بمناسبة زيارة بعثة صندوق النقد الدولى إلى القاهرة فى الفترة من 5 -16 مايو الحالى فى جولة ثالثة من المراجعات الدورية (نصف السنوية)، لتقييم أداء الاقتصاد المصرى فى إطار برنامج الإصلاح الاقتصادى تمهيدا لصرف الشريحة الرابعة المقدرة بنحو 2 مليار دولار من إجمالى قرض الصندوق البالغ 12 مليار دولار؛ فإن هذه الزيارة تختلف عن سابقتها من حيث: 1- تأتى ومصر فى منتصف طريق الإصلاح الاقتصادى الممتد على مدار ثلاث سنوات وحتى نوفمبر 2019، والكل يتساءل: هل ستستطيع مصر أن تستكمل برنامجها الإصلاحى بالكفاءة نفسها فى الأداء والحماس والجرأة؟ وما مدى قدرة المصريين على الاستمرار فى تحمل أعباء الإصلاح والاستمرار فى مساندة صانعى القرار؟ 2- إن زيارة بعثة الصندوق إلى القاهرة تأتى هذه المرة برئاسة د. حازم الببلاوى المدير التنفيذى لعدد من الدول العربية فى مجلس إدارة الصندوق، ويرافقه، ولأول مرة، السيد/ ديفيد ليبتون, النائب الأول لمدير عام صندوق النقد الدولى (السيدة/ كرستين لاجارد) 3- إن هذا المستوى الرفيع لبعثة الصندوق هذه المرة جاء بمبادرة من محافظ البنك المركزى والحكومة المصرية فى أثناء مشاركتهم فى اجتماعات الربيع للصندوق والبنك الدوليين فى الشهر الماضى بواشنطن باقتراح عقد مؤتمر اقتصادى فى أثناء زيارة البعثة لمصر حول «النمو الاحتوائى وخلق فرص العمل». بالفعل تم عقد هذا المؤتمر يوم الأحد الموافق 6 مايو حيث ألقى المهندس/شريف اسماعيل رئيس مجلس الوزراء المصرى كلمة افتتاحية فى حضور السيد/ ديفيد ليبتون، والسيد/ طارق عامر، محافظ البنك المركزى المصرى والسيد/ عمر الجارحى، وزير المالية، دارت جلسات الحوار حول أهم ما تحقق من نتائج بالإضافة إلى استعراض تقييم لأداء الاقتصاد المصرى فى ضوء تجارب إصلاحية لدول أخرى ذات أوضاع مماثلة. بعدها دارت مناقشات بين العديد من مسئولى الحكومة وصندوق النقد الدولى ونخبة من الخبراء الأجانب والمصريين وكذلك رجال الأعمال والمستثمرين والإعلاميين. إن الهدف من وراء عقد هذا المؤتمر يتلخص فى توجيه ثلاث رسائل محددة للداخل والخارج وكذلك لشعوب الدول الفقيرة والنامية. فعلى الصعيد الداخلى، تم توجيه رسائل طمأنة للمواطن المصرى بأن القادم سيكون أفضل من حيث جنى ثمار النمو، فضلا عن إعطاء إشارة إيجابية لمجتمع الأعمال المصرى بتحسن الاوضاع والمؤشرات الاقتصادية وأن الحكومة والبنك المركزى عازمان على الاستمرار فى نهج الإصلاح الاقتصادى وتسهيل مزاولة نشاط الاعمال، ومقاومة البيروقراطية وبؤر الفساد. أما على الصعيد الخارجى، فتم توجيه رسائل طمأنة إلى مجتمع الأعمال الدولى بأن مصر عازمة على الاستمرار فى مسيرة الإصلاح المالى والهيكلى خاصة فى مجال تحسين مناخ الاستثمار، فضلا عن مخاطبة وكالات التصنيف الائتمانى بالتطورات الإيجابية لأداء الاقتصاد المصرى والتأكيد على انخفاض المخاطر التى يمكن أن يتعرض لها المستثمر، بهدف أن تأخذها فى الاعتبار فى تقاريرها الدورية عند إجراء التصنيف الائتمانى لمصر. أما على صعيد شعوب الدول الفقيرة والنامية، فإن مسئولى الصندوق وعلى رأسهم السيد/ ديفيد ليبتون، الرجل الثانى بصندوق النقد الدولى المعنى بهذا الشأن، الذى اعتبر أن مثل هذه المؤتمر يعد فرصة ذهبية لكى يتباهى أمام دول العالم بنجاح تجربة الصندوق مع مصر فى الإصلاح الاقتصادى بهدف محو الصورة السلبية عن سياسات وبرامج الصندوق، وهى الصورة التى مازالت مترسخة فى أذهان البسطاء والعامة من شعوب الدول الفقيرة والنامية. ولعل أبرز ما قيل فى هذا المقام يمكن إيجازه فيما يلى: أولا: ضرورة أن يكون النمو احتوائيا بحيث يستفيد من ثماره كل فئات وشرائح المجتمع. ثانيا: يجب أن تعمل الحكومة على دعم وتعزيز دور القطاع الخاص فى النشاط ليلعب الدور القيادى فى الفترة القادمة. ثالثا: القطاع الخاص هو الأمل فى أن يكون المولد الأساسى لخلق فرص العمل، خاصة فى ظل ارتفاع مستويات البطالة وزيادة أعداد الداخلين الجدد لسوق العمل الناتجة عن ارتفاع معدلات النمو السكانى، فضلا عن أن الجهاز الإدارى بالدولة مازال يعانى من الترهل والبيروقراطية بشكل يقيد من قدرته فى المستقبل على الاستمرار فى التصدى بمفرده لقضية البطالة، خاصة أن وتيرة إقامة مشروعات البنية الأساسية عند المستوى نفسه المرتفع فى المستقبل لن يكون ممكنا، ولكن سوف يأتى اليوم الذى ستخف فيه تلك الوتيرة عند مستوياتها المعتادة. رابعا: لابد أن تكون الحكومة أكثر رشاقة وحركية وأن تضطلع بمهامها بكفاءة عالية، فعليها، باعتبارها الأخ الكبير «Bigbrother» (هكذا يطلقون عليها فى دول الغرب) للقطاع الخاص أن ترعى مصالحه وتضبط إيقاع حركته من حيث توفير الحماية الأمنية له وعدالة الفصل فى نزاعاته فضلا عن توفير البنية الأساسية له: تمويل البحث والتطوير وتسهيل مزاولة نشاط أعماله ومشاركته إن كانت لذلك جدوى. خامسا: أعلنت بعثة الصندوق عن تعديل توقعاتها لأداء الاقتصاد المصرى الذى حقق نتائج ايجابية أكثر مما كان مستهدفا فى المراجعة الثانية فيما يتعلق بالنمو والبطالة والتضخم بنهاية العام المالى الحالى 2018/2017.حيث تم تعديل معدل النمو من 4.8% إلى 5.2%، ومعدل البطالة من 11.3% إلى 11.1% من قوة العمل، ومعدل التضخم من 11.9% إلى 10.4%. سادسا: أكد الحاضرون بالمؤتمر أهمية تعزيز برامج الحماية الاجتماعية فى الفترة القادمة سواء كان ذلك متمثلا فى زيادة التحويلات النقدية للفئات الأكثر احتياجا والاستمرار فى توفير المسكن الملائم للمواطن وتحسين الخدمات التعليمية وتوفير الرعاية الصحية وتطوير العشوائيات خاصة الخطرة منها. سادسا: ضرورة أن تعمل الحكومة بالتنسيق مع البنك المركزى المصرى على اتخاذ إجراءات احترازية لمواجهة التطورات العالمية وانعكاساتها على المنطقة العربية وتبعاتها على الاقتصاد المصرى، مع ضرورة مخاطبة المواطن بتلك التطورات حتى يكون مستعدا لمواجهتها والتكيف معها. فعلى سبيل المثال قامت الإدارة الأمريكية بفرض تعريفة جمركية على وارداتها من الحديد والألومنيوم القادمة من الصين وبعض الدول الأخرى ثم تهديد الأخيرة باتخاذ إجراءات مضادة وهو الأمر الذى يؤثر سلبا على معدلات نمو التجارة العالمية بشكل يعوق زيادة حصيلة قناة السويس التى تمر بها نحو 10% من تجارة العالم وهو الأمر الذى يؤثر سلبا على جهد الحكومة فى خفض عجز الموازنة. كذلك اتخاذ الإدارة الأمريكية قرارها بالانسحاب من الاتفاق النووى الذى أبرم منذ أكثر من عامين فيما يعرف باتفاق (5+1). هذا القرار الذى أدى إلى تأجيج الصراع وتصعيد حدة التوتر الجيوسياسى بالمنطقة بين إيران وحلفائها من ناحية وبين وإسرائيل من ناحية أخرى. وكذلك بدء الإدارة الأمريكية اتخاذ إجراءاتها بفرض عقوبات على ايران مرة اخرى. لاشك أن هذه التطورات وتصاعد حدة التوتر بالمنطقة سوف تؤدى إلى زيادة ضغوط على الاقتصاد المصرى من حيث قدرته على جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية وحفز الصادرات والسياحة. يمكن أن تكون له آثار سلبية. بالطبع، فإن ذلك يتطلب من الحكومة والبنك المركزى أن يقوما بإدارة دفة الأمور بدقة وحكمة بالغة فى ظل هذه الأجواء غير المستقرة فى الفترة القادمة.