مازال الجدل مستمرا بشأن الوضع الاقتصادي والتراجع المستمر الذي تشهده قطاعات الاقتصاد المختلفة وعدم وضوح الرؤية بشأن تنفيذ مشروع النهضة الذي نجح علي أساسه الرئيس محمد مرسي مرشح حزب الحرية والعدالة في الانتخابات الرئاسية ولم يتوقف الأمر عند عدم تنفيذ المشروع، بل وصل إلي التشكيك بعدم وجود المشروع من أساسه وأضاف إلي ذلك الجدل الواسع حول قرض صندوق النقد، ورفض حزب الحرية والعدالة له أيام حكومة الدكتور الجنزوري والعودة للموافقة عليه الآن، هذا الجدل حول العديد من القضايا حملناه إلي الدكتور عبدالله شحاتة خطاب رئيس اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة في محاولة للتعرف علي حقيقة الموضوعات وهكذا كانت إجاباته علي أسئلتنا في السطور التالية: * هناك تشكيك حول وجود مشروع النهضة هل هذا المشروع له وجود أم لا؟ ** بالتأكيد هناك مشروع نهضة، وأنا استنكر التساؤل حول وجود من عدمه، فهناك فرق عمل مستمرة في عملها ويتم التنسيق بينها من أجل الوصول إلي تصور نهضوي لمصر وللأمة بأكملها ويطرح للمصريين لمناقشته وللاتفاق عليه، أي أنه لابد أن يتبناه المجتمع ككل فهو ليس مشروع الحزب أو الجماعة بل هو مشروع كل المصريين. * علي مدار الفترة الماضية من عمر برنامج المائة يوم هل تري أن الرئيس وحكومته قد نجحوا في تنفيذه حتي الآن؟ نحن في الحزب راضون عما حققه الدكتور مرسي من أداء إذ أن حسم ملف الصراع بين المدني والعسكري لأنه كان ضرورة لأي خطوة تنموية أو نهضوية للمجتمع وما فعلته دول في سنوات فعلتها مصر تحت قيادة دكتور مرسي في شهر ونصف الشهر، هذه الخطوة وحدها أعطت مؤشرا إيجابيا للاستقرار الذي يجذب الاستثمار الذي يولد فرص عمل، وذلك علي أساس أن الرئيس مرسي يمثل سلطة منتخبة تملك القرار ولديها القدرة علي العمل وهذا أعطي ثقة للدول خاصة المتخوفة من وصول الإخوان إلي الحكم كما أعطي ثقة للمستثمرين بأنه لا يوجد صراع علي السلطة في مصر وبالتالي بدأت الاستثمارات تتدفق وأخرها من تركيا 2 مليار دولار وقبلها إيطاليا مليار يورو والبداية كانت من الصين ب6 مليارات جنيه هذا بخلاف الاستثمارات العربية من السعودية والإمارات وقطر والكويت.. ألا يعد ذلك انجازا يحسب. المهام الحقيقية * تم ترشيحك للوزارة، فلماذا تم استبعادك؟ ** علمت من ترشيحي للوزارة من الصحف، ولكن الأهم في رأيي أن أخدم بلدي في أي مكان ومكاني كرئيس اللجنة بحزب الحرية والعدالة يمكنني من ذلك وأنا راض عن ذلك تمام الرضا. * وما حقيقة تعيينك مستشارا اقتصاديا للرئيس؟ ** ليس مستشارا اقتصاديا بالمعني المفهوم ولكن الجميع يقدم كل مساعدة وعون للدولة ولمؤسسة الرياسة من أجل نهوض البلاد وإن كنت تري ذلك منصبًا فلا مانع. * وهل يكفي قرض الصندوق وحده في علاج الأزمة المالية الحالية أم أن هناك بدائل أخري يجب اللجوء إليها؟ ** بالطبع هذاالقرض لا يكفي شيئا فالعجز يقترب من 25 مليار دولار، والحد الأقصي المتوقع لهذا القرض كما طلبته الحكومة أقل من 20% من العجز المتوقع خلال هذا العام المالي، ولكن الحكومة تنظر للقرض باعتباره شهادة علي أن الحكومة لديها رؤية لإصلاح الوضع الاقتصادي المتردي. ولكن لابد أن يكون القرض حلا من الحلول أقل تكلفة ولكنه ليس الحل الوحيد، فعلي الحكومة أن يكون لديها رؤية واضحة للإصلاح وساعتها تقرر خطوات الإصلاح اللازمة وما هي أدوات التمويل اللازمة لذلك والبديل يكمن في إصلاح هيكل المالية العامة خاصة وأن ذلك ضرورة وليس ترفًا. * ولماذا التراجع في قبول القرض بعد رفض الحزب والجماعة لأنه ربا؟ ** لم نرفضه من قبل ولكن طالبنا من حكومة الدكتور الجنزوري أن توضح لناكحزب خطة الإصلاح التي سوف توظف خلالها أموال هذا القرض ليس أكثر أو أقل هذا أولا، وثانيا مسألة الربا التي يطلقها البعض أننا رفضنا القرض بسببها غير صحيحة خاصة أننا دولة غارقة في الربا حتي أننا نقترض في أحيان كثيرة لدفع مرتبات الموظفين، وقرض صندوق النقد جزء منه مخصص للمصاريف الإدارية وقد ضغطت الحكومة علي بعثة الصندوق لخفض هذه المصاريف وحتي لا تكون فائدة علي الإطلاق. الخروج من الأزمة * ما سبل خروج الاقتصاد المصري من أزمته الحالية، وكم من الوقت يستلزم ذلك؟ ** إن استعادة مسار النمو المرتفع مرة أخري هي الخطوة الأولي وذلك من خلال إرساء المنظومة الأمنية التي تحمي الاقتصاد المصري وترسل رسائل واضحة للجميع أن مصر مكان آمن للاستثمار والسياحة وهو ما يشجع أيضا المستثمر المحلي علي الإنتاج والعمل وتحفيز النمو الاقتصادي مرة أخري، ولكن هناك ضرورة ماسة للسيطرة علي عجز الموازنة وتحقيق الاستقرار علي المستوي الاقتصادي الكلي ولهذا فإن أولي أولويات أي برنامج اقتصادي هو تخفيض عجز الموازنة وذلك من خلال عدد من الآليات منها إعادة هيكلة باب الأجور، ومضاعفة الحصيلة الضريبية، وإصلاح نظام ضريبة المبيعات وتطوير الضريبة العقارية وكذلك إصلاح الهيئات الاقتصادية وإعادة هيكلة القطاع العام وفض التشابكات المالية بين الخزانة العامة وبقية كيانات المالية العامة، بالإضافة إلي إعادة هيكلة نظام الدعم الحالي بما يحقق مزيدا من استهداف حقيقي للفقراء ولن تتم أية خطوات إصلاحية إلا من خلال زيادة المشاركة المجتمعية في صياغة الموازنة من خلال البرلمان والمجالس الشعبية علي مستوي المحافظات ولزيادة درجة الشفافية والمصارحة مع المجتمع لحجم المشكلة الحالية وأن الخروج منها هو مسئولية الشعب ككل وليس الحكومة فقط، وفي رأي الشخصي أن استعادة مسار النمو يستلزم ما بين عام إلي عامين خاصة أن الموروث ثقيل في ظل بيئة من الفساد المستشري في كل أركان المؤسسات المصرية وهو مايعرقل سرعة الانجاز وحركة ومسار التنمية الاقتصادية. * وكم حجم الاستثمارات المطلوبة لتحقيق معدل نمو مرتفع؟ ** نحتاج إلي استثمارات تبلغ نحو 2،2 ترليون جنيه للوصول بمعدل النمو إلي 7% وهذا يحتاج إلي تضافر كل الجهود وكل القوي في مصر وهذا ليس صعبا. العجز.. والدين * هل تري أن مصر لديها سياسة اقتصادية ومالية واضحة لتحقيق هذا النمو؟ ** في رأيي لا توجد سياسة اقتصادية ومالية واضحة وخاصة بعد الثورة حيث تحولت السياسة المالية إلي حالة من التخبط حيث غابت أهداف السياسة المالية وأدواتها في التعامل مع اقتصاد دخل أزمة حادة منذ الثورة، والأصل أن تكون السياسة المالية جزءا رئيسيا لتحقيق أهداف النمو والاستقرار الاقتصادي وكذا العدالة الاجتماعية وتفعيل أدوات السياسة المالية لخدمة هذه الأهداف وإلا صارت الموازنة بأدواتها المختلفة مجرد قناة صرف لموارد الموازنة دون هدف أو رؤية كمايحدث حاليا. * ما رؤيتك لوضع الموازنة العامة وخاصة فيما يتعلق بالعجز والدين؟ ** لقد تسلمت الإدارة المصرية المدنية المنتخبة للبلاد إرثا ثقيلاً من النظام السابق خاصة ما يتعلق بالمالية العامة كماتترجمه الموازنة العامة بنهاية يونيو ،2012 فقد بلغ العجز المالي إلي 170 مليار جنيه في 30/6/،2012 بمعدل وصل إلي 11% من الناتج المحلي الإجمالي وهو ما جعل الدين العام الحكومي يتخطي تريليون جنيه بفوائد تزيد علي 130 مليار جنيه وهو ما يوازي تقريبًا حجم باب الأجور لنحو 5 ملايين موظف ويعادل مرتين ونصف ما يفوق الانفاق علي قطاع التعليم، المشكلة في نظري ليست في العجز أو في نسبته المرتفعة بل المشكلة كما أراها تتمثل في المشكلات الهيكلية التي تنذر باستدامة العجز وصعوبة السيطرة عليه إذا استمر هيكل الموازنة بشقيها النفقات والإيرادات علي ما هي عليه في ظل التشابكات المالية الحالية والخوف من عمليات إصلاح هيكلية. الإصلاح الضريبي! * بما أن الضرائب إحدي أدوات السياسة المالية، ما رؤيتكم لإصلاح المنظومة الضريبية؟ وهل هنا نية لفرض ضرائب جديدة أو تطبيق الضرائب التصاعدية؟ في ظل انحسار النمو الاقتصادي والتحديات الاقتصادية التي تواجهها المنشآت الاقتصادية وضعف أداء البورصة، فإن الحديث عن فرض ضرائب جديدة حديث في غير موضعه.. فنحن في حاجة إلي كسب ثقة المستثمرين ودفع عجلة النمو الاقتصادي من أجل محاربة البطالة وتخفيض معدلات التضخم، وفي نفس الوقت لابد من إعادة صياغة المنظومة الضرائبية الحالية والتي تحتاج إلي إعادة هيكلة لزيادة الحصيلة ولا يستوجب ذلك أن نرفع معدلات الضرائب في ظل التنافس مع دول مجاورة، حيث إن عملية الإصلاح المؤسسي كفيلة بزيادة الحصيلة وهو أحد أهم أهداف المنظومة الضريبية بجانب الأهداف الاقتصادية والاجتماعية الأخري. * وماذا عن الضريبة العقارية وقانونها الجديد المعطل حتي الآن برغم حاجة الموازنة للحصيلة المحققة منه؟ ** بالنسبة لقانون الضرائب علي المباني والمنشآت -المعروف بالضريبة العقارية- فإن هناك حاجة ماسة لتفعيل هذا القانون بعد نقاش مجتمعي حول آليات تفعيله لضمان تحقيق العدالة وزيادة موارد الدولة التي سوف تستخدمها في مواجهة مشكلة العشوائيات ودعم اللامركزية المالية في المحافظات المصرية. يرتبط بهذا القانون تأثيره علي قطاع الإسكان خاصة وأن هناك مخططا لدفع وتنمية قطاع الإسكان لأهمية هذا القطاع كقطاع محفز للنمو الاقتصادي ويسهم في تحفيز النمو في القطاعات الأخري. الزكاة.. وموازنة المواطن * ما هو مصير مشروع قانون جمع الزكاة وإدارة الوقف الذي كان يناقشه مجلس الشعب المنحل؟ وهل سيكون بينه وبين قوانين الضرائب تعارض؟ ** هناك حاجة ماسة لمؤسسة منظومة الزكاة والوقف في مصر لاستعادة دورهما في التمويل وفي حماية المجتمع وتنميته، وهذه المؤسسية تستلزم إطارا تشريعيا سليما قويمًا يقوي دور تلك الأدوات والمؤسسات في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها من الأدوات المنوط بها منظومة الوقف والزكاة كما حددها الشارع عز وجل، ولايوجد تعارض بينهما وبين الضرائب فلكل منظومة أدوار تؤديها لخدمة المجتمع وتنميته والخطوة الأولي في رأيي الشخصي هي الإقرار في الدستور بأهمية ودور تلك المؤسسات باعتباره أبو القوانين والإطار الحاكم للحياة في مصر مستقبلاً. كانت وزارة المالية أيام يوسف بطرس غالي تنفذ ما يسمي موازنات البرامج والأداء أين ذهب هذا المشروع؟ موازنات البرامج والمحاسبة علي الأداء مسألة أساسية لضبط الانفاق والإيراد ولتحقيق أهداف الموازنة في إطار منضبط يمكن من خلاله تقييم الأداء الحكومي في المجالات المختلفة، ولكن المسئولية لذلك تقع علي الوزارات المختلفة التي يجب عليها أن تبدأ في إعداد موازنتها في صورة برامج وتضع مؤشرات المتابعة وتقييم الأداء الذي تم تنفيذه حتي يكتمل المشروع. * وماذا عن مشروع موازنة المواطن، باعتبارك صاحب الفكرة والمسئول عن تنفيذها لأول مرة في مصر أيام عملك مستشارًا ليوسف بطرس غالي؟ ** أصدرتها الوزارة مرة واحدة وتقاعست عن إصدارها نظرًا لأنها لا تقدر قيمتها في زيادة الوعي المالي لدي المواطنين خاصة وأنها وسيلة لتحقيق الشفافية والإفصاح ولمتابعة أداء الحكومة وبرامجها المالية المختلفة. الدعم والفساد! * الدعم القنبلة الموقوتة المعرضة للانفجار في أي وقت كيف سيتم إبطال مفعولها؟ ** منظومة الدعم تحتاج إلي إعادة هيكلة حتي يصل هذاالدعم لمستحقيه، ولن يتم حل هذه المشكلة بين ليلة وضحاها ولكنها ستستغرق من 3 إلي 4 سنوات حتي تصنع منظومة متكاملة تستهدف الوصول إلي الفقراء ودعمهم بصفة أساسية وقد كان هناك رفض للمساس بهذا الدعم بوضعه الحالي حتي لو كان ذلك يتضمن إجراءات إصلاحية لهيكلة وإصلاح وضع الدعم في ظل النظام السابق ولنا أن نتخيل أن الموازنة العامة للدولة بها ثلاثة أبواب تحصل علي أكثر من 80% من حجم الانفاق العام وهي الأجور وفوائد خدمة الدين والدعم ولذلك لابد من حتمية إصلاح وضع الدعم من خلال اتخاذ إجراءات مهمة للقضاء علي الفساد في هذه المنظومة. * وكيف سيتم منع انتشار الفساد في هذه المنظومة؟ ** لن يتم ذلك إلا من خلال إعادة استخدام مواردنا لا أن يتم تصديرها فليس من الطبيعي أن تستورد المازوت والسولار من الخارج من أجل تشغيل محطات الكهرباء رغم أن هذه المحطات مصممة أساسا لتعمل بالغاز الطبيعي لا لسبب إلا أن النظام السابق كان يصر علي تصدير هذا الغاز لإسرائيل وبسعر خاص عي حساب المواطن الفقير في مصر. * هل تري أن المصالح الإيرادية تحتاج لإصلاح؟ ** بالتأكيد وأولي الخطوات في إصلاح المصالح الإيرادية وخاصة الضرائب هي إعادة الهيكلة المؤسسية لتلك المصالح كي تؤدي دورها المنوط بكفاءة وحرفية، الخطوة الثانية هي توسيع القاعدة الضريبية من خلال الحصر السليم للمجتمع الضريبي، والخطوة الثالثة في الإصلاح من خلال رفع القدرات والمهارات البشرية للعاملين بتلك المصالح، هذه الخطوات قادرة علي قيام تلك المصالح بدورها في دعم الموازنة وتحصيل حقوق الدولة في إطار من العدالة الضريبية. العام .. والخاص! أيهما يجب أن تعتمد عليه الحكومة بحيث يلعب دورا أكبر في تنمية الاقتصاد في الفترة القادمة القطاع الخاص أم العام؟ ** القطاع العام مهم وقطاع رئيسي نسعي لتطوير دوره في المنظومة الاقتصادية ومساندته من أجل رفع كفاءته ليسهم بفعالية في التنمية الاقتصادية وسيتم ذلك من خلال الإصلاح التشريعي والإصلاح المؤسسي لمنظومة إدارة القطاع العام وتشجيع المنافسة بالإضافة إلي زيادة القدرات البشرية في هذا القطاع. أما بالنسبة للقطاع الخاص فإننا نعول عليه كثيرا في عملية التنمية إذ نستهدف أن يغطي أكثر من 65% أو حتي 70% من جملة استثمارات الخطة مستقبلا وسنوفر سبل الدعم المختلفة لهذا القطاع. * ما حقيقة ما يتردد بأنك الإخواني الذي عمل مستشارا لكثير من المسئولين قبل الثورة؟ عملت مستشارا لكثير من الجهات والوزارات وليس لأفراد كما عملت مستشارا لصندوق النقد وقد استقلت منه مؤخرا وعدت إلي مصر، وهذا راجع لدراساتي وخبراتي حيث أعمل أستاذا مساعدا بكلية الاقتصاد -كلية الاقتصاد والعلوم السياسية وشغلت عددا من الوظائف منها مستشار للجنة الخطة والموازنة بمجلسي الشعب والشوري وكذا مستشار بوزارات التخطيط والتنمية المحلية والمالية، وصندوق النقد الدولي وحاليا عضو بأمانة مشروع النهضة ورئيس اللجنة الاقتصادية بحزب الحرية والعدالة.