بين حلفائه المربكين وخصومه الذين اشاد بهم والطبقة السياسية الامريكية القلقة، سرعَّت الجولة الاوروبية لدونالد ترامب ومحاولة تقربه من فلاديمير بوتين الفوضى الدبلوماسية الكبيرة التي ارادها رئيس الولاياتالمتحدة الخارج عن المألوف، لكنها اثارت على ما يبدو مقاومة جديدة في واشنطن. عندما توجه الى هلسنكي لعقد القمة مع نظيره الروسي الاثنين، قال ترامب انه يريد تحسين العلاقات مع روسيا، التي وصفها بانها اسوأ من أي وقت مضى. كنت لديه فرصة للضغط على بوتين في عدد من القضايا بما فيها مسألة ضم شبه جزيرة القرم الى روسيا واسقاط الطائرة الماليزية في شرق اوكرانيا والاتهامات بالتدخل في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2016 في الولاياتالمتحدة لمساعدة ترامب على الفوز على هيلاري كلينتون. وبعد اجتماع استمر ساعتين، وافق رئيسا الدولتين على احياء التعاون الثنائي وتحسين العلاقات، بدون ان يذكرا اي قضايا محددة. ويعتبر بعض المراقبين ذلك مصدر ارتياح. فقد كانوا يخشون ان يوافق ترامب على تنازل ما بشأن القرم او اتفاق ضمني حول سوريا. كان ترامب قد وعد خلال حملته الانتخابية بتحسين العلاقات مع روسيا، لكن قمة هلسنكي لم تقدم الكثير للحد من الشبهات بالتواطؤ بين اعضاء في فريق حملته والكرملين. وهذه العلاقات التي تثير الشبهات ونفاها ترامب باستمرار، تخضع لتحقيق يسمم ولاية الملياردير في البيت الابيض. وفي المؤتمر الصحافي مع فلاديمير بوتين، بدا ترامب وكأنه يعطي اهمية اكبر لانكار الرئيس الروسي، من تقارير اجهزة استخبارات بلده التي تؤكد ان روسيا تدخلت فعلا في الانتخابات الرئاسية بينما اعترف بوتين انه كان يأمل في فوز نظيره. وقال ايروان لاجاديك الاستاذ في جامعة جورج واشنطن ان اداء ترامب في هلسنكي لم يسمح سوى بتعميق الشكوك، ونتيجة لذلك يمكن ان تتعطل محاولة ترامب تحسين العلاقات الامريكية الروسية. وحاول ترامب الثلاثاء الحد من الاستياء في بلده موضحا انه اساء التعبير عندما اعتبر ان لا سبب لديه لعدم تصديق نفي بوتين تدخل موسكو في الانتخابات. وقال ترامب "اوافق على استخلاصات اجهزة استخباراتنا التي تفيد ان روسيا تدخلت في انتخابات 2016"، مشددا على "احترامه" لهذه الوكالات الفدرالية. جاءت القمة في ختام جولة اوروبية انتقد خلالها ترامب شركاءه في حلف شمال الاطلسي وكذلك معالجة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي لبريكست وحمل بعنف على المانيا، وكل هذا وسط جحرب تجارية مع حلفائه منذ امد بعيد. وبدا سعيه الى اقامة علاقة وثيقة مع بوتين الذي يفترض انه عدو، بدا متعارضا بالكامل مع ذلك. وقال توماس رايت مدير مركز الولاياتالمتحدة واوربا في معهد بروكينجز ان رحلة ترامب في اوروبا "كشفت ان الرئيس لا يلتزم اي حدود ويعمل وفق ايمانه بدور امريكا في العالم". واضاف ان جهود كبار مستشاريه لاحتوائه فشلت و"ترامب بات مكشوفا". وقال لاجاديك من جهته، ان ترامب مصمم على تنفيذ وعوده ايا تكن حدودها. وتابع ان ترامب "يريد ان يكون نقيضا لاوباما" ويشطب كل القرارات التي اتخذها سلفه حتى اذا كانت تندرج في اطار عقود من التقاليد الدبلوماسية. لا تلقى معالجة ترامب للعلاقات مع بوتين تأييدا كبيرا حتى بين الجمهوريين اذ ان كثيرين منهم ذكروا الرئيس بان وسيا خصم للولايات المتحدة منذ فترة طويلة. وكتب السناتور الجمهوري بوب كوركر في تغريدة على تويتر "قضي الامر". واضاف كوركر الذي سيتقاعد هذه السنة "بينما يفرض الرئيس رسوما على الامريكيين يقوم بابعاد حلفائنا وتعزيز موقع بوتين". من جانبه، رأى آرون ديفيد ميلر الدبلوماسي السابق الذي يعمل حاليا في مركز "وودرو ويسلون" ان المؤتمر الصحافي لترامب في هلسنكي كان "انعكاسا في السياسة الخارجية" للتعليقات التي اثارت انتقادات كبيرة العام الماضي وساوى فيها بين المحتجين المؤمنين بتفوق البيض وآخرين نظموا تظاهرات مضادة لهم بعد اعمال عنف عنصرية في شارلوتسفيل. وقال ميلر "يومان من العار تحدث خلالهما الرئيس الامريكي عن مساواة اخلاقية (بين البلدين واجهزتهما) واخفق في ادانة خصم للامريكيين ومجموعات كراهية، وخان القيم والمصالح الامريكية". وحذر اروان لاجاديك من ان "روسيا خط احمكر لدى الطبقة السياسية الجمهورية، انها النقطة التي ستوقظ المقاومة". وتحدث لاجاديك عن فصل يمكن ان يغير "التوازن الداخلي للسياسات الامريكية ويجبر الكونجرس على استعادة السيطرة على جزء من السياسة الخارجية الامريكية". وقال السناتور كوركر "حان الوقت لينتقل الكونجرس الى السرعة القصوى ويستعيد صلاحياته". لكن بما ان مصير العديد من السياسيين الجمهوريين مرتبط بشعبية ترامب لدى قاعدته الانتخابية، فان اي محاولة لكبح الرئيس يمكن ان تبوء بالفشل.