عاد إنتاج الغاز للارتفاع مرة أخرى فى مصر اعتبارا من 2015 مع اكتشاف وتشغيل حقول غاز المتوسط وتشمل حقول سلامات، وظهر، ونورس، وأتول، وشمال الإسكندرية. ويتوقع أن تحقق مصر اكتفاء ذاتيا وفائضا من الغاز فى 2018، وتتحول إلى مصدر للطاقة، وتزداد فرص التعاون بينها وبين دول شرق المتوسط والشرق الأوسط. وتتجه مصر للاستفادة المثلى بغاز المتوسط، ولهذا رسمت الحدود البحرية الاقتصادية مع اليونان وقبرص. وتسعى الأخيرة لنقل غاز حقل "أفروديت" إلى محطات الإسالة المصرية، وتصديره إلى أوروبا. وبذلك أصبحت اكتشافات الغاز فى البحر المتوسط قادرة على تحويل مصر إلى دولة صناعية متقدمة. وبالتوازى حققت مصر طفرة كبيرة فى إنتاج الكهرباء ببناء محطات الكهرباء الألمانية الجديدة، وبمفاعل الضبعة. بجانب مشروع الربط الكهربى بين الدول العربية، من بغداد شرقا مرورا بالسعودية إلى مصر. ثم غربا إلى ليبيا وتونس والجزائر حتى المغرب. بما يضيف فائض طاقة بنحو 30% نتيجة لاختلاف التوقيت بين البلدان العربية. وستمتد الشبكة جنوبا إلى كل من سد النهضة فى إثيوبيا وسد الكونجو، والمشروعات الإفريقية الأخرى، ليرتبط كل ذلك بأوروبا غربا عن طريق المغرب وإسبانيا، وشرقا عن طريق سورياوتركيا. وترى مصر أن كل ذلك يؤهلها لأن تصبح مركزا وبورصة لتوزيع الطاقة بين الشرق الأوسط وإفريقيا وأوروبا. وناقشت الأمر لجنة الطاقة والنقل والبيئة المصرية الأوروبية بالقاهرة فى إبريل 2015 . وأثنى الجانب الأوروبى على تطور سياسات واستراتجيات مصر ووصفها بأنها "ثورة ثالثة". ومن جانبها تسعى منظمة التجارة العالمية لوضع قواعد لتجارة الطاقة أكثر مرونة وشفافية وقابلة للتنبؤ، لصالح المستوردين والمستهلكين والمصدرين. كذلك تبنى الاتحاد الأوروبى إستراتيجية لاستقرار إمدادات الطاقة، وتنمية علاقات متوازنة مع الأطراف الدولية. وتسعى الإستراتيجية لترتيب البيت الأوروبى من الداخل، وتعزيز الاحتياطى الاستراتيجى، والسعى للاتفاق مع روسيا والدول المستهلكة الرئيسية، ومع منظمة الأوبك ودول الخليج العربى. والتوصل فى منظمة التجارة العالمية إلى اتفاقيات مناسبة. وتشجيع مشروعات الغاز الجديدة، والطاقة الجديدة والمتجددة، كطاقة الرياح والمياه والشمس. وخفض الاعتماد على الواردات، والحد من نمو الطلب. وتبنى نظام لتوريد اليورانيوم المخصب إلى دول الاستخدامات السلمية للطاقة النووية. أما تركيا فقد تراجعت مكانتها العالمية والإقليمية بعد سقوط الاتحاد السوفييتى وحلف وارسو وانضمام روسيا إلى مجموعة السبعة الصناعية G7. وتراجع الدعم الذى كان الغرب يقدمه لتركيا، باعتبارها خط دفاعه الأول شرقا، وعزوف الاتحاد الأوروبى عن منحها عضويته. فجاءت تصريحات وزير خارجيتها المستفزة لتزعم أن اتفاقية ترسيم الحدود الاقتصادية بين مصر وقبرص لم تأخذ بعين الاعتبار حقوق القبارصة الأتراك. وقد ردت الخارجية المصرية بقوة.
وتلفت النظر ثلاث زوايا تحدد حركة تجارة الطاقة: الزاوية الأولى - أسعار البترول: حاولت الدول المنتجة قبل ثورة أسعار البترول الأولى فى سنة 1974 الوصول بسعر برميل البترول إلى 12 دولارا بدلا من سعر 2.5 دولار السائد وقتها، الذى كان يمثل ربع ثمن البرميل بالأسواق المستهلكة. وكان الفارق يقسم بين شركات الشحن والتكرير والتوزيع. وقبلت الشركات المستغلة والدول الصناعية الكبرى بسعر 6-8 دولارات للبرميل، عندما كان سعر الدولار لأوقية الذهب يساوى 35 دولارا للأوقية. وباعتبار أن سعر الذهب يتخطى الآن 1300 دولار للأوقية، نصل للاستنتاجات الآتية: أن السعر المجحف للبترول عام 1974(2.5 دولار) أصبح يساوى اليوم 93 دولارا. والسعر الذى قبلت به الشركات وقتها (6-8 دولارات) يساوى الآن 260 دولارا. أما السعر الذى طالب به المنتجون (12 دولارا) فأصبح يساوى 445 دولارا. الزاوية الثانية - الاستخدامات السلمية للطاقة النووية وإنتاج الوقود: تنظم معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية استخدام الطاقة الذرية. وتمنح الدول غير الحائزة للأسلحة الذرية الحق فى إنتاج واستخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية. وتيسر تبادل المواد والمعلومات اللازمة لذلك. وقد تراجعت الدول أعضاء النادى الذرى عن تنفيذ التزاماتها. والتى أشار إليها وزير الخارجية سامح شكرى فى خطابة بجنيف مؤخرا: • إيقاف سباق التسلح ونزع السلاح الذرى الكامل فى ظل مراقبة دولية. • تزويد دول المعاهدة غير الحائزة للأسلحة الذرية بنتائج التطبيقات السلمية للطاقة الذرية. • مساعدة الدول فى أن تنتج الوقود اللازم لتشغيل المفاعلات النووية للأغراض السلمية. وصار هناك أمر واقع يقوم على تقسيم الدول كالتالى: دول تمتلك برامج نووية معلنة تشمل استخدامات عسكرية (النادى الذرى). ودول تمتلك برامج عسكرية لا تعلن عنها (إسرائيل)، وتساندها الولاياتالمتحدة والغرب. ودول تسعى لاستخدام الطاقة الذرية للأغراض السلمية وتنضم للمعاهدة، ومع ذلك ينكر عليها حق إنتاج الوقود. ومطلوب منها أن تمنح خصومها فقط حق تزويدها بالوقود الذرى (إيران). والتحدى الأخطر هو أن الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبى يعملان فى اتجاهين مختلفين ومتعارضين: الأول لتحرير التجارة فى البترول، المملوك فى الأغلب لأطراف غير غربية. والثانى لاحتكار وتقييد التجارة فى الوقود الذرى المملوك أغلبه لدول النادى الذرى. الزاوية الثالثة - المعايير المزدوجة: أثار وزير الدفاع الأمريكى السخرية فى القاهرة عام 2007 برده على سؤال حول "موقف أمريكا من الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية" حيث يتسم بالازدواجية تجاه الحالتين الكورية والإيرانية، مقارنة بالحالة الإسرائيلية التى تُمنح غطاء كاملا للخروج على الشرعية؟! ورد الوزير بأن النظام الديمقراطى الذى يمتلك أسلحة نووية (إسرائيل) لا يمثل تهديدا، بعكس نظام دكتاتورى (كإيران). وكان الرد المنطقي: إن الضحية لن تشعر بفارق فى حالة (اغتيالها) بسلاح دكتاتورى أو سلاح ديمقراطى. علما بأن المرة الوحيدة التى استخدم فيها السلاح الذرى كان السلاح أمريكيا ديمقراطيا! ولهذا يجب أن نحترس ونحن نشترى مفاعلات بمليارات الدولارات، وتحجب عنا تكنولوجيا إنتاج الوقود، لأننا سنخضع بترولنا ووقودهم الذرى لسيطرة الغرب، ونبقى رهينة لمزاج الآخرين، فلإقدام مصر على عصر الطاقة الذرية يتعين أن نشترط: • نسبة منشأ وطنى من المكونات "التكنولوجية" للمفاعلات النووية. بما يكفل نقلها للعقول المصرية. • التمسك بحق إنتاج الوقود اللازم للمحطات. • اكتساب مهارات الأمان النووى والاستخدام الآمن، والتخلص من النفايات.