقية أجهزة الدولة العميقة به تكرار وتعارض هائل ويشهد ظاهرة الحفاظ على النفوذ. وهذا كان معلوما بالنسبة لى كمواطن لكن لمسته وعايشته عن قرب بعد أن أصبحت رئيسا للجنة الخطة والموازنة، لأن كل أرقام الدولة عندى. لذلك أرى أن هناك أجهزة يجب أن تندمج وأخرى يجب أن تصفى من الأساس. وإذا كانت الدولة تدار حاليا ب7.5 مليون موظف و80 ألف تشريع تقريبا فهذا وضع شديد التعقيد لا نتحمله ونحن لا نحتاج سوى نصف مليون موظف على أقصى تقدير، كما يجب تبسيط واختصار عدد القوانين إلى ألفين بهدف التيسير والبعد عن التعقيدات المعوقة للعمل. وقد نادى الرئيس عبد الفتاح السيسى بضرورة إصلاح عدد من الملفات ومنها الصحة والتعليم وإصلاح الجهاز الإدارى، لأنه ملف شديد الخطورة لما شابه من ترهل وبيروقراطية تشكل عائقا كبيرا نحو الانطلاق والتقدم. • كيف يمكن جذب الاستثمار الأجنبى المباشر؟ وجود خريطة استثمارية واضحة لمصر أمر أساسى ولكن نفترض أننا عرضنا 100 فرصة استثمارية فى الخارج مرفقة بدراسات الجدوى الخاصة بها ونتخيل أنها لم ترق للمستثمر الأجنبى فبالتالى نحن لا نملك إجباره على القدوم لهذا يجب أن نخلق معه قنوات اتصال وحوار للوصول إلى توافق فى الآراء وإلى حل يرضى جميع الأطراف ونحن نفتقر إلى وجود مثل هذا الحراك. النقطة الأخرى المهمة لجذب الاستثمار هى افتتاح عدد من مشروعات الكهرباء مؤخرا وذلك من أبرز الأعمال التى تشجع على الاستثمار فى مصر لانها رسالة مهمة بجاهزية مصر وقدرتها على استيعاب الاستثمار. ومن أهم العوامل التى يجب أن نضعها فى اعتبارنا أن الاستثمار لا يعنى مستثمرا أجنبيا فقط بل محليا فالاقتصاد القومى سيستفيد عند قيام المستثمر المحلى بسحب وديعة من البنك وتشغيلها فى مشروع, ولهذا نجد أن سعر الفائدة فى اغلب بنوك العالم صفر لان هذه الدول تريد حث المواطنين وتشجيعهم على الاستثمار وليس الادخار، بينما نحن فى مصر نعمل بعقلية المدخر وليس المستثمر بدليل أن فوائد البنوك حتى يومنا هذا معفاة من الضرائب لان الادخار هو سقف طموحنا، لذلك يجب حث المواطنين على شراء الأسهم والسندات على أن يعمل البنك كبائع للخدمات المالية مثل إصدار خطابات الضمان والاعتمادات المستندية إلى آخره. حقيقى أن أموال الاستثمار المحلى ليست أموالا جديدة تضخ فى شريان الاقتصاد لكن عائد استغلالها أعلى من الادخار بالإضافة إلى أن احد أهم أساليب جذب المستثمر الأجنبى هو أن يجد نظيره المحلى يعمل بسلاسة ولا توجد لديه مشاكل مع الجهات الحكومية المختلفة. • هل وضع الدين الداخلى والخارجى حرج؟ الدين الخارجى يقترب من 88 مليار دولار أى ضعف الاحتياطى الدولارى وهو حتى الآن آمن لأننا لم نتخلف مرة واحدة عن سداد أى قسط أو فوائد للدين. المطمئن أن الديون الخارجية لا توجه إلى استيراد مواد غذائية بل توجهه إلى مشروعات استثمارية أو بنية أساسية وسيتم تسديد فوائد الدين من عوائد تلك المشروعات ولكن يفضل العمل على الاعتماد على الاستثمارات المباشرة والمنح وتقليل الاعتماد على الدين الخارجى فى المستقبل. الدين المحلى هو المقلق لكن ما يطمئن أن نسب الزيادة فى الناتج المحلى الإجمالى أعلى من نسب الزيادة فى الدين المحلى وهذا أمر جيد جدا. • كيف يمكن تعظيم إيرادات الدولة؟ على الرغم من زيادة الحصيلة الضريبية لكننا نحتاج إلى رفع كفاءة الإدارة الضريبية وتوسيع قاعدة المجتمع الضريبى ليشمل المهنيين والاقتصاد غير الرسمى مع الاحتفاظ بسعر الضرائب الحالى دون أى تعديل. فلا يعقل اننا فى القرن 21 ولا نستطيع محاسبة المهنيين ضريبيا فى حين أنهم يصرخون وينادون بحقهم فى الدعم خصوصا فى المحروقات والكهرباء والغاز. لكن فى المقابل يجب على الدولة أن تسهل على المواطن دفع الضريبة وما يحدث فى تحصيل الضريبة العقارية مهزلة وقد ناقشت وزير المالية الدكتور محمد معيط وهو يحاول تصحيح الوضع. وقد آن الأوان أن ندرس بعمق وعن فهم تعظيم إيرادات الدولة غير الضريبية عن طريق تقديم الخدمات نفسها بأسعار متدرجة للفئات المختلفة وهذا ممكن خصوصا فى ظل الرقمنة وتحويل المجتمع للمعلوماتية بمعنى أن يتم النظر فى دخل الفرد وما يمتلكه من أصول وبناء عليه تحدد قيمة الخدمة المقدمة له وفق إمكاناته على سبيل المثال تتحمل الدولة نسبا مختلفة من تعليم الأبناء بدءا من صفر وصولا إلى 100% وفقا لما يقدمه ولى الأمر من مستندات تثبت دخله ويطبق هذا فى جميع الخدمات من تعليم إلى صحة للحفاظ على مستوى الخدمة المقدمة، نحن نحتاج إلى حلول جذرية للمشاكل وليست حلولا استعراضية دعائية. أيضا ما يحدث طفرة موارد سريعة هو ازدهار صناعة السياحة وقطاع الصناعة التحويلية بشكل عام وقطاع المقاولات والاستثمار العقارى والقطاع الزراعى. • تعطى أهمية خاصة لقطاع السياحة فما رؤيتك لتطويره؟ للأسف من أضعف الملفات تناولا فى برنامج الحكومة الذى عرض مؤخرا على مجلس النواب، كان ملف السياحة. هذا الملف يخص عددا من الوزارات مثل السياحة والطيران والثقافة والتعليم. فنجد الطفل فى دول جاذبة للسياحة كلبنان وفرنسا أو اسبانيا على سبيل المثال يتعلم كيف يستقبل السائحين. ومصر تحتاج إلى مجال يكون لها فيه قدرة تنافسية وهذا شىء صعب يحتاج إلى مجهود من صانعى ومنفذى السياسات. فمثلا هل يعقل أن تُدر السياحة العلاجية فى الأردن مع كامل احترامى للدولة الشقيقة دخلا أكثر من مصر؟! وأيضا منذ خمسين عاما مضت مصر كانت تأتى فى المرتبة الثالثة بالنسبة لأفضلية أبناء الخليج فى التعليم الجامعى وما قبله بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية وانجلترا ومعظم قادة الرأى بدول الخليج اليوم يفتخرون أنهم من خريجى الجامعات المصرية لكن بكل أسف تغير هذا الوضع الآن. أيضا سياحة المؤتمرات وسياحة الأفراح والمناسبات الاجتماعية يجب أن تعطى مزيدا من الاهتمام وتوجد فى مصر أماكن لا يعرف عنها احد خارج الخريطة السياحية. وقد كنت سعيدا جدا عندما استجاب الرئيس لدعوات المثقفين بعدم افتتاح المتحف المصرى الكبير افتتاح جزئيا والانتظار حتى يتم افتتاحه بالكامل بالشكل اللائق بمصر بما يتوقع أن يعظم موارد مصر السياحية بشكل كبير حيث إن كل متاحف العالم تباهى بقسم المصريات لديها. • ما معوقات السياحة من وجهة نظرك؟ سوف أتكلم بصفتى مواطنا لذلك أنا فى حل من أى قيود نحن نحتاج إلى أن نسال أنفسنا ونجيب بصراحة عن التساؤلات التالية. أولا: هل مصر تمتلك مقومات دولة سياحية كبرى؟ الإجابة نعم. ثانيا: هل مصر تطبق سياسات وإجراءات دولة سياحية كبرى؟ الإجابة لا وألف لا. ثالثا: هل التفكير والإجراءات الحكومية فى مجال السياحة مفيدة فى تنشيط السياحة؟ الإجابة لا، بل على العكس تبتعد تماما عما ينادى به الخبراء المصريون الناجحون العاملون فى هذا المجال وهو ما يثير جنونى فكل ما تفعله الحكومة وهيئة تنشيط السياحة جهود عقيمة تقليدية تفتقر إلى مواكبة العصر فعلى سبيل المثال هل انعدم الفكر الابداعى لنختزل الدعاية السياحية لمصر فى برلين برقصة التنورة وبعض الرقص الفلكلورى فى المهرجانات ونتقولب على هذا الشكل الدعائى لعشرات السنوات. يجب أن نرقى إلى منافسة الدول السياحية الأخرى ونتفوق عليها. • لماذا تأخر تنفيذ اللامركزية المالية بين المحافظات؟ فيما يخص هذا الشأن أدعو المواطنين إلى الاطلاع على نسخة قانون الإدارة المحلية الجديد المكون من 145 مادة الذى يعد خطوة أولى نحو اللامركزية الاقتصادية فى المحافظات. وقد اشتركت مع لجنة الإدارة المحلية فى مناقشة هذا القانون لوضع أفكار جديدة فى توفير واستغلال الموارد المالية. القانون مقسم إلى جزأين الأول يعالج قضايا الانتخابات والنواحى السياسية والثانى خاص بالمسائل المالية والاقتصادية والإدارية. والجديد أن القانون أعطى استقلالية ضخمة للمحافظات وهناك مواد أعطت الحق للمحافظات فى الاستفادة من حصيلتها الضريبية دون أن تذهب للخزانة العامة للدولة كما هو حادث فى كثير من دول العالم المتقدم وهذه خطوة مهمة لخلق ما يسمى بالأقاليم الاقتصادية المستقلة المكونة من عدد من المحافظات بما يخفف العبء من على كاهل الموازنة العامة للدولة. واللامركزية فى مصر عملية ليست سهلة لاننا دولة مركزية بالأساس ودائما نخشى أن توضع الأموال فى أيدى غير المتخصصين وعديمى الكفاءات حال تطبيق اللامركزية وهذا هو ما خلق صراعا بين اللجوء إلى اللامركزية التى أثبتت نجاحها فى العالم وبين التريث فى تطبيقها. وأنا شخصيا مع تطبيق اللامركزية لإيمانى بوجود العديد من الكفاءات المهدرة فى المحافظات بالأخص فى الجامعات المنتشرة فى أنحاء مصر لكنها تحتاج إلى من يكتشفها وهذا ما لمسته بالتجربة العملية من خلال التعامل مع الموظفين الشباب الذين يقومون بتنفيذ موازنة البرامج والأداء فى الوزارات المختلفة حيث تحول أداؤهم 180 درجة من عمل روتينى تقليدى إلى عمل خلاق مبدع. • إلى أى مدى نجحنا فى تطبيق الشمول المالى؟ قطعنا خطوات فى هذا الطريق لكن نحتاج إلى إصدار قانون ينظمه. كما يجب أن نضع حوافز لجذب الناس للمنظومة المالية الرسمية وتغيير العملة احد الوسائل لكن ليس فى الوقت الحالى ربما فى مرحلة لاحقة ، فالأهم هو إقناع الناس بأنهم سيكنون هم الرابحين بالانتقال إلى الاقتصاد الرسمى. ومن وسائل تحقيقه أيضا إعطاء رقم قومى أو ما شابهه لا يمكن إجراء التعاملات النقدية إلا من خلاله بما يضع التعاملات كافة فى النور. • هل تتوقع حدوث فقاعة عقارية؟ لا أنا ضد هذه الأفكار فالقطاع العقارى بخير، لكن زيادة الأسعار ناتجة عن أن الطلب أكثر من العرض ليس إلا. • كيف يمكن أن تشهد مصر انطلاقا اقتصاديا؟ نحن الآن أكثر حظا من الماضى حين كانت تجارب الانطلاق الاقتصادى لا تنتقل بسهولة بين الدول، بينما الآن فى عصر المعلوماتية أصبح لا توجد أسرار ونستطيع إرسال مبعوثين لدراسة أسباب تفوق الدول الأخرى فى جلب الاستثمارات مثلا. فما زالت الأموال تبحث عن مجالات آمنة للاستثمار ونمتلك فرصا استثمارية واسعة جدا باستثناء الاستثمارات التى نأمل أن نحصل عليها من خلال المشروعات القومية العملاقة مثل مشروع تنمية إقليم قناة السويس ومشروع الضبعة إلى آخره. أنا أتحدث عن الاستثمار الحقيقى فى مصانع وشركات وهيئات متوسطة الأجل وهو ما لا يمكن فصله عن التعليم وتدريب العامل المصرى الذى أصبح مكلفا ولديه الكثير من المتطلبات ويتسم بمستوى فنى بعيد عن القدر المأمول هذا إذا ما نجح المستثمر فى العثور عليه من الأساس وفى حال وجد وامتلك المهارة الكافية وقام بتأسيس عمل خاص به نجده يغالى فى ثمن خدمته ويدخل تحت منظومة الاقتصاد غير الرسمى الذى يحصل على دعم تموينى أو تكافل وكرامة ولا يقوم بسداد ضرائب على الرغم من تحقيقه مكاسب هائلة وهذا هو الواقع بكل اسف. وبالتالى مشروع مثل رقمنة محافظات مصر الذى أطلق مؤخرا فى منتهى الخطورة لأنه سيظهر إلى العلن جميع الأنشطة الاقتصادية بكل وضوح أمام صناع السياسات. كما أن أموال السياحة لحظية تختلف عن بقية مجالات الصناعة الأخرى لذلك فهى كنز مهدر وأهم الأصول غير المستغلة فى مصر ويجب التركيز على السياحة الوافدة من دول شهدت ارتفاعا فى مستوى الدخل مثل الصين ودول أمريكا الجنوبية وماليزيا وجنوب شرق آسيا. • هل أنت متفائل بمستقبل الاقتصاد؟ لا نملك سوى التفاؤل الحذر المبنى على العمل وتغيير العقليات وفكرة مفهوم جنى الثمار الذى أسمعه على لسان المسئولين ليل نهار لكسب الرأى العام يجب أن نعدله فى المرحلة القادمة وتغييره بجنى الثمار لمن يعمل والعملية ليست جنى ثمار بل زيادة حجم الاقتصاد ليشمل الجميع ويفتح المجال للنمو لمن يعمل حتى لا نعطى المواطن آمالا وهمية فى ظل بيئة اقتصادية متأزمة. ونشرح للمواطن أن جهده الذى كان يكسب منه 100 جنيه مع تحسن الاقتصاد واستمراره فى العمل الجاد سوف يكسبه 300 جنيه. الحكومة امتلكت الشجاعة لمواجهة المواطن بأن مستوى معيشته سيتأثر قليلا فى سبيل إجراء الإصلاحات المالية والنقدية لكن إذا لم ندخل فى الإصلاحات التشغيلية فسنجد أنفسنا بعد سنوات محلك سر لم نتطور لذلك نحن فى صراع مع الزمن.