لو نجحت وزارة المالية فى إدارة برنامج طرح شرائح من أسهم الشركات العامة فى البورصة بالقيمة المستهدفة وخلال الفترة الزمنية المقررة فسيعد هذا إنجازا مهما يحقق أهدافا عدة فى مقدمتها حل «عقدة» الخصخصة التى أصابت المجتمع كله جراء التجربة الهزيلة إلى حد الفشل التى مررنا بها عند تنفيذ برنامج الخصخصة فى التسعينيات من القرن الماضى. ولو صدق وزير قطاع الأعمال فى توجهاته بشأن المعالجة الجذرية لمشكلات الشركات العامة المتعثرة ونصف المتعثرة بما يعفى الخزانة العامة من تحمل الأعباء المتراكمة جراء فشل هذه الشركات حتى فى تدبير أجور موظفيها فسيكون هذا إصلاحا جريئا لأزمة مستعصية ومرحلة من سبعينيات القرن الماضى. ولو نجحت الحكومة فى تحقيق معدل النمو المستهدف فى موازنة السنة الجديدة الذى يقترب من 6%، فسنكون قد وضعنا البلاد على طريق النمو السريع والمستدام بما يكفل حل كثير من مشكلاتنا الاقتصادية وبالتالى الاجتماعية، وحتى السياسية. الموازنة الجديدة لم تظهر تفاصيلها بعد، ولكنها تحمل رقما ضخما للنفقات يتجاوز 1.4 تريليون جنيه، ولهذا فهى محملة بعجز ضخم أيضا يبلغ 430 مليار جنيه على الرغم من ارتفاع الإيرادات التقديرية لتقارب تريليون جنيه بينها 760 مليار جنيه حصيلة الضرائب المتوقعة بزيادة نحو 150 مليار جنيه عن عوائد الضرائب فى الموازنة الحالية بنسبة زيادة تبلغ 25%، وإلى أن تطرح الموازنة بالتفصيل فإن أهم نسبتين جرى الإعلان عنهما هو تراجع عجز الموازنة إلى 8.4% من الناتج الإجمالى وهو الأقل فى 10 سنوات، وكذلك تراجع نسبة الدين العام إلى أقل من 90% من الناتج الإجمالى، وتحقيق هذه النتائج «المريحة» مرهون بالطبع بالنجاح فى زيادة الناتج المحلى الإجمالى بنسبة 5.8% كما ورد فى مشروع الموازنة، وهو هدف قومى ينبغى أن يتشارك المصريون جميعا فى تنفيذه والوصول إليه. برنامج الطروحات الحكومية يسهم فى مساندة المالية العامة، فهو يستهدف حصيلة تقدر بنحو 80 مليار جنيه فى فترة لا تزيد على 30 شهرا من خلال بيع شرائح من رءوس أموال 23 أو 27 شركة عامة وبنكا وهى كلها مؤسسات رابحة ومتميزة وبعضها يتداول أسهمه فى البورصة بالفعل. وزير المالية قال صراحة إن البيع لمستثمر استراتيجى غير وارد وبالتالى فإن البرنامج يستهدف توسيع قاعدة الملكية وتنشيط البورصة وليس نقل إدارة هذه الشركات إلى القطاع الخاص. كلنا يتذكر بالطبع مآسى تجربتنا مع المستثمر الاستراتيجى خلال التسعينيات، وتقف المراجل البخارية وقها وادفينا وطنطا للكتان وحتى عمر أفندى شاهدا على سوء الاختيار لعروض الشراء ومدى كفاءة المشترين وقدرتهم فضلا عن نياتهم وراء التقدم لشراء حصة حاكمة فى هذه الشركات، وهى قصة الآن أصبحت فى ذمة القضاء والتاريخ. البرنامج يسهم كذلك فى تنشيط تعاملات البورصة التى تعانى من فقر الطروحات الجديدة بسبب جمود الإصدارات من القطاع الخاص حيث تقل القيمة السوقية للأسهم فى البورصة المصرية عن تريليون جنيه وهى نسبة بما يعادل نحو 32% فقط من الناتج المحلى الإجمالى، والأمل أن تساند هذه الطروحات العامة طروحات أخرى من القطاع الخاص حتى نصل بالنسبة إلى 50% على الأقل خلال العامين المقبلين. وبعيدا عن برنامج الطرح الذى جرى الإعلان عن خطواته التنفيذية الأسبوع الماضى تظل قضية شركات قطاع الأعمال الخاسرة «48 شركة» وضآلة عوائد الشركات المستقرة والرابحة والبالغة 73 شركة حيث يستلزم الأمر معالجات مختلفة للتخلص من أعباء هذا القطاع على الخزانة العامة حيث تبلغ قيمة مديونيات هذا القطاع طبقا للوزير 42 مليار جنيه وهى مرشحة للتصاعد أيضا بسبب صعوبات فنية واقتصادية تحول دون إصلاح هذه الشركات وهذا هو التحدى الحقيقى الذى يواجه الحكومة. تصريحات الوزير تشير إلى اقتراب مختلف لمعالجة ملفات الشركات الخاسرة المزمنة، ملمحا إلى تصفية بعضها مثل النصر للسيارات والحديد والصلب وبعض شركات الخصخصة ونقل مصانع القومية للأسمنت التى تقترب خسائرها من مليار جنيه، كما أشار إلى إمكانية إشراك مستثمرين فى النهوض بشركات أخرى تحتاج إلى زيادة رأسمالها، وفوق ذلك تحتاج إلى تحديث الإدارة والتقنيات المستخدمة.. قضية الشركات العامة برغم كل شىء أصبحت مهيأة أكثر من أى وقت مضى لتقبل العلاجات الاقتصادية بعدما تراجع عدد العاملين فى هذه الشركات إلى 214 ألف موظف مقابل مليون موظف قبل 10 سنوات. خطوت الإصلاح تمضى قدما بوتيرة مقبولة لتنتقل إلى معالجة الاختلالات الاقتصادية بجانب الإصلاحات المالية والنقدية وهو ما يبشر بقرب قطف ثمار برنامج الإصلاح الشاق، لو جاء التنفيذ محققا للتقديرات الأولية والخطط الموضوعة.